26 - 04 - 2024

د. حسين العطار أحد أهم خبراء المتاحف للمشهد: المتحف الكبير خير شاهد علي عدم التخطيط الجيد

د. حسين العطار أحد أهم خبراء المتاحف للمشهد: المتحف الكبير خير شاهد علي عدم التخطيط الجيد

د. العطار يتساءل: هل تأخر افتتاح المتحف المصري الكبير إهدار للمال العام؟
- كان يمكن إنشاء المتحف على مراحل .. وافتتاح كل مرحلة لتنفق على التي تليها حتى إتمامه
- لجنة هيئة الآثار لا تكفي .. وكان ينبغي تشكيل عدة لجان تضم إلى جانب خبراء الآثار مؤرخا وشاعرا وموسيقيا وروائيا وفنانا تشكيليا ومتخصص إرشاد سياحي لنخرج بأفضل مالديهم جميعا

د. حسين العطار أستاذ لفن المتاحف في مصر، يعمل عبر إسهامه العلمي على تطوير القطاع المتحفي وتحسين الخدمات التي تقدمها المتاحف في البلاد، وهو يمتلك خبرة كبيرة في مجال الإدارة والتخطيط، ويعمل على تطوير استراتيجيات لزيادة الوعي الثقافي والتراثي في مصر، وقد نشر العديد من الكتب والأبحاث في هذا المجال، يمثل د. حسين العطار شخصية بارزة في مجاله، ويتميز بإنجازاته الكبيرة ومساهماته الفعالة في تطوير المتاحف.

التقته "المشهد" بعد أسابيع الجدل الذي رافق سقوط الأمطار على المتحف المصري الكبير، وكانت المفاجأة أنه هون منها ، لكنه وضع يده على خلل أكبر في تصميم المتحف وواجهته ومراحل إنشائه واللجنة التي شكلت من أجله، لدرجة أنه اعتبر المتحف نموذجا وشاهدا على عدم التخطيط الجيد ، فقد كان يمكن انشاؤه على مراحل تسهم كل مرحلة في الإنفاق على المرحلة التالية لها حتى إتمامه بدلا من تأخر افتتاحه لسنوات حملت شبهة إهدار المال العام ، أو على الأقل تعطيل عوائد مالية كان يمكن أن تجنيها الدولة . وهذا نص الحوار: 

 حققت المتاحف المصرية وعددها 72 متحفا بينها 34 متحفا أثريا أقل من 10 ملايين زائر، أغلبهم لمتاحف القاهرة الجيزة بإجمالي ايرادات 170  مليون جنيه عام 2018 فى حين أن متحف اللوفر بمفرده يزوره سنوياَ 7.3 مليون زائر، بحجم إيرادات يصل إلى 122 مليون دولار بما يعادل 12 ضعف دخل المتاحف المصرية مجتمعة، ما هو السبب؟ هل هذا راجع لتصميم المتاحف أم عدد القطع الأثرية رغم أن مصر لديها كنوز ليست موجودة في مكان آخر في العالم.؟

- نفتقد في مشاريعنا الثقافية التخطيط والتنظيم وأهم عنصر في التخطيط هو التكلفة المالية، والمتحف المصري الكبير كنموذج، خير شاهد علي عدم التخطيط الجيد للتكاليف.

ففي الربع الأخير من القرن العشرين تزايدت أهمية المتاحف في العديد من المجالات الثقافية والتربوية والتعليمية وغيرها ، وما نحن بصدده الأن هو الأهمية الأقتصادية للمتحف: كم هي التكاليف ؟ وما هي الفترة الزمنية المحددة حتى يتم الافتتاح ؟ ولكي يكون هناك مردود مالي لهذا المتحف؟ 

فالمتحف بالإضافة إلى أهميته الثقافية والتربوية والتعليمية يمثل موردا ماليا، ويتم تسويقه لجمع المزيد من الأموال

المتاحف تمثل موردا ماليا للخزينة العامة للدولة او علي الأقل تمكن وزارة الآثار او وزارة الثقافة، حسب المتاحف التابعة لكل وزارة، أو وزارة الحربية (عبر المتاحف العسكرية التابعة لها) ، من مورد مالي مستمر يعينها على مواجهة التخفيض المستمر للأموال الحكومية المخصصة للصرف علي المتاحف.

