15 - 05 - 2025

محمد المكاوي.. صحفياً وناقداً فنياً

محمد المكاوي.. صحفياً وناقداً فنياً

الكاتب الصحفي والناقد الفني محمد المكاوي رئيس تحرير مجلة الكواكب السابق، هو أحد أعلام المدرسة المصرية العريقة في الصحافة الفنية، وهو امتداد للجيل الذهبي أمثال: محمد التابعي، طاهر الطناحي، ومصطفى أمين، وجليل البنداري، وعبدالله أحمد عبد الله (ميكي ماوس)، وكمال النجمي، وعبد النور خليل، ونبيل عصمت، وثروت فهمي، وايريس نظمي، وعاطف النمر، وغيرهم.    

  وترجع صلتي بالأستاذ محمد المكاوي إلى حوالي ثلاثين عاماً، عندما انتظمت في مطالعة مجلة "الكواكب"، وكانت موضوعاته تنشر بعد موضوع رئيس التحرير مباشرة، وبعد صدور كتابي "بليغ حمدي عبقري النغم" عن قطاع الثقافة بأخبار اليوم عام 2018 سعيت إلى لقائه بمكتبه بمجلة "الكواكب"، وكان وقتها رئيساً للتحرير وسمح بلقائي واستقبلني استقبالاً حافلاً، وأهديت له كتابين هما "بليغ عبقري النغم"، و"أعلام مصريون معاصرون"، وفؤجئت به في العدد التالي يفرد لكتابي عن بليغ صفحة كاملة في مجلة الكواكب، بعد ذلك وفي الذكرى السنوية لرحيل بليغ دعاني الأستاذ المكاوي للكتابة عنه، فأعددت عنه ملفاً استغرق 16 صفحة، نشر في عددين متتالين، وفي ذكرى وفاة فايزة أحمد دعاني لعمل ملفاً عنها فأعددته ونشر في حوالي سبع صفحات، ثم رحب بكتاباتي الأخرى لولا تغيير رئيس التحرير وإلغاء المجلة لتدمج مع مجلات "حواء"، و"طبيبك الخاص". وقد سبّب هذا القرار الظالم صدمة للمجلة العريقة من الفنانين والصحفيين على السواء ...

وقد زرته مؤخراً في منزله واستقبلني بحفاوة شديدة، وفي هذه الزيارة أطلعني الأستاذ مكاوي على أرشيفه الصحفي الضخم، وألبوم صوره مع كبار النجوم، كما أهداني كل ما هو مكرر في مكتبته الفنية العامرة والمرتبة ترتيباً دقيقاً..أهداني كتباً عن شادية وكتباً أخرى للأساتذة: محمد سعيد، ومجدي نجيب، وأعداداً من مجلة الكواكب..وفي مقالي هذا أردت تعريف شباب الصحفيين بمنجزه، وقد اعتمدت فيه على حوار مطول أجريته معه وعلى أرشيفه الذي أعارني إياه.. 

ولد محمد إبراهيم فاضل المكاوي في قرية صفط تراب، التابعة لمركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية عام 1962، وعاش بها بعض سنوات الطفولة حتى انتقل إلى مدينة القاهرة؛ لأن والده كان ضابطاً بالقوات المسلحة، وكان كثير التنقل في هذا التوقيت، وتعلم في مدارس القاهرة: في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وكان مجال الإعلام لا يخطر له على بال، وكان يريد الالتحاق بمعهد التخطيط الدولي، وكان يضعه كرغبة أولى وتليه كلية الإعلام، وجاء تنسيقه في كلية الإعلام، وكان لا يرغب الاستمرار بها إلا أنه اطلع على دليل الكلية فراقت له وقرر الاستمرار فيها، ومن أساتذته الدكاترة: خليل صابات، ومحمود علم الدين، ومحمود نبهان سويلم، وفاروق أبو زيد، ومن زملاء دفعته علاء عبد الهادي رئيس تحرير أخبار الأدب وعصام السباعي رئيس تحرير آخر ساعة، وعبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام، وأشرف غريب رئيس تحرير مجلة الكواكب الأسبق، ومحمد الصباغ رئيس مجلس إدارة روز اليوسف الأسبق، وتخرج عام 1985، وفي الكلية كانت له مشاركات في النشاط الفني والغنائي؛ حيث كان يشترك بالغناء في الحفلات التي كانت تقيمها الجامعة، واقترب من هذا المجال، وقرر أن يستمر فيه من بوابة الصحافة الفنية، ومن هنا قرّر العمل بمجلة "الكواكب" أعرق مجلة فنية في مصر والعالم العربي، ونحت في الصخر واكتسب الخبرات من الأساتذة الكبار أمثال: رجاء النقاش الناقد الكبير وصاحب الأعمال النقدية والفكرية، وحسن شاه؛ الكاتبة الكبيرة وصاحبة الرصيد الكبير في الكتابات الفنية والسينمائية، ومحمد سعيد صاحب المؤلفات الرائعة في الفن والسياسة وأدب الرحلات يأتي في مقدمتها موسوعته "أشهر مائة في الغناء العربي"، والشاعر الغنائي والفنان التشكيلي مجدي نجيب وكذلك الكاتب الصحفي الكبير سيد فرغلي.

