09 - 05 - 2025

وجهة نظري | فلانتين بلا دباديب

وجهة نظري | فلانتين بلا دباديب

لا أنتمى للجيل الذى جعل للحب يوم عيد ، وإنما للجيل الذى جعل كل أيام الحب أعيادا.

لم يمارس العواجيز أمثالى طقوس هذا الاحتفال.. لم نتعمد أن نرتدى ملابس وردية ونحمل قلوبا ودباديب حمراء ، كما يفعل شباب اليوم.. ويتفنن في الأشرطة الملونة المبهجة التي تجمل هداياه ، يحتضن كل منهم هديته بفرحة متمنيا أن تنال إعجاب من يحب. 

لا أعرف إذا كانت رسالة عشقه تصل أم لا؟ بعدما صارت قلوب المحبين هذا الزمان مادية تختبر درجات الحب بقيمة الهدية لا مشاعر من يهديها .. فيندفع كل طرف دون أن يدرى ببذل اقصى ما لديه من مال ، ويغالى قدر ما يستطيع ممنيا نفسه أن تصل الرسالة فترضى من يحب عنه أو يرضى من تحب عنها.. فالكل يتعامل بنفس اللغة التي يفرضها عصر للأسف قاس ، تنحَّت فيه المشاعر جانبا وأصبحت بلا قيمة بعدما طرحها أرضا  للأسف كل ماهو مادى عقيم.

لا أستطيع أن ألومهم ، بل ألتمس لهم رغما عنى العذر وأشفق عليهم وأرثى لحالهم ، أقارن رغما عنى بين الحب الذى عرفناه وعشناه ، وبين أوهام الحب التي يضطرون لمعايشتها.

دقة قلب يخفق بقوة ، روح تهيم في الآخر ، تعشق كل ما فيه ، لاترى سواه ولا يبهرها سوى كلماته ، لا تسمع سوى صوته ، كل ما فيه تراه جميلا بعيون متيمة وروح ذابت في المحبوب ، توقفت كل حواسها فلم تعد تشعر إلا به ، بعدما أصبح هو كل دنياها ، تدور حوله الحياة في محورها ومركز فلكها ومحط ترحالها.

رومانسية ساذجة أقرب للبلاهة ، هكذا يراها البعض ، لكن لا يدرك قيمتها إلا من عاش سحرها وبهاء جمالها ورقة مشاعرها.

هكذا عرفنا الحب ، آمننا به ، احتضننا مشاعره ، حاولنا أن نحميها من عصف الزمان وغدره.. نجح بعضنا وفشل آخرون لكنهم لم يكفروا يوما به ، ظلوا على إيمانهم رغم وجع القلوب ، حلموا من جديد بآخر تكتب على يديه نهاية أكثر سعادة ، يمضى العمر ليتحقق الأمل أو يتوارى طى الكتمان ، نستسلم رغما عنا للقدر لكننا نلتمس العزاء في قلوب صديقة نحتضنها ، نشارك أصحابها لحظات الفرح ، ندعمها قدر ما نستطيع ، نبعد عنها كل ما يمكن أن يعكر صفو مشاعرها ، نذكرها في لحظات الخلاف بأجمل أيام عمر ولى يستحق أن نتحمل من أجلها مصاعب حياة مهما بدت سخيفة في تفاصيلها.

حب صادق بلا ورود ولا دباديب ، أشفق على قلوب شباب اليوم لأنهم لم يعرفوه ، أو بالأدق قليل منهم عرفه كما عرفناه نحن جيل الآباء والأجداد.

إشفاقى عليهم لم يمنعنى من مشاركتهم تلك الطقوس التي اعتادوا عليها ، لم يتم الأمر بسهولة وسرعة بل استغرق سنوات لم أكن أتوقف كثيرا فيها عند عيد الحب المصرى منه والعالمى ، مع الوقت بدأت أنجذب لطقوس الاحتفالية المبهجة .. ورود وقلوب وبلالين حمراء تزين واجهات المحلات ، شباب يحملون الهدايا بفرحة ، ثياب مبهجة ، ضحكات تملأ الكون .. لا أتوقف على حقيقة مشاعر أصحابها ، أو بالأدق أرغم نفسى على عدم التوقف خشية أن أكتشف زيفها أو المبالغة فيها لتسرق منها تلقائية وعفوية وبساطة هي أكثر ما يجمل ويربط القلوب التي تعرف الحب بصدق وحق.

ضربت بكل شكوكى تلك عرض الحائط ، جلت بعينى أبحث عن محبى هذا الزمان ، تمنيت مشاركتهم ولو لحظات في تلك المشاعر حتى وإن كانت متوهمة .. بحثت عنهم علهم يحملون قدرا من عبق زمان ولى كان أكثر رقة وصدقا.

رجعت خاوية الوفاض ، بدت المحلات خاوية بلا ورود ولا بالونات مبهجة ، اختفت تلك المغلفة ببلاستيك شفاف اعتدت شراءها لأولادي وأحفادى .. أيادى الشباب والشابات خالية ، اختفى العيد وأصحابه بعدما أصبحت جيوب العشاق أيضا خالية الوفاض.

لم يكن هناك سوى بعض من البالونات الكبيرة ، وإن بدا شكلها منفرا تحتضن دباديب صغيرة ليست أقل بؤسا ، يعرضها صاحبها على المارة تتابعها العيون بلا شغف ، وتتحسس الأيادى الجيوب لتحسم ترددا لم يستغرق سوى ثوان بعدما توقن أن هناك ماهو أهم وأكثر جدوى من هدايا عيد الحب.

اختفت الفرحة من العيون .. "معدناش بنحتفل بالحب ، بنفركش قبل ماييجي ميعاده ، مفيش علاقات حب بتكمل ، زماننا صعب".

لم يعد للحب عيد ، لكن سيظل يمنح القلوب العاشقة أعيادا ، ستظل مشاعره خافقة قوية ، تبث الثقة في أن طريق الألف ميل تخطوه القلوب المتحابة بغمضة عين ، هو ما يهوِّن تعبها ، يخفف أعباءها ، يجمل كل ما هو قبيح ، ييسر ما يبدو صعبا ، يذلل مايراه الآخرون مستحيلا ، يجعل الدنيا أكثر بهجة وفرحا وإشراقا.

اختفت الهدايا لكن أبدا لا يختفي الحب ، تضيق علينا الدنيا فتتسع لنا قلوب أحبتنا ، تحتوينا تفيض علينا من مشاعرها ، فتهون كل أحزاننا.

مؤكد أن رسالة الحب في تلك الأيام الصعبة التي نعيشها أكثر صدقا ، يقينى أنها ستمس قلوب شباب اليوم ، سيدركون قيمة المشاعر الحقيقية الصادقة ، غير قابلة للتزييف بفعل ماديات زائلة لا قيمة لها.. ربما لا يكون للحب عندهم عيد ، لكن من المؤكد أن  الحب الحقيقى سيحوِّل أيامهم كلها أعيادا.

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه