10 - 11 - 2024

في مصر.. يأس المصريين يزداد والحكومة والفقراء يكافحون في ظل اقتصاد مضطرب

في مصر.. يأس المصريين يزداد والحكومة والفقراء يكافحون في ظل اقتصاد مضطرب

تقف مجموعة من النساء أمام بائع خضار في أحد الشوارع في أحد أقدم أحياء القاهرة ويصرخن من الاستياء. قالت أحدهن "كل يوم هناك أسعار جديدة" وصاحت اخرى وهي تحتضن طفلاً بين ذراعيها "متى تنتهي هذه الحرب؟" أدى الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي دخل عامه الثاني الآن، إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في جميع أنحاء العالم، مما أضاف وزنًا اخر على الأزمة الاقتصادية في مصر، وقد أعقب ارتفاع معدلات التضخم والضعف الشديد للعملة ومشاكل أخرى عقودًا من سوء الإدارة الحكومية واضطرابات أوسع نطاقاً، بدءاً بالاضطرابات التي اندلعت منذ انتفاضة الربيع العربي عام 2011، ثم سنوات من هجمات المجموعات المتشددة، تليها جائحة فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا. 

لقد دفعت الأزمة العديد من المصريين إلى الخروج من الطبقة الوسطى، في حين أن فقراء البلاد - الذين يشكلون حوالي ثلث السكان - يقلصون اكثر من السلع الضرورية لحياتهم، ويتساءل الكثيرون إلى متى يمكنهم البقاء على قيد الحياة على هذا النحو. 

وجد هاني حسن نفسه يكافح لإطعام أطفاله الأربعة وهم في سن المدرسة، وأجره من وظيفته كنادل في مقهى يشتري أقل فأقل من السلع يومًا بعد يوم. قال حسن (43 عاما) الذي يكسب حوالي 110 دولارات في الشهر من خلال نوبات عمل تمتد لمدة 12 ساعة سبعة أيام في الأسبوع: "كان العام الماضي هو الأصعب في حياتي" مضيفًا "أنا خائف من أنني ذات يوم لن أتمكن من إطعام الأطفال". 

بلغ معدل التضخم السنوي 26.5٪ في يناير، وهو الأعلى في خمس سنوات، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المناطق الحضرية بنسبة 48٪، وفقًا للأرقام الرسمية. تضاعفت تكلفة العديد من الضروريات، بما في ذلك الأرز وزيت الطهي والخبز ومؤخرًا البيض، في محلات السوبر ماركت بالقاهرة، وتضاعفت أسعار كيلوغرام واحد من الدجاج أو اللحوم الأخرى تقريبًا مقارنة بالعام الماضي، لتصل إلى 300 جنيه مصري (حوالي 10 دولارات) للحوم وحوالي 90 جنيهًا مصريًا (حوالي 3 دولارات) للدجاج. جعلت الزيادة من هذه البروتينات رفاهية باهظة للجميع باستثناء الأغنياء. 

ضربت الحرب في أوكرانيا، التي هزت الاقتصاد العالمي، مصر التي تعاني أصلًا من ضعف مالي. تحتاج الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان والتي تعتبر اكبر مستورد للقمح في العالم إلى شراء غالبية طعامها من البلدان الأخرى للمساعدة في إطعام سكانها الذين يزيد عددهم عن 104 ملايين نسمة. 

تقول كالي ديفيس، الخبيرة الاقتصادية في أكسفورد إيكونوميكس أفريكا: "من المهم إذن النظر إلى مشكلة التضخم في مصر في سياق قضايا وضعها الخارجي الأوسع". وتضيف ديفيز إن فاتورة الواردات المصرية تضخمت أولاً بسبب ارتفاع الأسعار العالمية لسلع مثل الوقود والقمح التي يتم شراؤها بالدولار، مما أدى إلى نقص العملة الأجنبية وذلك أجبر البنك المركزي المصري على تمرير سياسات للحفاظ على الاحتياطيات الأجنبية للبلاد، بما في ذلك القيود على الواردات، مما أدى إلى ارتفاع التضخم. 

كما أدت الحرب إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في مصر، ففي فبراير، راجع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير توقعاته لنمو مصر هذا العام إلى 4.3٪، بانخفاض عن توقعاته السابقة البالغة 5٪. 