وقد تأخر انتظام محمد المكاوي بنقابة الصحفيين نتيجة للصراعات التي كانت قائمة بين الأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس مجلس الإدارة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة المصور، والأستاذة حُسن شاه الهاكع رئيس تحرير مجلة الكواكب، وقد رفض الأستاذ مكرم أن يعين أحداً بالمجلة في هذه الفترة ولمدة ثماني سنوات. وصمم المكاوي على البقاء في الكواكب وبالفعل مكث يعمل فيها 12 عاماً حتى ابتسم له الحظ وأصبح عضواً بنقابة الصحفيين في أول يناير 1997. 

في مجلة الكواكب: 

استطاع محمد المكاوي أن يثبت جدارته من أول يوم عمل فيه في هذا الصرح العظيم دار الهلال العريقة، فقد مارس الكتابة بكافة أنواعها وأشكالها: الخبر، والتحقيق، والحوار، والمقال في شتى مجالات الفنون، والموسيقى والغناء، والسينما، والمسرح، والإذاعة والتليفزيون.. وتتميز كتاباته بعمق الفكرة ودقة التعبير والهدوء بعيداً عن الضجيج، وكان يواكب كل ما هو جديد على الساحة الفنية..

أجرى الأستاذ محمد المكاوي الحوارات الناجحة مع نجوم العصر في مصر والدول العربية، وكان أول حوار له مع الفنانة الشابة إيمان الطوخي في العدد الصادر في 10/9/1985، واختار له عنوانا مثيراً "الموجي وبليغ وسلطان فقدوا القدرة على ألحان للأصوات الجديدة"، ولما وجه لها سؤالاً عن معاناتها في أول سنواتها في عالم الغناء في هذا التوقيت، قال لها: كيف يحدث هذا وعندنا من الملحنين محمد سلطان، ومحمد الموجي، وبليغ حمدي، الذين يتعاملون مع الأصوات الجديدة؟ فأجابت قائلة: "هؤلاء الأساتذة سمعوني ويعرفونني جيداً، ولو كانوا عايزين يعملوا لي حاجة يعملوا ولكن يبدو أنهم فقدوا القدرة على إعطاء ألحان للأصوات الجديدة وصدقني لو سألت أي واحد من الأصوات الجديدة سيقول لك نفس هذا الكلام". 

ثم توطدت صلة المكاوي بأعلام الموسيقى والغناء أمثال: الموسيقار الكبير محمد الموجي؛ الذي أجرى معه حوارات عديدة، وكان يكّن له مودة خاصة، وكان صديقاً لأولاده: الموسيقار الموجي الصغير- رحمه الله-، والموسيقار يحيى الموجي، والدكتورة غنوة الموجي الأستاذة بمعهد الموسيقى العربية، وعندما تولى المكاوي رئاسة تحرير الكواكب نشر مذاكرات محمد الموجي منجمة في أعداد المجلة، ثم أعدها لتنشر في كتاب وسيصدر عما قريب، كما أجرى محمد المكاوي حوارات مع عبقري النغم بليغ حمدي قبل هجرته إلى باريس، ثم زاره مرات عديدة بعد عودته من المنفى، ومع سلطان الألحان محمد سلطان كانت له معه ذكريات وحوارات، كما حاور عبد العظيم محمد، وخالد الأمير، حلمي بكر، وسيد مكاوي، وصلاح عرام، وأركان فؤاد، ومن المطربين: شادية، ووردة، وصباح، وعفاف راضي، ونجاة، ونادية مصطفى، وهاني شاكر، ووليد توفيق، ومحمد منير، وعلي الحجار، ومدحت صالح، وطارق فؤاد، ومحمد ثروت، وغيرهم.. ومن نجوم التمثيل: محمود ياسين، ومحمود عبد العزيز، ونور الشريف، وعزت العلايلي، وفاروق الفيشاوي، ومجدي وهبه، وحسين فهمي، ومن النجمات فاتن حمامة، ونبيلة عبيد ومديحة كامل، وشهيرة، ونجلاء فتحي، ونيللي، وفيفي عبده، وعبلة كامل، وممدوح عبد العليم، وغيرهم..

