28 - 03 - 2024

انتخابات نقابة الصحفيين .. "النقيب" و"المجلس".. معركة واحدة أم معركتان؟

انتخابات نقابة الصحفيين ..

من الأمور الملفتة للنظر، فيما يستعد الصحفيون لانتخابات التجديد النصفي لمجلس النقابة وانتخاب نقيب جديد، نبأ إحالة أربع صحفيات في موقع "مدى مصر" للمحاكمة في تهمة الإساءة لحزب سياسي يطمح أن يحل محل "الحزب الوطني المنحل" ليصبح حزب الحكومة. ومن الأمور الصادمة أيضاً أن يخرج علينا أحد أعضاء مجلس النقابة، الذي يخوض معركة التجديد النصفي في لقاء تلفزيوني يدافع فيه عن مشروع تطوير واجهة النقابة ويقدم في الحوار مبررات تدينه ولا تبرئ ساحته وتستدعي تحقيقاً موسعاً في مخالفات كثيرة أهمهما إهدار المال العام، إذ قال، في الحوار، معلقاً على ما يتردد عن أن الهدف من مشروع التطوير هو منع الوقفات الاحتجاجية (التظاهر) على سلم النقابة، إن من يرغب في التظاهر يقف "وراء السقالات" لأداء مشهد تمثيلي وكأنه في سجن، والأدهى أن هذا المرشح يقول إن المشروع الضخم لم ينته بعد ويتعهد باستكماله بعد الانتخابات، وهو قول يشي بأن إزالة الكفن من على واجهة نقابة "مهنة الرأي" أمر مؤقت لدواعٍ انتخابية، ليتواصل بعد الانتخابات مسلسل إهدار أموال الصحفيين على مشروعات "عملاقة"، في وقت تتردى فيه أحوالهم المعيشية بشكل مهين للصحفي ولكرامته. 

الرسائل التي تحملها الواقعتان ما كان لها أن تصدر إلا إذا كان هناك إحساس عام بأن إرادة الصحفيين قد تمت مصادرتها بلا رجعة، وكأن لسان حال المرشحين المطمئنين إلى دعم السلطة لهم يقول ما قاله مرشح آخر لأحد الصحفيين "بناقص صوتك"، وهو ما يعني أن نتائج الانتخابات معروفة سلفاً بغض النظر عن نتائج التصويت في الانتخابات. 

إن الوصول إلى هذا المستوى من "التبجح" من قبل مرشحين للفوز بمناصب في مجلس نقابة الصحفيين يكشف عن تحولات عميقة وجذرية تحدث بسرعة في أروقة "صاحبة الجلالة"، نتيجتها المحتمة هي موت "الصحافة" في مصر، وقد نبهت في مقالات سابقة إلى خطورة هذا الوضع، ليس فقط على العاملين مهنة "البحث عن المتاعب" وإنما على الوطن وعلى أصوله وأحد المصادر الرئيسية لريادته وقوته الناعمة، وأصبح من المهم الآن أن نعرف كيف وصلنا إلى هذا القاع الذي لم تظهر له نهاية بعد؟ وعلينا أن نحدد المتورطين في جريمة قتل "الصحافة" وأولئك الذين يجهزون لتكفينها ودفنها؟ ولا عزاء للمتخاذلين المتقاعسين عن الدفاع عن مهنتهم وللذين فقدوا الإيمان برسالتها ودورها، ولا عزاء أيضا للغافلين عما يجهز من تصفية لمؤسسات صحفية عريقة جرى تأميمها بعد عام 1952، لتمضي في الطريق ذاته الذي مضت فيه مؤسسات القطاع العام كانت تُدار في غيبة تامة لأي مستوى من مستويات الرقابة والمحاسبة، مُسجلة خسائر في الدفاتر المحاسبية، ولا أحد يعلم شيئاً عن الأرباح التي كانت تنهب وتحول إلى حسابات خاصة. ولم تكن الصحافة المستقلة التي كان يفترض أن تُدار بمنطق المؤسسات الخاصة الهادفة للربح أفضل حالاً من المؤسسات القومية، بسبب القيود الشديدة على حرية الرأي والتعبير والتضييق على الصحفيين الموهوبين وفتح المجال أمام أنصاف الموهوبين أو حتى عديمي الموهبة، وهذا ليس سوى عرض لمرض، لم نجر تشخيصا دقيقا له، حتى نتلمس علاجا ناجعا للداء، وبسبب تحول الصحافة عن القارئ باعتباره الممول الرئيسي للمطبوعة، إلى صحافة المعلن المتحكم في التدفقات المالية للصحف، لتُضيف مصدراً من مصادر تقييد حرية الرأي والتعبير، مع تلاشي الحدود الفاصلة بين "الإعلام" و"الإعلان" .. 

