29 - 03 - 2024

مؤشرات | الإذاعة بعد 89 عاما.. ماذا نريده منها؟

مؤشرات | الإذاعة بعد 89 عاما.. ماذا نريده منها؟

أعتبر نفسي من المتحيزين للإذاعة بالرغم من المنافسة الشديدة في صناعة الإعلام وما جرى من متغيرات واسعة على الأرض وفي الفضاء الإعلامي، بنفس قدر تحيزي للإعلام المقروء، وأعتبر نفسي مستمعا جيدا للإذاعة، شرقا وغربا، طالما أن أداءها ومحتواها أجد فيه ما أتمناه.

ووجهة نظري أن قطاعا كبيرًا من أبناء أجيال الستينيات، والسبعينيات، هم من عشاق الإذاعة، التي مثلت لهم أهم وسيلة للتسلية ومتابعة الأحداث المحلية والعالمية، وأعتقد أن هناك من هم مثلي من عشاق الإذاعة، وهواة التنقل بالمؤشر من إذاعة إلى أخرى، بين البرنامج العام وصوت العرب، والشرق الأوسط والشباب والرياضة، وغيرها، إلى ما تبقى من الإذاعات الأجنبية، والتي ظلت مصدرًا مهما للأخبار، والبرامج الحوارية، مثل بي بي سي، ومونت كارلو، وغيرها، من بعض الإذاعات العربية، التي انضمت للقائمة، بحكم السفر والتنقل خارج حدود مصر.

ولاشك أن الإذاعات، وخصوصًا المحلية منها، حرصت على أن تطور نفسها لتجد لنفسها مكانًا، تحت شمس الإعلام في ظل منافسة شديدة مع الإعلام الجديد، ودخول وسائل ربما أكثر سرعة في نقل الخبر، وتوفيرعناصر ترفيه.

توقع البعض أن يختفي صوت الراديو مع ظهور التليفزيون، إلا أن هذا لم يحدث، وظل كلا منهما في طريقه، وحتمًا إنخفض جهور مستمعي الراديو، لكنه ظل وسيلة مفضلة لكثير من الناس، وإن قلت الجاذبية، بسبب تراجع الأداء، في وقت اتخذت بعض الإذاعات لغة مختلفة، قد تروق للبعض، من خلال التحدث باللهجة العامية، ومفردات الأجيال الجديدة، وطرح برامج تخاطب فئات عمرية من الأجيال الجديدة.

وتلك قضية نتفق أو نختلف عليها، إلا أن هذا جاء على حساب البرامج الهادفة، والثقافية، والمعلوماتية، وفي نفس الوقت، مازالت الآفاق واسعة لإستعادة إذاعاتنا مكانتها، وتظل مصدر جذب لجمهور يرى في الإذاعة أنها ليست وسيلة الإعلام الأولى فقط، بل للثقافة والتسلية، والدراما، وبرامج المنوعات، والعين القارئة للأفلام والعروض المسرحية، ونقل مباريات كرة القدم.

مؤكد التاريخ لن يعود برواده ونحن في شهر الإحتفالات بالعيد الـ89 لإنطلاق الإذاعة المصرية بعبارة (هنا القاهرة) والذي أصبح عيدًا للإعلاميين، ولكن دراسة مكتبة الإذاعات المصرية، وبرامجها، ومن خلال الإستماع بروح المتعلم من تجارب من هم بيننا من هؤلاء الرواد يجب أن نأخذها بجدية، ليس للتقليد بقدر ما هو لمعرفة طرق النجاح ومخاطبة عقل ووجدان المستمعين.

إيماني عميق بأن هناك برامج ناجحة وحضور للعديد من الإذاعيين في الوقت الحالي، ولكن نريد أن نبقى على مؤشر الإذاعة لمتابعة فكرة وبرنامج، ونشرة أخبار وتحليل، أو مسلسل، أو منتج إذاعي جذاب، لا مجرد دردشة وطنطنة، أو خناقات وسط ضجيج إعلامي.

نريد أن نعيد للأذن، ما يشبه أو يضاهي، برامج  على الناصية ، كلمتين وبس ، همسة عتاب ، إلى ربات البيوت، غنوه وحدوتة ، تسالي، قال الفيلسوف، لغتنا الجميلة، طريق السلامة ، أغرب القضايا ، زيارة لمكتبة فلان، شاهد على العصر ، ساعة لقبلك.

نريد العودة لتجمعات الناس حول الراديو مساءً للإستماع إلى مسلسل وعمل درامي، ولا يمكن أن ننسى علي بابا والأربعين حرامي ، ألف ليلة وليلة، السلطانية ، الدندورمة، قسم وأرزاق ، ولا يمكن أن ننسى صوت زوزو نبيل في دور شهرزاد وعبد الرحيم الزرقاني في دور شهريار في إبداعية طاهر أبو فاشا ومحمد محمود شعبان في ألف ليلة وليلة، هذا بخلاف أصوات كبار قراء القرآن الكريم، وشدو المبتهلين، وصوت أم كلثوم عند الخامسة في الإذاعة التي تحمل إسمها.

السنوات المقبلة تؤكد أن وسائل الإعلام التقليدية، مثل الإذاعة والتلفزيون والصحافة، تواجه تحديا أكبر مع عالم الذكاء الإصطناعي، وعالم إعلامي يسبق الفكر البشري وما يدور في عقله بخطوات، بل يمكن القول لأنه سيخاطبه بما يتمناه وما هو في قبله،.. في ضوء ذلك يجب أن نضع ذلك في دائرة المنافسة لتبقى الإذاعة وغيرها من وسائلنا الإعلامية في القلب من هذا التطور.
-------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | هدر الغذاء والماء ورؤية علمية لأمننا الغذائي والمائي (2- 2)





اعلان