وتتميز حواراته بثقافته الواسعة، وإلمامه بأبعاد الموضوع، والتزامه الموضوعية والبعد عن الإثارة والتزوير، كما أن حواراته وثيقة نرجع إليها بعد عشرات السنين، لنتعرف من خلالها على ملامح العصر وحياة أعلامه ورموزه.    

رئيساً لتحرير الكواكب: 

ومنذ التحاقه الأستاذ المكاوي بالعمل في مجلة الكواكب، شغل العديد من المناصب؛ فقد عمل سكرتيراً للتحرير من عام 2000-2003، ومديراً للتحرير من 1/4/2003 وحتى 30/5/2017، كما تولى الإشراف على معظم الأعداد الخاصة برموز الفن المصري والعربي والتي أصدرتها المجلة من عام 1992 وعلى مدار ثلاثين عاماً حتى بلغ السن القانونية في 2022، وتوج هذه المسيرة في بلاط صاحبة الجلالة بأن عين رئيساً لتحرير الكواكب من 31/5/2017 وظل في هذا المنصب قرابة الثلاثة أعوام ونصف حتى 1/10/2020، وقد رسم سياسية تحريرية للمجلة، فاستفاد من منهج سابقيه من الصحفيين الكبار الذين تولوا رئاسة تحرير المجلة وكذلك كبار الكتاب الذين عملوا بها، كما استفاد من خبرته المتراكمة التي اكتسبها من خلال عمله بالمجلة ومن الصحف والمجلات الأخرى وثقافته الموسوعية وإلمامه بالمناخ الثقافي والفني في مصر والدول العربية ومن علاقاته المتشعبة برموز الفن، واستكتب أيضاً كبار الكتاب من أمثال: د.نبيل حنفي محمود، وطارق الشناوي، ود.غنوة الموجي، والموجي الصغير، وكاتب هذه السطور، وخصص أعداداً تذكارية عن رموز الموسيقى والغناء والتمثيل، أمثال: فريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ، وشادية، وشويكار، ونادية لطفي، وبليغ حمدي، وفايزة أحمد، وكان الجمهور المتلقي ينتظر الأعداد من الأسبوع للأسبوع، ويلتهمها في نهم شديد، ومازالت هذه الأعداد تطبعها دار الهلال مرات ومرات وتنفد فور صدورها...

مشاركات أخرى: 

وقد أثبت المكاوي جدارة فائقة في مجلة الكواكب وفي صحف ومجلات أخرى مثل: جريدة "العربي الناصري" وجريدة "الميدان"، فكان رئيساً للقسم الثقافي والفني في تلك الصحف، كما ساهم في تأسيس مجلة "فن" اللبنانية عام 1988، ومجلة "الهانم" اللبنانية أيضاً 1995، ومجلة "كلام الناس"،ومجلة "الإعلام والاتصال" التي تصدرها وزارة الاعلام في المملكة العربية السعودية عام 1999، كما رأس القسم الفني والثقافي بمجلة "الكفاح العربي"اللبنانية 1992-1995، وساهم في تأسيس موقع "الفن أون لاين" على شبكة الانترنت للشركة العربية للإعلام "محيط"، وتولى رئاسته لمدة عامين من 1/3/2008 حتى 1/3/2010.

والأستاذ المكاوي كان الوجه المألوف في كثير من المهرجانات الفنية في مصر والدول العربية، ففى مصر حضر مهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان الإسكندرية السينمائي، ومهرجان الأغنية للموسيقى العربية الذى تقيمه وزارة الثقافة المصرية كل عام في دار الأوبرا، ومهرجان الإسكندرية للأغنية، ومهرجان المسرح التجريبي، وخارج مصر مهرجان الأغنية بتونس، ومهرجان السينما بسلطنة عمان، وقد غطى فعالياتها وأجرى الحوارات مع كبار النجوم السينما المصرية والعالمية. وهو عضو بالعديد من المؤسسات والهيئات الفنية منها جمعية كتاب ونقاد السينما، وجمعية مبدعي الإسكندرية.

  وبعد سبعة وثلاثين عاماً من العطاء في بلاط صاحبة الجلالة آثر التوقف عن الكتابة والتفرغ لحياته الخاصة.
-------------------
بقلم: أبو الحسن الجمال * 
* كاتب ومؤرخ مصري.