مهنة من لا مهنة له

عند مقارنة صورة الصحفي منذ مطلع القرن العشرين وحتى الثمانينيات، بصورة الصحفي الآن، فإن المرء سيُصاب بصدمة مذهلة، وسيستشعر الخطر الذي يحيق بالمهنة بانتقالها من "مهنة البحث عن المتاعب" لتصبح "مهنة من لا مهنة له". في الماضي كان ينطبق على الصحفي تعريف المثقف الموسوعي الذي يعرف "شيئاً عن كل شيء" وكان الصحفي على احتكاك دائم بمصادر المعرفة ومطلع على الأحداث الجارية من حوله داخلياً وخارجياً. كان الصحفي هو مصدر الثقافة والمعرفة، ينقلها لجمهور القراء، الذين كانوا يقتطعون جزءاً من دخولهم من أجل شراء جريدة أو أكثر، فترتفع أرقام التوزيع وتزداد أرباح الصحف التي تتنافس من أجل كسب القارئ الذي كان هو الممول الأول للمؤسسات الصحفية ومطبوعاتها، وخلق هذا الوضع أجواء من المنافسة بين الصحف من أجل زيادة معدلات التوزيع، ونتيجة لهذا التنافس برزت مدرستان كبريان في الصحافة المصرية: صحافة الخبر، وكانت تتزعمها مؤسسة أخبار اليوم، التي بدأت كمشروع خاص قبل تأميمها، وصحافة الرأي، وتتزعمها مؤسسة الأهرام، والتي بدأت أيضا كمشروع خاص، وبينهما ازدهرت مؤسسات صحفية لعبت دورا بارزاً في فنون أخرى للعمل الصحفي، مثل مؤسسة روز اليوسف التي أصدرت مجلة "صباح الخير" التي ازدهر معها فن الكاريكاتير وازدهر معه أسلوب الكتابة الساخرة، ودار الهلال ومطبوعاتها الثقافية التي كانت تؤثر في العالم العربي من المحيط إلى الخليج. وكانت هناك جريدة "المصري" لصاحبها أحمد أبو الفتح التي جرى تأميمها لتصبح دار التحرير بإصداراتها المعروفة والتي كان لها طابعها المميز أيضا، لكنها كانت أكثر المؤسسات خضوعاً لسلطة الرقيب، وكان لهذا تأثير ضار على المؤسسة، ومطبوعاتها.      

كانت الصحافة في ذلك الزمان مهنة تجتذب المثقفين الموهوبين الأقدر على التعبير بلغة سهلة وبسيطة تصل لجمهور واسع من القراء الذين كانوا ينتظرون صدور الصحيفة لمعرفة الأخبار أو الاستمتاع بقراءة مقالات كبار الكتاب من مثقفين ومبدعين وروائيين وأساتذة جامعات، وكانت هذه المقالات تشتبك مع قضايا آنية تهم عموم القراء الذين يتلمسون فيها هدياً يساعدهم على تكوين الرأي واتخاذ القرار الأصوب. وكان اختيار الصحفيين لا يخضع فقط لمعايير صارمة وإنما يخضع الصحفي، في فترة التدريب الشاقة، لسلسلة من الاختبارات الصعبة التي يتعين عليه اجتيازها كي يكون مؤهلاً للعمل، ومدققاً في نقله للخبر والمعلومة وقادراً على التعبير بلغة سليمة أولاً، وسهلة أيضاً. إن التساهل في هذه المعايير وتراجع الاهتمام بالتدريب كان له تأثيره الضار للغاية على المهنة، إلى حد أن شاع عن الصحافة أنها "مهنة من لا مهنة له". ولعبت اعتبارات أخرى، مسؤول عنها قانون نقابة الصحفيين بصيغته الراهنة في المقام الأول، وإتاحة الفرص للعمل والالتحاق بالنقابة، بوابة الاعتراف الرسمي بالصحفي، استناداً لاعتبارات تتراوح بين المحسوبية والرشوة بأشكالها المختلفة والمستحدثة، وانتشار نمط صحافة الممول، واعتماد الصحف على الإعلان، أدى إلى تراجع الأداء مع اعتماد مؤهلات مختلفة يتم النظر إليها عند اختيار الصحفي. 

