29 - 03 - 2024

واقعية"خرتيت يونسكو"

واقعية

(أرشيف المشهد)

23-11-2011 | 16:20

  لا يشعر الخرتيت بما حوله، الحيوان ضعيف البصر ذو القرن الواحد والجلد السميك تختلط عليه الأمور دائمًا، الأحمق تنتابه حالات هياج من حين لآخر، وكان الكاتب الروماني الأصل الفرنسي اللغة "يوجين يونسكو" مبدعًا عندما كتب مسرحيته "الخرتيت " عن مجتمع من  فاقدي الحس والذوق والعقل والشعور، تتحول فيه خِلَقُ البشر إلى ملامح خرتيتية، و المسرحية اشتهرت منذ كتابتها في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وجرى ترجمتها إلى العربية لاحقا.

   وجاء مبدع آخر، و هذه المرة ليس من أوروبا، لكن من أمريكا اللاتينية في عقد السبعينيات بديكتاتوريته العسكرية البغيضة ليعالج "الخراتيت" - لا أتذكر اسم الكاتب المخرج المسرحي المبدع أو بلده بالتحديد - لكن ما أذكره جيداً أن الرجل أكسب مسرحية "يونسكو" طعما لاتينيًا خاصا، وأضاف إليها معانٍ لم تكن واردة عند قراءة النص الأصلي الذي يشخص حال الأوربيين الخارجين من وطأة فاشيات الثلاثينيات والأربيعنيات.

  في المسرحية اللاتينية مجلس من الجنرالات يخطف السلطة بعد ثورة شعبية أطاحت بطاغية، و يعد الجنرالات الشعب بالديمقراطية والكرامة والعدالة وبانتخابات نزيهة.. لكنهم يحكمون بذات الأساليب المستبدة الفاسدة، ولم يسمح "خراتيت" الإعلام والصحافة بطرح التساؤلات المشروعة عن دور الجنرالات وماضيهم في عهد الطاغية المخلوع و عن ثراوتهم وعمولات شراء وتجارة السلاح، ولم يسمحوا بإتاحة المعلومات عن دور الخرتيت الأكبر خادم سيده الطاغية في بيع ونهب القطاع العام وترأس لجنة الخصخصة، بل وصل التضليل حدَّ الكذب بأنه كان ضد بيع المصانع والشركات، والحقيقة أن البلد تسوده صحافة وتليفزيون وإذاعة وأحزاب يقودها "خراتيت".

أما ثقافة "الخرتتة" فتكفلت بإطلاق سحب دخان كثيف للتغطية على استمرار قيم الولاء والطاعة والنفاق لكل السفاحين واللصوص، وعندما كان يظهر صوت نشاز بين جوقة "الخراتيت" - العميان - كانوا يسارعون بشرائه أو إسكاته بالقوة والكذب و الاتهامات الملفقة التافهة، حتى أن الثوار أصبحوا "ثورة مضادة" يعرقلون المسيرة ويهددون الاستقرار، أما قتلة ولصوص النظام المستبد الفاسد فقفزوا إلى مواقع الصدارة في كل مجال مرتدين مسوح الثوار.

الذروة جاءت عندما إنتفض الثوار من جديد بعد مذبحة تلو مذبحة ،فظهر بزيه العسكري . يلوك كلاما فارغا كأنه تحت تأثير مخدر قوي . يعد بإنتخابات يعلم الجميع أنها فاسدة مزورة وغير ممكنة. ويطلب مهلة أخرى ليستمر الجنرالات قابضين على مصائر السلطة والثروة وعلى إغلاق ملفات الفساد الكبرى. وبلغة تتجاهل القتلى والجرحى و الآلام والمظالم ، قال متناوما:" نعمل إستفتاء على بقائنا في الحكم " . شئ واحد كان يلمع في المشهد وهو يتحدث مثيرا موجات من التثاؤب . فقط فوق وجهه أطل بروز من الخلفية بلون الذهب عليه كلمة واحدة هي :" الأعلى ".  

 

مقالات اخرى للكاتب

أزمة نقابة الصحفيين و





اعلان