27 - 04 - 2024

وجهة نظري | يوتوبيا حفيدتى كارما

وجهة نظري | يوتوبيا حفيدتى كارما

تعشق حفيدتي كارما الحواديت .. ومثل كل الجدات أقضي معها وقتا طويلا أحكي لها ما اختزنه في ذاكرتي منها حينا، وأقرأ لها حينا من القصص المصورة التي تجذبها وأحرص على شرائها آملة أن تلقى إعجابها.

رغم تعدد القصص وتنوع الحواديت إلا أن الملل سريعا ما يتسلل لحفيدتي كعادة الأطفال .. وعليّ دوما محاولة كسر تلك الحالة من الملل ..على أن أشحذ تفكيري وخيالي وأفكر في كيفية استعادة جذب اهتمامها وشغفها ليعكسه بريق عينيها الصغيرتين سعادة وبهجة.

اجتهدت قدر ما أستطيع .. أشكل صوتي ليتناسب مع أحداث الحدوتة، أنوع نبرته لأميز الشخصيات، أغير تعبيرات وجهي لتترجم ما أرويه .. أدخل بين الحين والآخر بعض الإضافات أو التعديلات كى أكسر رتابة التكرار، وأستعيد جذب اهتمامها. تشجعنى ضحكاتها العفوية، والبهجة التي تستقبل بها اجتهاداتي فتدفعني للمزيد، أملا في القبض على تلك الحالة من البهجة قدر ما أستطيع.

الحقيقة أن محاولاتي تلك لم تكن من طرف واحد فسرعان ما التقطت حفيدتي طرف الخيط مني لتجتهد هي الأخرى لتضيف من وحي خيالها أبعادا أخرى للحواديت .. فأحيانا كنت أختلق حدوتة من وحي خيالى أبدؤها ثم أطلب منها إستكمالها، لنتبادل تباعا الحكى حتى نصل لنهاية الحدوتة. وأحيانا أخرى نتبادل الحوار ليتقمص كل منا شخصية ونعيش تفاصيل الحكاية معا.

سعادة وبهجة حفيدتي لا يمكن أن تقارن بتلك الحالة من السعادة والبهجة والإعجاب بل والفخر أيضا، عندما احتضن قلبي قلبها وأخذت أحكي معها كما اعتدنا حواديت قبل النوم .. فإذا بها تتدخل لتغير في سلوك الشخصيات وطبيعتها.

حوّلت الزوجة الشريرة التي تؤذي مشاعر "سندريلا" لشخصية طيبة القلب تعطف عليها وتهديها الفستان الأنيق وتصطحبها لحفلة الأمير وتسعد أنه اختارها عروسا!

أما السيدة الطماعة فجعلتها تدرك خطأها سريعا، وتقلع عن طمعها وتقنع بحالها وترضى بما قسمه الله لها وتحمده على ما منحها من نعم!، وآثرت أن ينجو الكذوب من نهايته الحزينة فجعلته يكف عن كذبه واعدا أهله وأصدقاءه ببداية جديدة، يكون فيها أكثر صدقا وأمانة !!

طهرت كارما دون أن تدري أبطال الحواديت .. آثرت عالما مثاليا خاليا من الطمع والشر والكذب، خلقت يوتوبيا جديرة بنقاء قلبها الجميل ..عالما يملؤه الحب والرضا، الكل فيه سعيد ولاتعرف الأحزان أي طريق لقلوبهم.

بقدر سعادتي بعقل حفيدتى المبدع وقلبها النقي الجميل، بقدر ما أشفقت عليها من زمن تكتشف فيه أن كل ماحلمت به محض خيال، وأن كل الشر الذى تمتلئ به الحواديث ليس إلا نقطة في بحر الشر الأعظم الذى تمتلئ به نفوس كثير من البشر في هذه الحياة.

وأن الطمع يعمي تلك النفوس، فيصعب معها التطهر مهما كانت الابتلاءات المنذرة والدافعة لإعادة تقييم النفس، وأن الكذب في قناعة الكثيرين مُنجي، وأن الصدق والطيبة بلاهة وغفلة وغباء، وأن أصحاب المبادئ أقرب للسذاجة، وأن المدافعين عن حقوق الضعفاء بلهاء.

وأن النفاق في عرفهم شطارة، والفهلوة مهارة، واللعب بالتلات ورقات مكسب دوما بلا خسارة، وأن الانحناء لمن بيده السلطة ذكاء وهو الطريق الوحيد للإرتقاء والرفعة والوصول لجميع الأهداف بسرعة.

وأن مهادنة العدو كياسة، ومد الأيادى بالسلام له حكمة، وابتلاع مهانته عقل، والصمت على جرائمه يئد نذر الحرب، ومن يدافع عن حدوده مختل يستحق مصحة يعالج فيها أو رصاصة رحمة تنهى حياة العقل المهتز الرافض لقانون الغاب واستقواء المحتل.

هل تجد قناعتك ياصغيرتى عن إمكانية تغيير العالم للأفضل مكانا، أن تتطهر دنيانا من كل الشر وتنتهى الحدوتة بتبات ونبات يعيش فيه جميع البشر بلا ضغينة ولا حقد ولا طمع ولا أزمات؟

للشر ياحفيدتى في الحياة ألف لون ولون .. لا يجدي معه نقاء القلب الأخضر ولا أحلامك الوردية الجميلة .. لكنى أراهن دوما على ابتسامتك العذبة ونقاء سريرتك أنت وكثيرين مثلك، ستظل وجوه الخير تواجه قبح الشر، سيظل وجودها يؤرقها حتى لو انهزمت في كل معاركها .. ستظل الأيدى قابضة على جمر مبادئها عفية صلبة ثابتة الخطى مهما استنزفت طاقتها، ستظل الهامة مرفوعة عزيزة، وفى عزتها تكمن هزيمة كل غرمائها .. سيظل مجرد وجودها شوكا يؤرق مضاجعهم ويحرمهم من لذة انتصار متوهم زائف.

لن تنتهي الحدوتة بالتبات والنبات، لكنها حتما ستبشرنا بالصبيان والبنات القادرين على استكمال المشوار الصعب ومواجهة القبح والجشع والاستقواء والاحتلال والظلم.
------------------------------------------
بقلم: هالة فؤاد


مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان