23 - 04 - 2024

ملاحظات على بيان مجلس أمناء الحوار الوطني

ملاحظات على بيان مجلس أمناء الحوار الوطني

ونحن نشهد هجوم المعارضة بعضها على بعض، بالتشكيك والتسفيه على خلفية احتمال الترشح لانتخابات الرئاسية 2024، نشر موقع الشروق القاهرية يوم الاثنين الموافق 27 مارس 2023 بيانا لمجلس أمناء الحوار الوطني جاء فيه:

" أولا أن يتم اقتراح بدء جلسات الحوار الوطني يوم الأربعاء الموافق 3  مايو... ثانيا ...ورفع نتائج هذا الحوار إلى سيادته شخصيا (الرئيس السيسى) لاتخاذ مايلزم بشأنها من تشريعات قانونية أو إجراءات تنفيذية. ثالثا: يستمر كل من مجلس الأمناء والأمانة الفنية خلال هذه الفترة في تلقي الأسماء والمقترحات من مختلف القوى المشاركة في الحوار، لوضعها في جلسات الحوار المناسبة لها، كما يقوم بالاتصال بكل الشخصيات المشاركة في الجلسات لإبلاغهم بالمواعيد التفصيلية لجلساتهم وجداول أعمالها. رابعا: ...فيرفع اقتراح مشروع قانون للسيد رئيس الجمهورية للتكرم بالنظر في عرضه على البرلمان لمناقشته. يتعلق بتعديل تشريعي في قانون الهيئة الوطنية للانتخابات..." هذا معناه: السيسى هو الحل.

وانا غير مقتنع، كنت مع الحوار الوطنى بين قوتين غير متكافئتين؛ سلطة تملك كل القوى (جمع قوة)، ونخبة مدنية (حركة مدنية) مع أفراد تملك حلما فى الإفراج عن المعتقلين، حلم نبيل.. وماذا يصنع الحلم فى مواجهة الخصم القوى؟! عدم قناعتى هو عدم ثقتى فى سلطة لم تحترم دستورا جاءت بموجبه. الدستور هو دين الدولة بالتراضى، من احترمه احترم الدولة، ومن اهانه اهانها. سبب موافقتى على الحوار عل "الحركة المدنية" تحدث ثقبا فى جدار استبداد السلطة، يمكنها من المرور، يتسع شيئا فشيئا، يغدو ساحة ومساحة وطن تضم الجميع بسلام على اختلاف أيدلوجياتهم.

الحوار/التفاوض إذا لم يكن فيه ندية فالقوى صاحب الدعوة يفرض شروطه. سقف الطموح عند المفاوض يحدد مايحصل عليه. الحلم بالإفراج عن المعتقلين هدف نبيل ومقدر. بعض  قوى المعارضة هاجمت "الحركة المدنية" فكشفت ظهرها وجعلته ساحة للسياط تضعفها وتهد حيلها بدلا من ان تقف خلفها تقويها وتدعمها. قوة أى عمل وطنى ليس بمن يقوده فقط بل بمن يقف خلفه، يدعمه ويدافع عنه ويؤيده. أدركت السلطة هذا. حصلت على ماتريد من "الحوار الوطنى" لتجميل وجهها امام العالم. اتخذت المسجونين رهائن ثم تعاملت بمنطق: الإفراج عنهم مقابل الاستمرار فى الحوار. اختبار صعب واختيار قاس بين الرمضاء والنار، بين اهالى مسجونى الرأى من تعلقت آمالهم ببصيص من الأمل البطيء فى الإفراج عنهم، وهجوم من معارضة تطالبهم بالانسحاب. من قبلوا الحوار نبلاء يبحثون عن حل سلمى يتفادون به انفجارا قادما نتيجة ممارسة السلطة الفعل القهرى التراكمى، يتصدقون بنصف اعراضهم، وهم بين مطرقة الهجوم وسندان أمل الأهالى.