من هنا جاء الاتجاه التسويقي للمتاحف لمواجهة عجز الميزانية وسد أوجه القصور في مصروفات المتاحف، وشيئا فشيئا أصبح مدراء المتاحف علماء وباحثون وأيضا جامعو اموال وأضيفت إلى رسالة المتحف الثقافية مهمة تسويقية من أجل جمع الأموال

لكن ما شاهدناه في المتحف المصري الكبير عكس كل هذا تماما، حيث أن المتحف كان يفترض افتتاحه منذ سنوات عدة ولكن لم يتم افتتاحه حتي الآن ، لعجز في الموارد المالية، ولعدم التخطيط  مسبقا لكيفية تدبير تكلفة المتحف وآلية الحصول علي الأموال بحيث يتم افتتاحه في الموعد المتفق عليه. ففي عالم اليوم أصبح الاقتصاد هو المتحكم في مصير الأمم وتأتي كافة المجالات الأخري السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها لتسير في ركابه. 

* قلت أن المتحف كان يفترض افتتاحه منذ سنوات ، فما هو سبب التعثر في اتمام المتحف المصري الكبير؟

 - ذلك يرجع إلي سوء التخطيط، حيث كان يمكن أن يتم تنفيذ المتحف علي مراحل، ويتم افتتاح المرحلة الأولي لتوفر موردا ماليا يساعد علي اكتمال المرحلة الثانية، ويتم افتتاح المرحلة الثانية وتكون عاملا مساعدا لإكمال المرحلة الثالثة .. وهكذا

وأتساءل: لماذا لم يتم تقسيم المتحف لكي يتم افتتاحه على عدة مراحل .. مرحلة أولي ثم ثانية ثم ثالثة ثم رابعة، علي حسب القدرة المالية للدولة أو علي حسب التبرعات التي قدمت للمتحف.

لماذا لم يتم مراعاة كل هذه الأمور من خلال اللجنة التي قامت علي تصميم المتحف وإنشائه ؟ كان يجب أن تحدد مراحل افتتاح المتحف لكي نسرع في افتتاح كل مرحلة لكي تدر دخلا ماليا يساعد علي اكتمال المرحلة التالية ، بدلا من أن ننتظر سنوات طوال لكي يتم افتتاح المتحف بشكل كامل، بما قد يمثله ذلك من إهدار للمال العام أو على الأقل تعطيل لعوائد كان يمكن أن تجنيها الدولة.

* تركز بشكل واضح على اقتصاد المتاحف .. فما هي أوجه الدخل التي يمكن تحقيقها لتعود بأكبر فائدة ممكنة على الدولة؟

- الأمور الاقتصادية هامة لخلق نشاط جديد أو تطوير وإصلاح ما هو قائم أو إضافة شيء فرعي لمسار عام وهكذا، ونعلم جميعا أن مقتنيات المتاحف هي في حد ذاتها تمثل قيمة اقتصادية كبيرة ، فلماذا لا يتم استغلال هذه المقتنيات لتحقيق موارد مالية؟ وأيضا استغلال الخدمات التي تقدم باسم المتحف أو في نطاقه لتحقيق موارد مالية إضافية، ومن أهم هذه المجالات التي يمكن تحقيق موارد مالية منها:

- العروض المتحفية التي تقام داخل المتحف أو باسمه في أماكن أخري خارج أسواره .. هل تم مراعاة ذلك ؟؟

- المعارض التي تقام في دول اجنبية باسم المتحف، أو لأهم الشخصيات التاريخية التي لها أعمال أثرية او فنية به.

- حصيلة بيع النماذج المقلدة لأهم مقتنيات المتحف (أين مركز العاديات أو مركز بيع المقتنيات والصور والنماذج المقلدة لما تحويه المتاحف؟)

- حصيلة بيع تذاكر دخول المتحف.

- حصيلة تصريح دخول كاميرات التصوير الفوتوغرافي أو الفيديو، للتصوير داخل المتحف.

- حصيلة بيع الكتب العلمية والكتب الخاصة بالمتاحف من خلال منفذ بيعها وحصيلة بيع كتالوج المتحف.

- حصيلة بيع التذكارات أو الكروت السياحية المتعلقة بمقتنيات المتحف.

- حصيلة إيجار الكافتيريا والمطعم وقاعة المحاضرات والمسرح والجراج وخلافه من ملحقات المتحف.

- حصيلة تصريح دخول مكتبة المتحف ورسوم تصوير كتب المكتبة.

- مايتم تحصيله من السماح لفناني السينما أو البرامج التليفزيونية للتصوير داخل المتحف، وغيرها من المجالات الكثيرة التي يمكن أن تعود بالمورد المالي علي المتحف وعلي خزينة الدولة أو تدر دخل إضافيا للمتحف.

ومع ذلك يجب أن يتم السماح بزيارات مجانية للمتاحف في أيام محددة مثل المناسبات الوطنية أو ذكرى أحداث هامة أو أعياد أو غير ذلك. حيث يجب السماح بدخول مجاني لأناس معينين أو جماعات مثل الأعضاء المهتمين بالمتاحف والباحثين العلميين والدارسين والطلبة والمؤسسات التعليمية والمدرسية وغيرها.

