20 - 04 - 2024

البوكر العربية... نموذج لجدل الجوائز المتجدد

البوكر العربية... نموذج لجدل الجوائز المتجدد

بدون مقدمات لا لزوم لها، أقول إن الجدل حول "الجائزة العالمية للرواية العربية" - والتي لا أجد مسوغا مقنعا لربطها بجائزة البوكر الانجليزية - يؤكد أهميتها، فلو لم تكن مهمة لما تجدد الجدل بشأنها دورة بعد أخرى. وهو أيضا دليل على اهتمام القارئ النوعي بما تتضمنه القائمة الطويلة ومن بعدها القصيرة من روايات، وتأكيد لحقه في الإدلاء برأيه الشخصي القائم بالطبع على أسس موضوعية في تلك الروايات وجدارتها من عدمه بالوصول إلى هذه القائمة أو تلك.

 أما سؤال لماذا فازت "تغريبة القافر"، للكاتب العماني زهران القاسمي في ختام الدورة 16 للجائزة، فقد وردت الإجابة عنه في حيثيات أعلنتها لجنة التحكيم. وعن نفسي فإنني أرى أنها جديرة ببلوغ القائمة القصيرة ومن ثم الفوز لنجاحها في التعبير عن هموم بيئة عربية صحراوية ممتدة منذ القدم وإلى الآن بالرغم من التقدم التكنولوجي الهائل الذي بلغته البشرية في الوقت الراهن. وبالطبع ليس زهران القاسمي هو أول من عبر عن مثل هذه البيئة وهمومها روائيا، فهناك إبراهيم الكوني وميرال الطحاوي وعبد الرحمن منيف على سبيل المثال، لكن تظل الأعمال الروائية التي يمكن إدراجها في ما يسمى أدب الصحراء قليلة، مقارنة بتلك التي تدور أحداثها في بيئات حضرية في مدن كبرى، مثل القاهرة والدار البيضاء والإسكندرية وبيروت ودمشق وبغداد...

وأرى أن أهم عنصر جمالي في هذه الرواية هو سلاسة السرد التي تدل على خبرة جيدة في الكتابة الأدبية، لصاحبها المولود عام 1974 والذي أصدر من قبل عددا من دواوين الشعر، وثلاث روايات. أما الماء فيبدو طغيانه على المتن من مستهله إلى منتهاه من باب المبالغة التي يمكن اعتبارها عنصر جذب، بما أننا بصدد عمل فني، يريد أن يقول: "من الماء وإلى الماء نعود"، على غرار مقولة "من التراب وإلى التراب نعود". فهو سر الحياة وسر الموت أيضا في تلك البيئة التي يعتبر الماء بالنسبة لها أغلى من النفط والذهب. والطبيعة البكر للمكان تجعل الحكايات الغرائبية التي زخرت بها هذه الرواية مبررة فنيا كما تجعلها من العناصر الجمالية والإبداعية التي انطوت عليها ورجَّحت كفتها. 

ومن هنا أجدني غير متفق مع مَن يقولون إننا بصدد مجرد حكاية لطيفة. لا أتفق معهم لكن لا أصادر حقهم في قول ما يشاؤون. 

ومن المنطلق نفسه أختلف مع من يستخفون برمزية الماء التي لها وجود ناصع في تراث الإنسانية، فبحسب القرآن خُلق من الماء كل شيء حي. الجنين نفسه يسبح في ماء. وهذا لا يتناقض مع حقيقة أن القائمة الطويلة حوت روايات كانت جديرة بالصعود مثل "عصور دانيال" لأحمد عبد اللطيف، و"بيتنا الكبير" لربيعة ريحان، "والكل يقول أحبك" لمي التلمساني، لكن لا مفر من أن تتضمن القائمة القصيرة ست روايات فقط. وكل عمل في القائمة القصيرة يستحق بالتأكيد الفوز، لكن أيضا لا مفر من أن تذهب الجائزة الكبرى لعمل واحد فقط. 

ويبقى السؤال: ماذا حدث بخصوص ترجمة الروايات الفائزة في الدورات السابقة إلى الانجليزية، ومنها مثلا: "عزازيل" ليوسف زيدان" و"واحة الغروب" لبهاء طاهر، من مصر؟ وهل يمكن القول إن ترجمة تلك الروايات إلى الانجليزية كفيل بجعلها عالمية؟ ثم أصلا، ما هو ذلك العنصر الذي يجعل القائمين على تلك الجائزة يصفونها بالعالمية؟ وأخيرا فإن تلك الأسئلة لا تقلل من تقديري الشخصي للجائزة العالمية للرواية العربية والقائمين عليها، بما أنها مع جوائز عربية أخرى تلبي حاجة أساسية في سياق التقدير المعنوي والمادي للكاتب، وإتاحة الفرصة أمام الكتاب ليتسع انتشاره.  
-----------------------------
بقلم: علي عطا
* ناقد أدبي وشاعر مصري

     



مقالات اخرى للكاتب

نحو مدوَّنة سلوك مهني تواكب حتمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي





اعلان