09 - 05 - 2025

عزاء دون ميت بجامعة جنوب الوادي

عزاء دون ميت بجامعة جنوب الوادي

للحقيقة ترددت أكثر من مرة فى الكتابة حول هذه القضية المخجلة والتى قطعا يؤسفني أن تقع أحداثها فى صعيد مصر حيث الأخلاق والقيم والمبادئ التى يتم غرسها فى نفوس الطفل منذ ولادته وتظل معه إلى أن تصادفها عوامل التعرية ويصمد من يستطيع ويتخلى عنها الضعيف غير المؤسس على مضادات الانحطاط والهبوط المفاجئ للأخلاق والقيم.

مع بداية أغسطس الحالى كنت قد علمت بانتهاء فترة رئاسة عدد من رؤساء جامعات مصر من العلماء العظام الذين قدموا طوال حياتهم العملية كل ما لديهم من جهد وعلم وعرق، ومن بينهم عالم جليل وإدارى ربما لا ينتمى لهذه المرحلة من القيادات الضعيفة فى بعض المناصب، وانما يتماشى مع توجهات القيادة السياسية من حيث الحزم والحسم الشديد والذى قطعا لن يرضى قطاعا مهما من المنتفعين اصحاب المصالح وهو د. يوسف غرباوي رئيس جامعة جنوب الوادي، وليلة انتهاء رحلته مع الجامعة والادارة دار بيننا حديث شيق امتد لوقت طويل ، جل ما دار به هو سعادته بأن ترك الجامعة في أحسن حال وخرج ليمارس ما تبقى لرجل "ستينى" من سنوات ينعم فيها بالهدوء مع أسرته.

بعد هذه الليلة وهذا الحديث، استيقظت كعادتي صباحا أصافح فنجان قهوتى "الفرنسية" التى اعشقها ورحت أتابع صفحات "الردح الاجتماعي" كما أطلق عليها، وفوجئت برسالة من صديق نقلا عن "بوست لهذه الصفحات" يعلن وفاة د. غرباوي والذى كنت أحادثه قبل ساعات وينعى هذا الاستاذ الجليل ويؤكد أن موعد تشييع الجنازة لم يحدد وسيتم تحديده لاحقا.

 ومع أن الموت هو الحقيقة المطلقة الوحيدة فى هذه الحياة، إلا أني سرحت بخيال سريع ودموع متحجرة وذكريات ساعات ماضية مع رجل لا أذكيه على الله، ولكن أقول جازما إنه واحد من أشرف وأنقى قيادات الصعيد، تركت فنجانى وحاولت التواصل مع أي صديق مشترك دون جدوى، ومكثت ساعات غير بعيد عن طاولتي، وقررت فجأة أن أهاتف الرجل حتى أستطيع التواصل مع أسرته، كانت المفاجأة أن رد د. غرباوى "مبتسما": لسه فى العمر بقيه يا صديقي ، بعدما تسابق رؤساء جامعات مصر ووزراء إما في نعي الرجل الحي أو مدح أفعال سابقه له، وهو الذي لا يزال على قيد الحياة ولم يغادر غرفة نومه بعد.

ومع تردد الحديث أن من فعل هذا ليسوا بعيدا عن السلك الجامعى واستنكار الجميع لهذه الافعال بمن فيهم وزير التعليم العالى السابق والحالي ، إلا أن الواقعة تؤكد أن الهواء الفاسد غير الصحي والتنافس على المصالح انتقل من أوساط معينة واستطاع دخول الجامعة دون كارنيه أو استئذان. 

أبدا هذه ليست أفعال من اختارهم المجتمع والقيادة من أجل أن يصنعوا جيلا جديدا من شباب مصر الواعى المثقف، ابدا أيا كان صاحب مصلحة أو خريج مدرسة "عبده مشتاق" لا يمكن له الهبوط بالتفكير إلى حد الإعلان عن وفاة رجل يوم خروجه للمعاش وتصدير صدمه لأصدقائه وأقاربه وعائلته.

عزيزي خفيف الظل والوزن والفكر.. إن هذه الافعال لا تناسبك إن كنت من أبناء الجامعة، وفقط صنعت مظاهرة حب لرجل يعرف القائمون على الأمر، وأجهزة الدولة المهمة، قدره وقيمته.

 واتمنى ممن تولى أمر هذه الجامعة الكبيرة أن يحقق فيما جرى، لئلا يقول فى نهاية رحلته أيضا "لقد أكلنا يوم أكل الثور الأبيض"
----------------------
بقلم: عادل عبدالحفيظ

                                                                          


 

مقالات اخرى للكاتب

رأي | لمؤاخذة ... قنا يا حكومة