10 - 11 - 2024

من أحمد بغدودة .. إلي المتحاورين الوطنيين: لموا ورقكم

من أحمد بغدودة .. إلي المتحاورين الوطنيين:  لموا ورقكم

ترددت كثيرا قبل كتابة هذا المقال ففيهم اصدقاء لدي علاقات انسانية وسياسية بهم وأعرف مدي إخلاصهم فقلت لنفسي : الصمت افضل .

ورويت للمقربين منهم تفاصيل دعوتي للحوار ورفضي الهادئ حفاظا علي مابيننا .. ولا أدعي أفضلية في رفضي، ولا تميزا علي أحد، فلكل هجرته التي يهاجر اليها ..ولكل طاقته وقدرته.

ولكن هذا الوجه الفقير الحزين حسم الأمر .. وجه أحمد بغدودة الذي فر إلي إمكانية الأمل في مستقبل لشاب لديه حلم وموهبة وأدوات، ومثله كثيرون يتمنون الفرار إلي أرض الله الواسعة .

وجه فقير وحزين تشعر أنه ابنك أو أخوك الأصغر أو أحد معارفك .

قابلت مثله صغارا في باريس، يحملون حقيبة ظهر صغيرة بها عصير وساندوتش وملابس وحذاء، ولديهم هدف لبناء البيت المتهالك في قرية منسية ، بناؤه بالطوب الاحمر بديلا للطوب النييء ، أو المساهمة في زيجات البنات ، أو حتي توفير وجبتهم وفرشتهم إذا لا قدر الله لم يصادفهم الحظ .

كان أغلب من التقيتهم يعملون في (البانتيرا)، وهي مهنة النقاشة التي لا يقبل عليها غيرنا لما فيها من مخاطر.

وأحمد بغدودة ابن أب يعمل علي توكتوك.. لم يحلم يوما بمكتب أو سيارة أو جهاز تكييف .. لم يحلم إلا بالفرصة التي سرقت منه .. سرقها اللصوص، فحولوها إلي مزيد من المال الحرام الذي ينهش في عظام الفقراء والموهوبين وقليلي الحيلة وعديمي الوساطة والمنتظرين للعدل الإلهي في الدنيا قبل الآخرة.

ومع فرار أحمد أو نجاته كما وصفه - أحد الأصدقاء - لم تجد إحداهن وهي تحاور الأب عامل التوكتوك سؤالا اذكي من: لماذا هرب أحمد؟!

نجا أحمد ، وأتمني ألا يستجيب لنداء والده بالعودة .. لتصل رسالته صفعا وأملا .. أملا للحالمين بالنجاة، وصفعا علي وجوهنا جميعا.. متحاورين وقابعين .. آملين ويائسين .. غاضبين وفاقدي الإحساس.

رسالة أحمد بغدودة: لموا ورقكم .. فلا حوار وطني في بلد لا تكتب فيها النجاة إلا بالفرار منها.

رسالة أحمد بغدودة: لموا ورقكم، فلا حوار مع من قمع وسجن وعذب وأفقر ودمر وتنازل وفرط، واختلت لديه القيم والموازين فتحدثنا عن (فقه الأولويات) وهي ليس فيها فقه ولا أولويات، لأننا لسنا شركاء في الأصل، حتي نكون شركاء في النتيجة والمآل الذي لا يصلحه فقه ولا أولويات.

رسالة أحمد بغدودة: لموا ورقكم يا كل المتحاورين من أجل حرية نفر يجود بها محاوروكم وشركاؤكم السياسيون .. وكفي الله المؤمنين .

لموا ورقكم يا كل المتحاورين من أجل فرصة البقاء إلي جانب سلطة تستطيع أن ترفع الحظر عن حساباتكم المالية في البنوك .. وتقدم لكم إمكانية الإحساس بالمكانة والبقاء.

لموا ورقكم يا كل المنتظرين لرفع أسمائكم من كشوف الممنوعين من السفر، والساعين لاستئناف التمويل الإنترناشيونال.

لموا ورقكم يا كل الباحثين عن عقد عمل من الباطن أو من الظاهر.

لموا ورقكم يا كل الراغبين في البقاء في المشهد العام، بديلا عن حالة العدم والعجز بفعل التقدم في العمر والتقدم في المرض.

لموا ورقكم يا كل الجالسين في شقق صغيرة تسمونها أحزابا من أجل البقاء وكفي.

لموا ورقكم، فاللجان والمقرات والمناقشات والاجتماعات كلها مزورة .. فقد قيل كل الكلام .. ويبقي الفعل.

لموا ورقكم.
-------------------------
بقلم: نور الهدي زكي 

مقالات اخرى للكاتب

لسنا في رحلة إلى الرئاسة .. يا سادة!