10 - 11 - 2024

وعلي الباغي تدورُ الدوائر !

وعلي الباغي تدورُ الدوائر !

التفاوتُ بين البشرِ في العلمِ والجسم والفهم سنةٌ كونية، وإرادةٌ ربانية لعمارةِ الكون، وتسيير شئون الحياة، فلا يُمكن لعالمٍ أو رجلِ سياسة، أو قاض أو غيرها من المهن الشريفة - حسب تصنيف الناس -  أن يعمل عمل (الإسكافي) أو السباك، أو (المُزين)، والذي سموه مُؤخرا مصففُ الشعر أو (مُرجله)، وغيرها من المهن، التي يُنظرُ إليها نظرة دونية، برغم أنه لا يمكن لعجلةِ الحياة أن تدور بغير وجودها !

والعاقلُ هو من يُدركُ أنه ليست هناك حرفةٌ  شريفة، وحرفة وضيعة، فكلُّ الحرف سواء، مادام أصحابها يتقنون أداءها، ويُحسنون صنعها، كما أخبر الحديث الشريف عن سيد الخلق محمد : ( إن الله يُحبُ إذا عمل أحدُكم عمًلا أن يُتقنه)، فالمعيارُ بنصِّ الحديث هو إجادةُ العمل وليس نوعَه -  فحلاقٌ قليلُ الكلام - وضعْ تحت قليلِ الكلام ألف خط - يُتقنُ عملَه خيرٌ من دبلوماسي، ينتشي بهندامه، ومكانته المرموقة، ويمشي يتدلل كطاوس، أو (يتحنجل) كغراب رغم أنه يُفسدُ أكثرَ مما يُصلح، وربما يكون نذيرَ شؤم، ومُؤججَ حربٍ لا سفير إصلاح .

أقول هذا؛ لأن كثيرًا من الناس، يستقلُ دوره، فيهمل ويتكاسل؛ ظانا أن كمالَ البنيان، وصلاحَه لا يتوقف عليه وحده، وأُجزمُ أنَّ من يعتقدُ ذلك مُخطئ أشدَّ الخطأ؛ لأن أيَّ مجتمع هو مجموعُ أفراده، وباجتهاد الكلِّ يرتقي المجتمع، وبتقصير البعض، ينجمُ خللٌ أو قصورٌ في مصلحة أو هيئة، أو وزارة، ولا يتحمل المقصرُ وحده نتيجة هذا التقصير، بل يتحملُه المجتمعُ ككل، ولله درُ القائل :

متي يبلغُ البنيانُ يوما تمامَه / إذا كنتَ تبني وغيرُك يهدم ؟

فأفيقوا يرحمكم الله، وانثروا بذورَ التفاؤل، واغرسوا فسائل الأمل، وثقوا بأن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملا، وانشغلوا بإصلاح أنفسكم أكثرَ من انشغالكم وتأسفكم علي فساد المفسدين؛ لأن هناك ربا مُطلعا، لن يُهمل الظالم - أيا كان موقعُه - واستحضروا قولَ الأولين : وعلي الباغي تدورُ الدوائر .
---------------------------
بقلم: صبري الموجي

مقالات اخرى للكاتب

الحاج رمضان الحفناوي .. لا يفل الحديد إلا الحديد !