بالنسبة للكثيرين، بدأت المصاعب في عام 2016 عندما شرعت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في برنامج إصلاح يهدف إلى عكس التشوهات طويلة الأمد في الاقتصاد المصري مقابل قروض من صندوق النقد الدولي.

 أدخل البرنامج ضرائب جديدة وشمل تخفيضات كبيرة في دعم الدولة للسلع الأساسية - وهي سياسة تعود إلى عقود ماضية. 

وأشادت الحكومات الغربية والمؤسسات المالية الدولية بإجراءات التقشف، ومع ذلك، فقد جعلت هذه السياسات الحياة صعبة على المصريين العاديين وقد ألقى السيسي باللوم على الحرب في أوكرانيا في أحدث ارتفاع في التضخم، وقال في كلمة القاها مؤخرا "الظروف صعبة على العالم بأسره". 

لمساعدة الأسر الفقيرة والمتوسطة على مواجهة تداعيات الإجراءات، عززت الحكومة برامج الرعاية الاجتماعية، وزادت رواتب موظفي الخدمة المدنية، وأجلت التخفيضات على الخبز المدعوم والارتفاعات المخططة لأسعار الكهرباء، كما أنشأت المئات من الأسواق المملوكة للحكومة في جميع أنحاء البلاد والتي تبيع السلع الأساسية بأسعار أرخص.

ثم لجأت الحكومة إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض إنقاذ جديد العام الماضي، وهو الرابع خلال ست سنوات، وتأمل أن تساعد الصفقة البالغة قيمتها 3 مليارات دولار في توليد 14 مليار دولار أخرى من شركاء مصر الدوليين والإقليميين، بما في ذلك دول الخليج الثرية، لكن يبدو أن دول الخليج العربية مترددة بشكل متزايد في مساعدة مصر كما فعلت على مدى العقد الماضي.

قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، في يناير/كانون الثاني "نحن بحاجة لرؤية الإصلاحات. نحن نفرض الضرائب على شعبنا ونتوقع أيضًا أن يفعل الآخرون الشيء نفسه، ليبذلوا جهودهم، نريد المساعدة، لكننا نريدك أيضًا أن تقوم بدورك".

تعهدت مصر بدعم الإصلاحات التي يوجهها صندوق النقد الدولي، بما في ذلك سعر الصرف الحر العائم وتقليل قبضة الجيش القوية على الاقتصاد - وهو تنازل كبير.

تبنت الحكومة في ديسمبر مبادرة الخصخصة، قائلة إنها ستنسحب من الصناعات التي لا تعتبر استراتيجية بحلول عام 2024 وتهدف السياسة إلى تعزيز مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 65٪ بحلول عام 2025 من 30٪ في عام 2021.

يواجه القادة انتقادات بسبب تعاملهم مع الاقتصاد ومشاريع البنية التحتية المكلفة، بما في ذلك بناء العاصمة الادارية الجديدة بقيمة 45 مليار دولار، والتطورات الأخرى والطرق السريعة، وقد لجأ الكثير إلى وسائل التواصل الاجتماعي للشكوى، ودعا البعض الحكومة إلى التنحي.

قال رجل الأعمال الملياردير نجيب ساويرس، أحد أغنى أغنياء البلاد، لإحدى الصحف اللبنانية مؤخرًا إن مصر بحاجة إلى إصلاح سياسي واقتصادي، ودافعت الحكومة مرارًا وتكرارًا عن مثل هذه المشروعات العملاقة باعتبارها ضرورية لتحسين الظروف المعيشية وخلق فرص عمل للأعداد المتزايدة من السكان.

يقول إتش.إيه هيليير، الخبير الجيوسياسي في المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدفاعية ومقره لندن، إن الضغوط على الاقتصاد المصري ستكون هائلة بالنسبة لأي حكومة "لقد تم اتخاذ بعض الخطوات الجيدة، والسؤال هو ما إذا كانت هذه كافية لتغيير مسار الأزمة الاقتصادية أم لا، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما هي الخيارات الأخرى التي ترغب السلطات في قبولها؟". 

في غضون ذلك ، يزداد يأس المصريين. 

سميرة عبد الوهاب، محاسبة تعمل في شركة الكهرباء التي تديرها الدولة، جابت بين البائعين لتقف في سوق شارع المغربلين في حي الدرب الأحمر بالقاهرة، بحثًا عن أرخص الأسعار، وقالت الأم البالغة من العمر 37 عاماً: "أخشى أن الضرر لا يمكن إصلاحه".