وظهر التناقض بين رسالة المتحف التثقيفية والتعليمية والتربوية وبين اعتبار المتحف موردا ماليا خاصة بعد أن أصبحت رسالة المتحف أكثر سهولة وإتاحة للجميع عبر التكنولوجيا الحديثة والانترنت، واعتبر أغلب علماء المتاحف أنه لا يوجد تناقض بين رسالة المتحف التثقيفية والتعليمية والتربوية وبين كون المتحف موردا ماليا لأن الجمهور يكون أكثر جدية واهتماما أثناء زيارته للمتحف، إذا أنفق مالا في تلك الزيارة وإذا وجد أن زيارة المتحف لها تقاليد وأسلوب في الحركة وخط سير ومواعيد محددة ونظام في العرض والتقديم وشرح المعلومات عن المقتنيات، لذلك تكون زيارة المتحف أكثر جدوى لجمهور الزائرين، لأن المتحف ليس حديقة عامة ولا استراحة يمكن أن يرتادها.

عوامل جوية لم تتم مراعاتها

المتحف المصرى الكبير، من المتوقع أن يكون أكبر متحف فى العالم، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية ، لكن سقوط الأمطار قبل شهور أثار جدلا ، هناك من زعم وجود خطأ في تصميم وإنشاء المتحف، وهناك من قال إن عدم تصميم سقف للبهو الرئيسي يمثل "فضيحة إنشائية" ، بينما أكدت وزارة الآثار أن سقوط الأمطار أمر طبيعي ومتوقع ومدروس أثناء تصميم وتنفيذ المتحف ولا يُمثل أي خطورة، وانه ليس هناك خلل في التصميم المعماري والهندسي للبهو المفتوح للمتحف . ما هو تقييمك .. هل هناك خطأ ؟ أم أن هذا طبيعي؟

- من المفترض في تصميم المتحف أن يكون متوافقا مع العوامل الجوية المختلفة، ليس فقط سقوط الامطار، وإنما أشعة الشمس ، الرياح ، درجة الرطوبة ، درجة الحرارة. يجب أن يكون كل هذا في الحسبان أثناء تصميم المتحف وفي عرض المعروضات، علي سبيل المثال اذا كان يوجد تمثال من الجرانيت يمكن عرضه بالخارج في ضوء الشمس ولا يحدث له شيء، لكن إذا وضعنا مومياء بداخل قاعة وتركناها مع المعروضات بعد فترة سنجدها تحللت وانتهت ، لأنها لابد أن توضع في قاعة معينة ودرجة حرارة ورطوبة مضبوطة لكي يتم الحفاظ عليها.

 فالحكاية ليست فقط حكاية أمطار، وإنما هل يراعي المتحف كل العوامل الجوية من أمطار ورياح ورطوبة وسطوع شمس وأتربة ، كل هذه الأشياء هل تم مراعاتها في تصميم وإنشاء المتحف وفي العرض المتحفي داخل القاعات؟

إذا تمت مراعاتها فلا توجد مشاكل ، أما إذا كان شيء منها لم يراعى يكون هناك خلل.

الأمطار عندما تسقط علي تمثال جرانيت لا تحدث أي مشكلة ، لكن يجب أن يراعي، تصميم المتحف وعرض المعروضات، العوامل الجوية المختلفة حتي لا يمثل سقوط الأمطار علي المتحف مشكلة بالنسبة للجماهير وبالنسبة للمتخصصين.

جاءت فكرة تصميم البهو العظيم للمتحف المصري الكبير علي غرار بهو متحف اللوفر ومتحف المتروبولتان ، المساحة الهائلة والسقف المرتفع الزجاجي الذي يسمح بوصول الضوء الطبيعي ويمثل مرحلة انتقالية ما بين البيئة الخارجية وصالات العرض الدائم ، لكن البعض يؤكد أن التصميم الحالي يفتقر للعديد من العناصر التي تساعد في تأديته للغرض الوظيفي له، فالسقف الحالي يسمح بدخول الأمطار والأتربة خاصة وأن المتحف يقع في منطقة معروفة بكثرة العواصف الترابية والزحف الترابي من الصحراء الغربية، وأن تجربة التشغيل أكدت الوضع المزري لأرضية البهو التي تتسخ يوميا بصورة سريعة جدًا، ماهو تقييمك؟

- مساحة الانتقال من الشارع إلي المتحف وتهيئة الزائرين كان يفضل أن تكون حديقة متحفية وليس بهوا زجاجيا، الحديقة المتحفية أهم ما يميزها نافورة موجودة بوسطها خلف البوابة مباشرة، ويزرع بالحديقة أهم نباتين في الحضارة المصرية القديمة: البردي واللوتس، كما توجد بالحديقة أشجار النخيل بأنواعها المختلفة سواء كان العادي أو الملوكي، وأيضا أشجار الفيكس وأشجار جوز الهند، كما كان يمكن أن توجد بالحديقة بعض المعروضات من الآثار مثل تمثال تحتمس و رمسيس الثاني وبعض قمم المسلات الفرعونية، لأن وظيفة  الحديقة هي تهيئة الزائر للاستمتاع بزيارته.