للنبل حدود وإلا صار آداة تواطؤ بعد أن تتكشف الأمور، وهنا وجب التنبيه طالما العائد اقل من التكلفة. ومراجعة المكاسب للطرفين. سياسة الافراج عن السجناء لم ترض جميع اهالى المعتقلين، وفى المقابل سمحت ببيع احشاء الدولة على مرأى ومسمع من الجميع، فى ايحاء خبيث من السلطة برضا "الحركة الوطنية" -بعدم انسحابها- عن سلوك السلطة بالبيع وفعل ماتشاء. " الحركة الوطنية" للأسف صارت فى محل اتهام. مشاركة المعارضة ولو بالرفض، فى عمل يمس سيادة الدولة العليا يضفى شرعية ديمقراطية على القرار الناتج. بوجه عام لأن يسجل التاريخ فى زمن قادم أن المعارضة فى زمن ماض انسحبت واستقالت ورفضت مناقشة "الحرام الوطنى" فيما يمس سيادة الدولة، سواء فى برلمان او فى مكتب، أفضل من ان يقال انها شاركت وسجلت اعتراضها. مشاركة المعارضة بالسلب او بالإيجاب فى عمل وطنى، فوق الدستور يمس سيادة الدولة العليا، يضفى شرعية ديمقراطية على القرار، ويرتب حقوقا قانونية ودولية للغير. حقوق الأوطان ليست وجهات نظر، لا تقبل التأويل ولا القسمة على اثنين.

إذا كان الحل فى التوجه برجاء للرئيس السيسى فلماذا الحوار ومع من كان؟! البيان الأخير هو اصدق تعبير عن الحال، وعن عدم وجود حوار، والتأكيد على أن الرئيس هو الوحيد صاحب الحل، بالرغم من سياساته التى فرطت وباعت وأفقرت ورفعت الأسعار واستدانت وأغرقتنا فى الديون وجعلت الوطن على حافة الهاوية، ماالذى تحقق من هذا الحوار لصالح المواطن، ومع هذا بيان لتأجيل استئنافه وكأنه كان مستأنفا! لصالح من هذا؟ ليس من طبعى المزايدة ولا مصادرة رأى اى مواطن لكن عندما يكون العمل باسم جهة متعددة الاقطاب لصالح الوطن، هنا كمواطن يحق لى التنبيه وإبداء الرأى للمعرفة وليس المزايدة، وعلى اقطاب الحركة المدنية ان يحددوا موقفهم من هذا البيان منفردين، فهو بيان لاستهلاك الوقت لصالح سلطة استنفدت رصيدها، وعلى كل مشارك ان يتحمل اختياره، المرحلة لاتحتمل.

قد كفانا جميعا. نحن فى مفترق طرق، لا الترميم ولا الترقيع ينفعان، وامامنا طريقان للتغيير السلمى إما التوافق بقاسم مشترك للجميع على نظام جديد أو التوافق بقاسم مشترك للجميع على نظام جديد (التكرار يؤكد للشطار) أو الانفجار العشوائى. الانتخابات بقواعد السلطة الحالية على أرضية الانقسام والتشكيك لن تأتى بوضع أفضل مما نحن فيه. كل يتحمل مسئوليته. كل الأزمات شهدت مراحل انتقالية مؤقتة للتعافى والخروج منها لإنقاذ الأوطان. قد اكون مخطئا لكن هذا ما أكدته أحداث تلك الأيام من مهاترات وتسفيه وخلافه. لن ينتصر شعب منقسم على سلطة مستبدة. اتحدوا أو موتوا. مخطئ من يظن أن يكون الخصم هو الحكم. ومن أفسد عامدا لايصلح (بضم الياء وفتحه). المشكلة ليست فى استبداد السلطة بل فى تهافت النخبة.
-------------------------------
بقلم: د. يحيى القزاز


مقالات اخرى للكاتب

العوار الوطنى.. إشكالية المثقف والسلطة





اعلان