نتيجة لهذه التطورات جميعاً، دخلت الصحافة في حلقة مفرغة وفقدت الصحافة تأثيرها وأهميتها لدى الممول الرئيسي لها، القارئ، والأهم أنها فقدت أهميتها، أيضا، لدى الممول المعلن، مما أدخلها في سلسلة من الأزمات كان لها تأثيرها المباشر على الصحفي وأدت إلى مزيد من التساهل في المعايير المؤهلات المفترض توافرها في الصحفي. ونتيجة لهذا الوضع، أصبح كثير من الصحفيين الموهوبين، غير معترف بهم رسمياً، لعدم قدرتهم على الالتحاق بالنقابة، وأصبحت لجنة القيد والمتحكمين فيها، أهم لجان العمل النقابي، ولا أحد يعرف على أساس يتم قبول الصحفيين أو تأجيل قبولهم ولا المعايير والشروط التي يتم الالتحاق بالنقابة على أساسها وعلى نحو يشي بأن قرارات اللجنة تأتي من جهة ما من خارجها. صحيح أن التحولات التي شهدها سوق العمل الصحفي والسماح لموظفين لا علاقة لهم بالمهنة بالحصول على عضوية النقابة، وحرمان صحفيين فعليين من الحصول على العضوية، وأصبح كم المنشور هو المعيار الأول والأهم للاختيار على حساب الجودة ومستوى المهنية. وكان لهذا الوضع تأثير بالغ الضرر على المهمة الرئيسية للنقابة، المتمثلة في الدفاع عن المهنة والارتقاء بها.

الدفاع عن المهنة وحماية حقوق الصحفيين

الفكرة الأساسية في العمل النقابي، سواء من خلال النقابات العمالية أو النقابات المهنية، هو تمكين العاملين من التفاوض من أجل تحسين شروط العمل، ومن ثم فإن التنظيم النقابي هو ملك للعاملين بشكل رئيسي ويجب أن يكون معبراً عنهم ومدافعاً عن مصالحهم وحقوقهم. لكن النقابات المهنية تلعب أدواراً تتصل أساساً بالدفاع عن المهنة، من خلال مراقبة الالتزام بعدد من القواعد الأخلاقية لممارسة المهنة والتأكد من عدم إخلال العاملين في هذه المهنة أو تلك بأي من هذه القواعد، وتقوم أيضاً بالارتقاء بمستوى المهنة. فعادة ما نجد أن من يشغل مناصب في مجالس تلك النقابات هم الأفضل من حيث الالتزام بالقواعد والمواثيق ومدونات السلوك المرعية في ممارسة المهنة والتي يطلق عليها آداب المهنة، ينطبق ذلك على كل المهن الحرة، التي تشمل الطب، الهندسة، المحاماة، والصحافة والإعلام. لكن الصحافة والإعلام تكتسب بعداً آخر يميزها عن بقية المهن، الأمر الذي يضيف شرطاً آخر للشروط المؤهلة لشغل موقع في مجلس النقابة. فالصحافة هي مهنة الرأي، وقد يكون اشتهار المتقدم للحصول على ثقة الصحفيين في شغل منصب في نقابتهم بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير في المجتمع كحق أساسي من حقوق الأفراد واحدا من مسوغات انتخابه للمنصب. وهذا الشرط تحديداً هو ما يعطي لنقابة الصحفيين مكانتها كمنصة للتعبير عن الرأي بحرية، وهذا الدور تحديداً هو جعل النقابة والصحفيين هدفاً للسلطة التي تضيق بالرأي ولأجهزتها، ولهذا السبب تحديداً، تميل انتخابات الصحفيين لأن تكون فرصة للصراع على مساحات حرية الرأي والتعبير وبين من يسعون لممارسة نوع من أنواع الرقابة المُعَززة على أعمال السلطة التنفيذية من ناحية، وبين من يضيقون ذرعاُ من هذه الحريات ومن الرقابة، من ناحية أخرى. وكان من المهم كسب مواقع في النقابة لتمرير مواقف وسياسات تتعارض تعارضاً أساسيا مع قيم المهنة، والسعي للتأثير على إرادة الصحفيين أو مصادرتها إذا تعذر تطويعها.

