10 - 11 - 2024

تجربة "إيقاع ريثمو" والسلطة المطلقة: رفض الطعن على العقود الحكومية مدخل للاستبداد والفساد الحكومى

تجربة

مارينا أبراموفيتش كاتبة وفنانة ومخرجة، اشتهرت بتجاربها المثيرة وقدرتها على إيصال القيم والافكار عبر تعابير وجهها وأدائها الجسدى ، ومن تلك التجارب المثيرة لها تجربة اطلقت عليها " إيقاع ريثمو" والتى حاولت فيها ان تثبت  أن الحرية المطلقة قد تؤدى الى كشف الجانب المظلم من الانسان ، وقد أثبتت بالفعل أن جانبا مظلما ودنيئا جدا من النفس البشرية يجعل المرء له قابلية لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين اذا أتيحت له الفرصة دون أى سبب مجد أو مقنع .

تذكرت تلك التجربة للكاتبة والمخرجة مارينا أبراموفيتش عندما أقرت المحكمة الدستورية المصرية قبل أسابيع رفض الطعن على العقود الحكومية وقصرها فقط على طرفى العقدوأصحاب المصلحة المباشرة ، وعدم احقية الشعب فى الطعن ضد تلك القرارات الحكومية ، وقد بررالمستشار محمود محمد غنيم نائب رئيس المحكمة فى بيان نشره موقع أكونومى بلس أن المحكمة استندت فى حكمها إلى أن الاقتصاد القومى مر بمرحلة دقيقة احتاج فيها الى العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية وحجب كل ما يزعزع الثقة فى سلامة البناء الاقتصادى وضمان احترام الدولة لتعاقداته.

لاريب أن هذا القانون يشكل خطورة على البلاد فى حالة عدم مراقبة الحكومة وتعذر محاسبتها اذا تسببت فى أى خسارة  لأنه بموجب ذلك القانون يصبح للحكومة السلطة المطلقة للتصرف فى مقدرات البلاد وبيع أصولها دون رقيب عليها خاصة اذا كان البرلمان مواليا لها ، مما يجعل الأمر نوعا من الاستبداد والاسنهتار بحقوق الشعب ووفقا لتعريف "عبد الرحمن الكواكبى" للاستبداد فهو كلغة غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال بالرأى ... الاستبداد هو أصل لكل فساد وله أثر ثابت فى كل واد والمستبد يتجاوز الحد ما لم ير حاجزا من حديد ، فلو رأى الظالم الى جنب المظلوم سيفا لما أقدم على الظلم .. وبالتالى  نجد أن هذا القانون هو مدخل للاستبداد والفساد الحكومى وفقا لتعريف عبد الرحمن الكواكبى.

لقد وقفت المخرجة والفنانة صاحبة تجربة "ايقاع  ريثمو" على مدى ست ساعات متواصلة أمام الجمهور دون حراك ووضعت فوق الطاولة أكثر من 72 أداة (مقص أزهار  - سكينا – مسدسا – ريشا – قطع شيكولاتة - رصاصا – سلاسل حديدية) ووضعت لافتة موجهة للجمهور بأنها الهدف افعلوا بى ما شئتم كما ورد فى دراسة للباحثة الجزائرية ريحان مرغم. 

فى البداية كانت ردود أفعال الجمهور مسالمة تماما البعض وضع ورود بين يديها والبعض الأخر أطعمها قطع الشيكولاتة وهناك من قام بتقبيلها ، لكنه بعد مرور الوقت تغيرت ردود فعل هذا الجمهور لتصبح عنيفة فقد حمل أحد الاشخاص مقصا وبدأ فى قطع ملابسها ، وشخصا آخر حاول اغتصابها ومنهم من سبها وهناك من حمل سكينا وغرسها فى قطعة خشب بجوارها لارهابها ، وهناك من حاول قتلها بالمسدس . 

وقد حدث كل هذا دون سابق معرفة بها ودون وجود أى دافع حقيقي . وبعد مرور ست ساعات مليئة بالرعب عاشتها صاحبة التجربة  بدأت  فى اتخاذ رد فعل معاكس بالتحرك والاعتراض ، فظهرت علامات التوتر والمفاجأة على الجمهور ليكتشفوا أن من كانت أمامهم ليست نكرة يمكنهم العبث بها بل هى شبيهة لهم ولايمكن التجاوز فى حقها فتوقفوا عن ايذائها.

ان ماحدث من رفض المحكمة الدستورية الطعن ضد القانون الصادر عام 2013فى عهد الرئيس الاسبق عدلى منصور بمثابة تحصين لعقود البيع من الملاحقة القانونية ، خاصة فى ظل برلمان مهادن للحكومة ولا يعمل لصالح الشعب ، بل لصالح المستثمرين بعد انخفاض سعر صرف الجنيه المصري ، وذلك بعد منح السلطة المطلقة للحكومة للتصرف فى مقدرات الشعب دون الرجوع اليه او منحه الحق فى الاعتراض على البيع.

ان مارينا إبراموفيش عندما وقفت طوال ال 6 ساعات  بلا حراك تاركة للجمهور مطلق الحرية فى مواجهتها ، ووضعت فى يده كل الادوات للتعامل معها ، كانت مثل الشعب المسلوب الارادة الآن ، اما الجكومةفهى مثل الجمهور الذى تعامل مع المخرجة" برفق  فى البداية وأطعمها الحلوى وأهداها الورود والكلام المعسول ، ثم اعقب ذلك التعرض لصاحبة التجربة بالتعدى والانتهاك والتحرش ، وهو ما يحدث لنا الآن من بيع أصول البلاد  بمنطلق هذا القانون المجحف ، والآن ترفض المحكمة الدستورية الطعن عليه من قبل الشعب المالك الحقيقى للأرض ، بعد أن أصبحنا شعبا هزيلا مسلوب الارادة منهك القوى يعانى لهيب الأسعار ، تباع مقدراته قطعة قطعة وهو بلا حراك ، وليس فى استطاعته حتى الاعتراض عبر القضاء.

انتهت مارينا ابراموفتش فى تجربتها إلى مدى تعارض الحرية المطلقة مع المسؤولية ، واوضحت انه فى لحظات الحرية المطلقة هناك قابلية النفس البشرية  للشر وإلحاق الاذى بالآخرين . وأن الحرية المطلقة تتعارض مع الشعور بالمسؤولية وهو ما نحن بصدده ، فلابد من التصدى لقرار المحكمة الدستورية الأخير، فلايجب منح الحكومة السلطة المطلقة تحت أى ظرف مهما كان الهدف ، لأنها مفسدة يترتب عليها كوارث وخيمة . 

أن كانت الكاتبة والمخرجة أثبتت فى تجربتها أن تغير حركتها ورد فعلها من حالة الاستسلام والخنوع على مدى ست ساعات الى الاعتراض والمقاومة ، جعل الجمهور يتوقف عن ايذائها وأشعرتهم بانها ليست نكرة ، يفعل الجمهور بها ما يشاء من إهانات وتحرش وإيذاء ، فهل نتحرك نحن أيضا ونثبت لأنفسنا أننا لسنا نكرة كما تصور البعض ، فمازلنا أحياء ولدينا قدرة على المقاومة ورفض الضعف والخنوع . وحسبى الله ونعم الوكيل.
----------------------------------
رؤية : هدى مكاوى
من المشهد الأسبوعية