لماذا يعيش البعض حتى بعد انتقالهم الى الرفيق الاعلى ولماذا نتذكرهم رغم غيابهم؟! ببساطة لأن الانسان سيرة ومسيرة وينتهى العمر وتبقى السيرة، فيكون صاحبها هو الغائب الحاضر فى قلوب من عرفوه واحترموه وعايشوا مواقفه، إما بصورة فعلية حية او بقراءة ما سجله التاريخ.
وكنموذج حى على ان الانسان سيرة ومسيرة، نذكر من اطلق عليه لقب حكيم العرب سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الامارات العربية المتحدة، وجامع اماراتها فى اتحاد بنى على الحب والاحترام وتغليب المصالح والروابط المشتركة... فالشيخ زايد رحمه الله يعد نموذجا للغائب جسدا والحاضر فى القلوب بسيرته ومسيرته ومواقفه التى قادت إلى ما يحظي به من حب وتقدير واحترام فى ربوع الأمتين العربية والاسلامية.
كان الرجل رحمه الله، يقدر النعم التى افاء به الله سبحانه وتعالى على بلاده والمتمثلة فى الذهب الاسود وبالكرم العربى الاصيل رحب بان يكون لبشر كثر من جنسيات ومشارب مختلفة نصيب فى هذا الرزق.. بل إننى سمعت من بعض من اقتربوا منه انه كان يأمر بمشاريع غير ضرورية لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من الشركات ولأكبر عدد من العمالة بكسب رزقهم بالحلال.. كما سمعت أنه كان يدفع ديون الغارمين ليتمكنوا من قضاء العيد مع أسرهم حتى وان تعمد البعض أن يورط نفسه فى الاستدانة دون أن يكون له رصيد أو قدرة على السداد، لعلمه أن الشيخ زايد سينقذه وسيدفع عنه... كما علمت أنه كان يسعد بزيارة محال بيع الملابس الشهيرة قبل العيد ويدفع لأصحابها مبالغ محترمة على أن يرحبوا بكل الزبائن ويأخذ كل منهم حاجته وحاجة اولاده بالمجان.
والشيخ زايد بن سلطان ال نهيان رحمه الله اختار ان تكون الامارات حمامة سلام تسعى بالصلح بين الاشقاء وتقريب وجهات النظر بينهم.. رحمه الله كان بفطرة الرجل العربى المسلم الاصيل يدرك أن السياسة أخلاق، وأنه لا يصح لعب أي دور للوقيعة بين الأشقاء ولتحريض طرف على طرف من أجل زيادة النفوذ أو إثبات القدرة على التأثير.. رحمه الله كان يدرك أن قيمة الإمارات ووزنها الاقليمى يتمثل فى تمسكها بالقيم والأخلاقيات ومد يد العون للأشقاء والوقوف مع الحق.
رحمه الله كان يعرف قيمة القدس وقيمة المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسري سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم، فلم يمد يده للمغتصبين، وإن ننسى فلا ننسى وقفته خلال حرب العاشر من رمضان السادس من اكتوبر ١٩٧٣ ومساندته للقوات المصرية والسورية ومقولته الخالدة "البترول العربى ليس اغلى من الدم العربى".
الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان كان كريما لا يتبع ما يقدمه لأشقائه بالمن والأذي، ولم يحاول فى أي وقت استغلال ظروفهم الصعبة لتحقيق مكاسب أو تحقيق سيطرة أو زيادة مكانة ونفوذ.
والشيخ زايد بن سلطان ال نهيان رحمه الله كان يعرف بذكائه وحكمته قيمة مصر ومكانتها وكان يدرك أن قوة مصر قوة لكل العرب وأن ضعف مصر ضعف لكل العرب وأن عزة مصر عزة لكل العرب وأن انكسارها انكسار لكل العرب.
رحم الله الشيخ زايد الغائب الحاضر، الذى نفتقده كثيرا فى هذه الايام التى يتقاتل فيها الأشقاء فى السودان، والتى يتم فيها الاجتراء على المقدسات الاسلامية فى المسجد الاقصى الذى بارك الله حوله.. وفى الليالى الظلماء يفتقد البدر، ويفتقد رجال فى قامة جمال عبدالناصر وفيصل بن عبدالعزيز وزايد بن سلطان آل نهيان. رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.
-------------------------------------
بقلم: عبدالغني عجاج