19 - 04 - 2024

الشيخ عيد عيَّاد .. وعمالقةُ التلاوة !

الشيخ عيد عيَّاد ..  وعمالقةُ التلاوة !

بإيعازٍ من أحدِ الظُرفاء، كتبتُ مقالي السابق عن الشيخ عيد عياد، ظانا أنني أُحسنُ صنعا، ولكنْ ما ذكرتُه من طرائف لم ترُق للرجل؛ حفاظا - من وجهة نظره - علي هيبةِ القرآن، وحاشا وكلا أن نُعرض بغمزٍ أو لمزٍ لرجلٍ من أهل القرآن وخاصته، حافظٍ لكتاب الله، يُرتلُ آياته آناء الليل وأطراف النهار، ولكنها العادة، التي يدعمها الفولكلور الشعبي، والذي تكشفُ مُراجعتُه أن شيوخ الكتاب (أولاد نكتة) يتسمون بخفةِ الظل، وروحِ المرح .

ومنظرُ الشيخِ (علي) شيخِ الكتاب الكفيف، وعَريفُه (ابن بَمْبَة) في رائعة عميد الأدب العربي طه حسين خيرُ شاهد ودليل .

عموما سأنزل علي رغبة الشيخ عيد، وأكتبُ مقالا آخر عن كفاح الرجل، ورحلته مع القرآن، وليُسائل هو وقارئي العزيز مولانا الشيخ عبد العظيم أبو صالح - صاحب صالون الفكاهة والمرح في أيام كسا فيها الهمُّ الوجوه، وران علي القلوب - عن معلومات المقال السابق .

تفتحتْ عينا عيد عيَّاد علي (فَلكة) أبيه في الكُتَّاب، ورأي كيف تنحشر فيها قدما المُعاقَب من التلاميذ ممن اعتادوا (التزويغ)، أو أهملوا كِتابة الوِرد في اللوح، وحِفظ الماضي والحاضر، وتهوي عليهما العصا الخيزران (فتشلِبان) بالدم .

عرف عيد أن أباه الشيخ ( أحمد أبوعزتلي) رجلٌ لايعرف الهزار، وأنه إن وقع تحت يديه لخطأ أخطأه، أو تقصيرٍ في عمل واجب، فلن يرحمَه راحم، ولن يفر من بين يديه، ولو بالطبل البلدي !

فتحلي بالأدب، وتربي علي السمع والطاعة، واستحضر أمام عينيه شعار : (لا تُؤخر عمل اليوم إلي الغد) وإلا فستكون وقعته سودة .

أهَّلته مُعايشةُ القرآن في كتَّاب أبيه ليكون حافظا مُتقِنا، عارفا بالمُحكَم والمتشابه، الذي يشيب له الولدان، ويصعب علي الحفظة إحكامُه،  مُلمَّا بأحكام التجويد ومخارج الحروف، فانبري يُحيي حفلات المآتم بصوت غض أشبه بمزمار داود .

جالس الشيخُ عيد عيَّاد عمالقة التلاوة في مآتم أعيان القرية وخارجها .

فجلس علي دكة التلاوة أمام العملاق الشيخ محمود علي البنا رحمه الله، الذي أُعجب به وشجَّعه، وقرأ في حضرة فخر القليوبية الشيخ أحمد صالح، ونافس الشيخ السيد متولي، والشيخ محمدي بحيري .

امتاز الشيخُ - حفظه الله - بدماثةِ خلق، وورع، فلم تكن أبدا (الفلوسُ) أكبرَ همِّه، ولم يبالغ كما بالغ آخرون من القراء في عائد المآتم، والحفلات القرآنية .

عُرف الرجل بالديمقراطية، واحترام الرأي الآخر، ولو كان من أولاده وأحفاده .

حدثني ابنُ أخيه عبد السميع أبو محمد - وهو ترزي ( إيده تتلف في حرير ) - أن عمه غضب يوما من موقف عائلي، وعزم علي اتخاذ قرارٍ خالفه فيه الكلُّ، فناقشه عبدالسميع بصوت العقل، ولغة المنطق، فتراجع الشيخُ عن رأيه إذعانا لرأي الجماعة، مُستحضِرا قول حافظ إبراهيم في مَدح الفاروق عمر :

رأيُ الجمــاعة لاتشقي البــلادُ بـه /

رغم الخلاف ورأي الفــرد يشقيها !

عمل الشيخُ عيد عيَّاد قارئا لسورة الجمعة بقرارٍ من وزير الأوقاف، فكانت تتسابق إلي مسجده للجلوس بين يديه جموعُ المصلين، فيبهرهم جمال الصوت وخشوع التلاوة، وخروج القرآن من فمه مُفسَرا .

الشيخ عيد عيّاد .. أدبٌ جم، ودماثة خلق، وذوق عالٍ، وهو ما أجبرني علي تقبيل رأسه ويديه بعدما تَحفظَ علي المقال السابق، وعلي التو شرعتُ في كتابة ما يُرضيه مُؤكدا أنني ما قصدت أبدا الإساءة لرجل أُحبه ويُحبه كلُّ من عرفه .. حفظَ الله الشيخ، وبارك في عمره وذريته .
------------------------------
بقلم: صبري الموجي

مقالات اخرى للكاتب

زمن (التيك توك) .. وكفران القراءة !





اعلان