والتحولات التي جرت على مستوى الصحافة والإعلام، بشكل عام، في العقد الأخير تشير إلى إصرار على المضي قدماً في تصفية مهنة الصحافة بحيث يتحول العمل الصحفي والإعلامي إلى نوع من أنواع العمل الدعائي الرخيص والفج، ويحول الصحف إلى نشرات دعائية لا تلبي تعطش القارئ للمعرفة والاطلاع، وضاع التميز والتفرد اللذان ميَّزا الصحافة المصرية على طول تاريخها ليتشابه المحتوى والأسلوب والعناوين الرئيسية للصحف، وصاحب ذلك تراجعاً في معدلات التوزيع التي تراجعت بشدة، الأمر الذي انعكس سلباً على فرص الصحف في التطور والاستمرار والصمود في مواجهة الضغوط الناجمة عن التحولات السريعة والمتلاحقة مع ظهور ما يعرف بالإعلام الجديد وانتشار القنوات الفضائية التي تحمل لجمهور المشاهدين الخبر وقت حدوثه مدعوماً بالصوت والصورة لتفرض تحدياً على الصحافة المطبوعة، ثم جاءت الموجة الثانية من الضغوط والتحديات مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ودخول عددٍ من اللاعبين الجدد إلى ساحة العمل الصحفي من خلال الوسائط التفاعلية وظهور ما يعرف بصحافة المواطن وصحافة المجتمع لتفرض تحديات جديدة أمام المهنة. للأسف حدثت كل هذه التطورات في وقت، سيطر فيه الجانب الخدمي أو الجانب السياسي على العمل النقابي، ومن ثم لم يتفاعل مجلس النقابة مع هذه التطورات ويدرسها ويقدم اقتراحات لتطوير العمل الصحفي والارتقاء بمستوى المهنة، لتضاف مشكلات جديدة إلى مشكلات أخرى مزمنة تعاني منها مهنة الصحافة والإعلام ولم يحقق التعامل معها أي تقدم يذكر. ورغم اللجان الكثيرة للنشاط في النقابة لم تتبلور أي لجان للتعامل مع المشكلات المستجدة. 

إن الوضع الذي آلت إليه مهنة الصحافة في مصر الآن هو نتاج لعملية ممتدة، عبر عقود، لإفساد الصحفيين بهدف تدجينهم وتطويعهم، وتحويل المهنة إلى نوع من أنواع العمل الدعائي الذي لا يحتاج أي موهبة أو ملكة خاصة من الملكات المؤهلة للقيام بأعباء هذه المهنة الخطيرة نظراً لتأثيرها المباشر على الرأي العام. ولعل إشارة الرئيس المخلوع حسني مبارك في واحد خطاباته الأولى بعد اندلاع ثورة 25 يناير من أن ما حدث في مصر، إنما كان نتيجة للمساحة التي كانت متاحة في عهده لحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام، رغم محدودية تلك المساحة مقارنة بدول وبلدان أخرى. والمؤسف حقاً، أن الدرس الذي تعلمته السلطة من هذه العبارة هي فرض المزيد من القيود على المهنة وعلى الصحفيين والمضي قدما في برنامج لتصفية المؤسسات الصحفية عبر عمليات للدمج أو التخلي جزئيا عن بعض الأصول تمهيداً لبيعها وفتح المجال الصحفي والإعلامي لمؤثرات وتأثيرات خارجية على الرأي العام، لا لشيء سوى أنها تقدم إعلاماً بديلاً للإعلام المحلي الذي بلغ مستوى من التردي فقد معه ثقة القارئ والمشاهد. إن حالة التشوش الملحوظة لدى الجمهور وعلى مستوى الرأي العام بشأن العديد من القضايا المحلية والعالمية ليس سوى نتيجة من النتائج المترتبة على التردي والتراجع الحادث على مستوى الصحافة والإعلام والمصاحب للتردي الحاصل في مجالي الثقافة والتعليم، وما يؤدي إليه ذلك مما يصفه بعض المراقبين بتجريف تتعرض له الحياة الفكرية والمعرفية والثقافية في مصر وهو ما ينعكس سلباً على مؤشرات التنمية ويؤخرنا مزيداً من السنوات الضوئية عن مواكبة التحولات الجارية في العالم.        

هل من ضوء في نهاية النفق المظلم؟

إن متابعة التطورات الحادثة على مستوى مهنة الصحافة في العالم، تشير إلى أنه لا تزال هناك فرصة كي تستعيد الصحافة المصرية وضعها ومكانتها، لكن اغتنام هذه الفرصة مرهون بتخلي الصحفيين عن الروح الانهزامية وحالة الاستسلام المسيطرة عليهم والتي تنعكس بشكل واضح من خلال مراقبة المعركة الانتخابية الراهنة، وللأسف، فإن بعض قيادات العمل النقابي رسخت هذه الروح لدى الصحفيين بدلاً من استنفارهم للدفاع عن مهنة تحتضر، لتفسح الساحة الإعلامية في مصر أمام كثير من المنصات الخارجية التي تعبر من مصالح أصحابها والتي تكون غالباً على حساب المصالح الوطنية، ولهذا تأثيرات خطيرة على الأمن القومي. إن عزوف كثير من الوجوه النقابية عن خوض المعركة الانتخابية سواء موقع النقيب أو في التجديد النصفي لمجلس النقابة، لم يترك للصحفيين المزيد من الاختيارات، بل إن ما يتردد عن أسباب هذا الامتناع والعزوف يزيد من الروح الانهزامية وحالة الاستسلام المسيطرة، والجميع على ما يبدو غير مدركين خطورة تصدير حالة اليأس هذه على جموع المواطنين. أما الفريق الآخر الذي يتحمل القدر الأكبر من المسؤولية هو الفريق الخانع والذي حول المناصب النقابية من مناصب تنتزع من خلال معركة انتخابية تفرز الأفضل من خلال جو من المنافسة وعرض لبرامج انتخابية تشتبك وتتعامل مع القضايا والمشكلات الملحة والخطيرة التي تعاني منها المهنة، إلى مناصب توليها مرهون برضا السلطة ومضمونة لمن يساعدها في تمرير خططها التي تستهدف المؤسسات الصحفية، بكل ما أوتي من قوة، والحصول على قدر من المكاسب عبر ممارسات مشبوهة وفاسدة، وعدم الالتفات إلى مسألة تعارض المصالح. 

لقد استطاع قطاع من الصحافة المستقلة في مصر أن يطور أدوات تضعه على الطريق الصحيح للمستقبل، عبر الصحافة الاستقصائية، التي تطورت كي يتجاوز العمل الصحفي نطاقه الضيق ليندمج في الوسائط الإعلامية الجديدة، ويستعيد للعمل الصحفي الاحترافي مكانته وموقعه كمصدر للتصدي لمشكلة الأخبار والتقارير المزيفة التي يجري تمريرها عبر وسائل التوصل الاجتماعي وشبكة الانترنت. ومن المؤسف حقاً أن هذا القطاع تحديداً هو من أكثر القطاعات المستهدفة دون أن يحرك مجلس النقابة أو النقيب ساكنا للدفاع عن حرية الرأي والتعبير بدعوى أن هؤلاء ليسوا أعضاء في النقابة، ولا نعرف سبباً يحول دون حصول هؤلاء الصحفيين الموهوبين على عضوية النقابة سوى الرغبة الأكيدة في تصفية المهنة. إن التحديات أمام الصحافة والصحفيين هائلة ويتطلب التصدي لها والتعامل معها جهودا شاقة، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن معركة انتخابات الصحفيين الراهنة هي معركة مصيرية، يواجه فيها الصحفيون الاختيار بين أن "نكون أو لا نكون". للأسف، فإن المؤشرات العامة إلى الآن تدل على حالة استسلام لن يفيق منها الصحفيون إلا بعد فوات الأوان. 

الطريق الآن واضح وهو أن يتخلى الصحفيون عن روح الانهزام والاستسلام والسلبية وأن يعلنوا موقفهم بوضوح من خلال صندوق الانتخابات، فهم بذلك يقدمون الأمل للمواطنين برسالة قوية وواضحة تنهي حالة اليأس الزاحفة على روحهم، والدولة بوقوفها على الحياد في هذه المعركة وتوفير الضمانات لنزاهتها، إنما تعطي الرسالة التي ينتظرها العالم والتي تشير إلى ضوء ما في نهاية النفق. 
------------------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

حرب غزة 2023.. النزوح الصامت ومعركة خان يونس وتوسيع الحرب إلى رفح





اعلان