أما في المتحف المصري الكبير فقد صمم بهو فرعوني، والمفروض أن البينول الخاص بالمتحف يدل عما بداخله مثل ما يوجد بالمتحف المصري بالتحرير 

فأهم ما يميز مبني متحف التحرير المبني علي الطراز الاوروبي  يتضح ذلك من واجهه المتحف ومدخله الخاص ونلاحظ أعلي قمة المدخل وجود علمين علي الجهة اليمني واليسري، وشعار هيئة الآثار أو المجلس الأعلي للآثار وعلم مصر واذا نزلنا بالنظر شوية نجد إناءين من الفاكهة .

واجهة المتحف المصري بالتحرير هكذا، والمتحف الكبير واجهة زجاجية صماء، إذا لم يكن صرح المتحف والمدخل الخاص به مبهرا ومليئا بالمعلومات بالنسبة للزائر، فإنه يفقد شغفه. لماذا لم نتعلم من المتحف المصري بالتحرير ونضع واجهات وتواريخ ورموزا للحضارة؟ أما كل مايوجد بالمتحف الكبير فهو عدة أشجار حول المتحف لكن المفترض أن تكون هناك غابة او حديقة أيهما أنسب، لأنها تمنع كتيرا من عوامل التعرية التي تهب علي المتحف خاصة أنه يوجد في منطقة صحراوية ، وكان يجب أن يوجد علي الاقل ١٠٠٠ متر في كل جانب مزروعة أشجارا، لكن ما حدث أنهم وضعوا عدد أشجار قليل جدا.

يطالب كثيرون بإشراك الخبراء المختصين من أهل الخبرة فى وضع اللمسات النهائية للمتحف قبل افتتاحه ، بينما تدافع الوزارة بشدة عن التصميم والتنفيذ ، هل هناك مايستدعي لجنة من الخبراء قبل افتتاحه رسميا؟

- كان يجب أن تكون هناك لجان متخصصة في كل المجالات ، قبل أن يتم بناؤه وليس فقط افتتاحه. أن يكون هناك اثري ومؤرخ وشاعر وموسيقي وروائي وفنان تشكيلي ومتخصص آثار ومتخصص إرشاد سياحي.. الخ . لجنه للبناء وأخرى للعرض وثالثة لاختيار المعروضات، ولجان لكل شيء، لا أن تكون لجنة بها خمسة أو ستة من هيئة الآثار

يجب ان يكون في اللجان جميع التخصصات الفنية، ليظهر كل منهم إبداعه حتى نخرج بأفضل شيء.

متى يمكن أن تدخل المتاحف المصرية عالم التكنولوجيا الحديثة واستغلال الاقتصاد الثقافى الرقمى الناشئ من أجل زيادة الموارد المالية للمتاحف وتوفر زيارات افتراضية من جميع أرجاء العالم مقابل دفع مبالغ بسيطة، ألا يمكن أن يوفر هذا دخلا كبيرا ؟ أم أن المتاحف المصرية غير مؤهلة لذلك؟

- بعد أن أصبحت رسالة المتحف أكثر سهولة وإتاحة للجميع عبر التكنولوجيا الحديثة والانترنت، أصبح بالإمكان فتح موقع للمتحف المصري الكبير علي الإنترنت يمكن دخوله عن طريق الكريديت كارد من أي مكان في العالم، ويستمتع الزائر الافتراضي بالمشاهدة وهو في مكانه، وبالتالي سيدر علينا عائدا ماليا، ولكن لم يتم تنفيذ هذه الفكرة حتي الآن.

دخول المتاحف إلى عالم التكنولوجيا الحديثة يمثل موردا ماليا من أولئك الزائرين لموقع المتحف من جميع أنحاء العالم عبر كلمة مرور ودفع مبلغ بسيط بواسطة الفيزا كارد، خصوصا وأن جميع المكتبات الكبرى والمتاحف في أنحاء العالم تستفيد من تكنولوجيا المعلومات الحديثة في الاقتصاد الثقافي الرقمي الناشيء، وتتيح انتقال المتحف إلي حيث يوجد المشاهد.
-------------------------------
حوار – هيباتيا موسى
من المشهد الأسبوعي


 
أغلفة كتب أخرى للدكتور حسين العطار






اعلان