29 - 03 - 2024

فتاوي وألغام !

فتاوي وألغام !

خالفْ تُعرف .. مثلٌ عامي ورثناه كابرا عن كابر، يُقال لمن يُخالفُ الثابت، ويشذ عن المألوف من أجل الشهرة والذيوع، ولاشك أن مخالفة الغير ولو كان فئاما من البشر ليست عيبا؛ مادامت تستند إلي حجة، ويقويها المنطق، ويدعمها الدليل البعيدُ عن التحيز والهوي .

أمَّا أن يُخالفَ المرء لمجرد الخلاف بغية الشهرة، وأن يجوب اسمه الآفاق، فهذا هو الجهل بعينه؛ إذ إن المجتمع لا يجني من وراء ذلك طائلا إلا البلبلة واللغط، وتشكيك العامة في ثوابت حرصَ علماءُ السلف علي ترسيخها في الناس جيلا بعد جيل .

ومن دواعي الأسف أن حاملي هذا الشعار آنف الذكر لم يجدوا غير الدين مسرحا يجسدون عليه أدوارهم الهزلية، وينشرون آراءهم الشاذة، وفكرَهم الضال زاعمين أنهم دعاةٌ تجديد، رغم أنهم في الحقيقة نُذر شؤم، وأبواق فتنة، ورُسلُ هدمٍ وتخريب لا دعوة وإصلاح .

والسرُّ في ذلك أنهم بدعاوي التجديد تلك يتألَّون علي رب البشر، حيث يُؤكد لسانُ حالهم : ( أن ما جاءنا من عند رب الناس ليس صالحا لكل زمان ومكان، وأنهم أوتوا من الحكمة والذكاء ما يُؤهلهم ليغيروا ما جاء به الشرعُ عبر الأنبياء والرسل؛ ليتوافق مع مُتطلبات الناس وحاجة العصر ).

وقد تعددتْ أباطيلُ من يُسمَون النُخبة، أو دُعاة تجديد الخطاب الديني، والحقيقة أنَّ الدين منهم براء، فمنهم من زعم أن أحاديث النبيِّ نَزلتْ في عصر يُخالف عصرنا، ومن ثم يجب علينا أن نأخذَ منها ما يُناسِب عصرنا ونرفض الباقي !

ومنهم من شَتمَ الصحابة، ووصفهم بأحطِّ النعوت، ومنهم من طعنَ في صحيحيِّ البخاري ومسلم، ليس بغرضِ التقييم، والنقد العلمي البناء، ولكن بغرض الطعن في السنة كلِّها من خلال التشكيك في أصح كتبها .

ومن تلك الأباطيل أيضا مطالبةُ أزهريين يُشار إليهم بالبنان بأن تتساوي المرأة مع الرجل في الميراث تأكيدا لمبدأ المساواة، وهو مطلبٌ في ظاهره الرحمة، وفي باطنه العذاب؛ لأن مساواةَ المرأةِ بالرجل في الميراث ظلمٌ للمرأة والرجل معا، ظلمٌ للرجل لأنَّ له القوامة، وعليه تدبيرُ أمور المعيشة، وكفالة المرأة والأولاد، وظلمٌ للمرأة؛ إذ إنها بتلك المساواة المزعومة ستقف علي طَرفِ نقيض مع الرجل، وتكون ندًا له رغم أنَّ جمالها في رقتها وضعفها، وأنوثتها في لينها، وليس في ترجُلها ونزولها مُعترك الحياة شأنها شأن الرجل، وظلمٌ لها في تحمل مسئولية هذا المال ورعايته وطرق إنفاقه، وظلمٌ لها أيضا، لأنه أي المال يجعلُها مَطمعا يحومُ حوله ذوو القلوب المريضة، ظنا أنها قنصٌ سهل المنال !

إن أنوثةَ المرأة، هي سرُّ جمالها ومن مقتضيات تلك الأنوثة أن تقر المرأة في بيتها، ولا تخرج إلا لضرورة حدَّدها الشرعُ، ووضحها العلماء، ومُخالفة ذلك تشكيكٌ في قوله سبحانه  : ( ألا يعلمُ من خلق وهو اللطيف الخبير).

أضف إلي ماسبق أنَّ رفض البعض أنْ يأخذَ الرجلُ ضعف المرأة في الميراث رفضٌ يُؤججه الجهل؛ إذ إنَّ حصولَ الرجل علي ضِعف ما تأخذه المرأة، ليس قاعدة مُطردة في الميراث لأنَّ هذا لا يكون إلا إذا تساويا (الرجل والمرأة) في درجة القرابة، وكان موقعهما في الجيل الوارث واحدا كأنْ يكون هناك ولدٌ وله أختان، وباستثناء تلك الحالة نجد أن الذكر لا يأخذ ضِعف الأنثي، بل إن هناك حالات يكون نصيبُ الأنثي أكثرَ من الرجل، وفي حالات أخري ترث فيها الأنثي ولا يرث الرجل، كما يتضح لمن يبحث في علم الفرائض( المواريث) المُنزلِ من قبل من لا تخفي عليه خافيةٌ في الأرض ولا في السماء .

وإذا كنا - يا سادة - نعتبرُ تَقوُّلَ غير الطبيب في الطب جريمة في حق المجتمع؛ لأنَّ في ذلك متاجرة بالأرواح، فإنه من باب أولي أن نُجرم التطاول علي الدين مِنْ قبل كلِّ - من هبَّ ودبَّ -  ومن باب أولي من قبل مُعممين سقطت عن رأسهم العمامة في زَحمة التفرنج، وبدلا من أن يكونوا دعاةَ إصلاح، صاروا أبواق فتنة !
--------------------------------
بقلم: صبري الموجي *
* مدير تحرير الأهرام


 

مقالات اخرى للكاتب

أماه .. في يوم عيدك سامحيني!





اعلان