لم يأت ورود ترجمة رواية "مرثيات وطن" للكاتب الأمريكي من أصل باكستاني ضمن القائمة القصيرة لجائزة جابر عصفور في دورتها الأولى من فراغ. وهذه القائمة تضم أعمالًا في مجال الآداب والدراسات النقدية مترجمة إلى اللغة العربية، وتحمل اسم مؤسس الجهة المانحة لها، أي المركز القومي للترجمة. وقام بترجمة هذه الرواية إلى اللغة العربية محمد عثمان خليفة وقد جرى تكريمه خلال حفل نظمه المركز القومي للترجمة حضرته وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني ومديرة المركز الدكتورة كرمة سامي. وأصدرت هذه الترجمة دار العربي للنشر، وهي من أنشط دور النشر الخاصة المصرية في مجال الترجمة بشكل عام. أما خليفة، فقد قررت الدار الاحتفاء به، لورود اسمه في القائمة القصيرة لجائزة جابر عصفور، وكذلك لأنه ترجم 27 عملا نشرتها الدار ويعد من أوائل من بدأوا معها في مشروع الترجمة "كتب مختلفة" الذي بدأته عام 2010. ومن أشهر ما ترجمه خليفة ونشرته دار العربي: كتاب "سقوط الفيفا" لديفيد كون، "قلق الأمسيات" لماريكا لوكاس رينفيلد، وهي الرواية الحائزة على جائزة البوكر الدولية 2020، و"العشاء" لهيرمان كوخ، و"مصنع الأحذية" لجيفري لويس.
أما رواية "مرثيات وطن"، فيقول مدير دار العربي للنشر شريف بكر إن اختيارها لترجمتها إلى اللغة العربية مثَّل تحديا بسبب موضوعها الشائك وتناول أياد أختار لموضوعات حساسة في الثقافة الدينية بشكل مباشر وموضوعي تماما. وأضاف أنه كان من الممكن أن يتم الاتفاق مع المؤلف وصاحب الحقوق على تخفيف حدة الرواية كما يُقال، أو على إزالة النقاط التي يمكن أن تثير الجدل، لكن الأصل في عملية الترجمة هو نقل وجهة نظر الآخر لكي نتعلم نحن أيضًا تناولها بموضوعية. وقال بكر كذلك في سياق الاحتفال بمترجم هذه الرواية إلى اللغة العربية إن عملية الترجمة والتحرير مثلت تحديًا للمترجم ولفريق التحرير الذي ناقش كل كلمة وفقرة يمكن أن تُفهم بشكل خاطئ أو تسبب نوعًا من الارتباك لدى القارئ، فكنا حريصين على اختيار مرادفات معينة.
ويستكمل بكر: "في النهاية، خلصنا إلى أنه من المهم عدم القيام بتغيير جذري في متن الرواية طالما أنها لا تتخطى الحدود المرسومة، وفي الوقت نفسه تحرص على التعبير عن وجهة نظر الكاتب".
وعلى أية حال فإن "مرثيات وطن" تعد من أكثر الأعمال التي حققت نجاحًا وشهرةً وإثارةً للجدل في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2020 إن لم تكن الأنجح على الإطلاق. وقد تم اختيارها على رأس أكثر من عشرين قائمة للكتب الأكثر ترشيحًا للقراءة، وقد اُختيرت كأفضل كتاب في 2020 من قبل صحيفة "واشنطن بوست"، ومكتبة نيويورك العامة، بالإضافة إلى اختيارها ضمن قائمة صحيفة "نيويورك تايمز"، وصحيفة "بابلشر ويكلي"، وصحيفة "إنترتينمنت ويكلي"، ومجلة "تايم" لأفضل 10 كتب عام 2020، ووصلت إلى المرحلة النهائية لميدالية "أندرو كارنيجي" لعام 2021 للتميز في الرواية، كما فازت بجائزة الكتاب الأمريكية لعام 2021، وجائزة جمعية مكتبة "ويسكونسن" الأدبية للعام نفسه.
ويقدم "أختار" في هذا العمل صوتًا روائيًا يصف لنا بلدًا أفسدت فيها الديون حيوات العديدين وتسببت في انهيار المعايير الثقافية والأخلاقية التي تمت التضحية قربى لآلهة المال، وعاش المهاجرون في خوف من الترحيل، وعادت آلام الحادي عشر من سبتمبر من جديد ليعاني منها الوطن. حاول "أختار" أن يفهم ما يحدث ويجعله منطقيًا من خلال حكايته عن أهله المنحدرين من باكستان وغيرهم من المهاجرين، والذي يحاولون بدورهم أن يتأقلموا ويصبحوا أمريكيين.
الكاتب "أياد أختار"، وُلد في مدينة نيويورك عام 1970، درس في جامعة "براون" وتخصص في المسرح، والدين، وبدأ في تمثيل وإخراج المسرحيات الطلابية. بعد التخرج درس التمثيل، وحصل على درجة الماجستير في الفنون الجميلة في الإخراج السينمائي من كلية الفنون بجامعة "كولومبيا". نُشر له رواية "الدرويش الأمريكي" عام 2012 وتُرجمت إلى أكثر من 20 لغة حول العالم، كما عُرض له العديد من العروض المسرحية "موصوم"، و"اليد الخفية". ويذكر أن الكاتب "أياد أختار" حائز على جائزة "بوليتزر" للدراما عام 2013 عن مسرحيته "موصوم"، ومن المرشح بشكل كبير داخل الساحة الأدبية فوزه بها للمرة الثانية عن "مرثيات وطن"، وقد فاز أيضا بجائزة الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب.