25 - 04 - 2024

وسقط القناع عن وجه طالبان 2022

وسقط القناع عن وجه طالبان 2022

بالأمس كنت برفقة ابنتي بكلية الفنون التطبيقية، وقد لفت انتباهى منظر طالبات الكلية وهن يحملن الأدوات الفنية والهندسية غير عابئات بثقلها على ظهورهن لدرجة جعلتني أشفق عليهن من حملها. كان فناء الكلية أشبه بخلية نحل.. بعض الطالبات افترشن الأرض، وبجوارهن لوحة جدارية يردن تثبيتها على أحد الجدران، والبعض الآخر تأهبن للخروج من باب الكلية للتوجه لأحد المتاحف المصرية، ومجموعة ثالثة تقف عند المكتبة لشراء بعض المستلزمات الفنية والهندسية، هذا على سبيل المثال لا الحصر. فالجميع مشغولون بمشاريعهم لتسليمها، فقد قارب التيرم على نهايته، لتبدأ أجازة نصف العام. ولم يغيب عن المشهد زملاؤهن الطلبة، فهم ايضا مشغولون مثلهن تماما، بل يشاركوهن في إتمام بعض المشاريع الجماعية، وعلى الرغم من جمال المشهد للطلاب والطالبات بالكلية، وما يزينه من بهجة وروح تدعو إلى انبعاث الأمل والتفاؤل ونظرة حالمة ترنو إلى المستقبل بعد تخرجهم من الجامعة،  إلا أننى شعرت بغصة فى حلقي وانتابنى شعور بحسرة وألم، حين عقدت مقارنة بين الطالبات فى وطني، ليس فى كلية الفنون التطبيقية فحسب بل في كل الجامعات المصرية، وبين الطالبات في أفغانستان، بعد أن غلقت فى وجوههن أبواب الجامعات والمدارس منذ عودة حركة طالبان لتولى مقاليد الحكم من جديد، قبل عام وما يقرب من أربعة أشهر، ولم أنس دموعهن المنهمرة ورجال طالبان يسحبونهن بالقوة للخروج من أبواب المدارس، وتفريقهن بخراطيم المياه عندما حاولن التظاهر اعتراضا على غلق المدارس والجامعات فى وجوههن، وكل ذلك يتم باسم الدين، ولم يشف غليلي من تلك المشاهد غير شجاعة الفتيات الأفغانيات اللاتى رفضن الاستسلام، بل فضحن الممارسات القمعية لطالبان، فها هى الأستاذة الجامعية والتاشطة الافغانية حميراء قادري تصرح لبى بى سى:" أفغانستان ليست وطنا للنساء بل قفصا لهن.. لم تعد هناك حياه اجتماعية للنساء الأفغانيات، الشوارع الآن يسيطر عليها الرجال". وهناك "نويدا خرساني" المختصة فى الشريعة الاسلامية ذكرت أن مرسوم حرمان الفتيات من التعليم يناقض القيم الإسلامية، وليس لهذا القرار مكان في الإسلام، لأن الدين الاسلامى يأمر الرجال والنساء على حد سواء بطلب العلم"، وها هى طالبة قد رفعت لافتة كتب عليها "اقرأ" وتشير فيها إلى أن الدين الاسلامى يدعو إلي العلم للرجال والنساء على السواء، ولم يختص الرجال فقط، فما كان من أحد رجال طالبان إلا أن دفعها، وأخذ اللافتة منها ليمزقها، ثم تصبح الصورة عندي أكثر قتامة ووضوحا حين علمت أن طالبان عادت لتتمادى  في طغيانها ضد النساء، فقيدت حركة النساء الافغانيات فى الشوارع والمتنزهات وجعلتهن حبيسات فى المنازل، وكانت آخر قراراتها منع إصدار أى رخص جديدة لقيادة السيارات. ليس ذلك فجسب، بل عادت سيرتها الأولى واعترفت جهرا أنها ضد تعليم المرأة، فكما يرى الملا "هبة الله آخوند زادة" أن التعليم الحديث، خاصة للنساء والفتيات، مناف للتعاليم الاسلامية. كما ورد فى تصريحات القائم بأعمال وزير التعليم فى حكومة طالبان "ندا محمد نديم" فى صحيفة "8 صبح" أن مدارس البنات جزء من الثقافة الأجنبية التى جلبها إلى أفغانستان الأمير "أمان الله خان" و "الملك ظاهر شاه"، وأن علماء الدين فى أفغانستان آنذاك عارضوا التعليم النسائى ومنهم من اعتقل فى سبيل الدفاع عن موقفه الرافض لخروج النساء إلى المدارس والجامعات، وبالتالى فهم على العهد مع أساتذتهم الشيوخ القدامى الذين وقفوا مع حرمان الفتيات الأفغانيات من التعليم.

أخيرا سقط القناع عن وجه طالبان 2022 لتفصح عن وجهها القديم، حين يتضح لنا أنها نسخة طبق الأصل من طالبان 2001 وأنها لم تتغير بشأن النساء، وأن المبررات التى وضعتها طالبان لغلق الجامعات والمدارس فى عودتها للحكم كانت مبررات واهية، فإن كانت تخشى الاختلاط بين الجنسين،كان هناك أكثر من وسيلة للحيلولة دون منع الاختلاط، دون أن تجور على حق الفتيات فى التعليم، مثلا: بأن تجعل الدراسة ثلاثة أيام فى الأسبوع للطلاب الذكور، وثلاثة للفتيات. وإن كانت قد وضعت حجتها بعدم وجود ميزانية للتعليم، فماذا يضير لو قسمت ميزانية التعليم بين الطلاب من الجنسين.

وعلى ما يبدو  فإن حكومة طالبان فتحت المدارس والجامعات فى بداية توليها مقاليد الحكم من جديد، للتمويه فقط ولتكتسب تعاطف العالم الاسلامى آنذاك فى أنها جاءت برؤية جديدة أكثر تحضرا بشأن النساء، ففى البداية قامت بفتح المدارس والجامعات وسمحت لبعض الطالبات بتأدية الامتحانات، ثم أعقبها إغلاق بعض الكليات فى وجه الفتيات، ككلية الهندسة والطب البيطرى والزراعة والطب والإعلام، وأعلنت طالبان عدم مناسبة تلك الكليات للبنات، ثم فاجأتنا بعدها بأنها لم تكتف بغلق تلك الكليات السابفة فقط، بل قامت بإغلاق كل الجامعات والمدارس تماما.

والغريب أن هناك من بين حملة الأقلام الإسلامية الذين يحلمون بتطبيق الشريعة الاسلامية، من صدقوا مبررات حركة طالبان الواهية وزعموا أنها جاءت برؤية جديدة، فما أن صعدت طالبان للحكم من جديد حتى تبارت أقلام بعض الإسلاميين في الدفاع عنها، مطالبين بمنحها الفرصة لإثبات حسن نيتها في عدم التنكيل بالنساء والنيل من حقوقهن فى التعليم والعمل، و برر لها أصحاب تلك الأقلام أنها فعلت ذلك حتى تجد وسيلة لمنع الاختلاط بين الجنسين ولتطبيق الشريعة الإسلامية، والآن ما هو رد أصحاب تلك الاقلام؟ أما آن الأوان ليغير مثل هؤلاء نظرتهم للحركة ويعترفوا بأنها حركة متشددة جامدة، لاتدرك معنى صحيح الإسلام الذي لم يحرم المرأة من التعليم والعمل؟ ألم يدرك ذوو تلك الأقلام أنها حركة استمدت فكرها من الجهادية السلفية، أكثر الحركات الاسلامية تشددا وعنفا والتي اتخذت الدين ستارا لاحكام سيطرتها على العباد، كما استندت إلى فكر أبي الأعلى المودودى صاحب فكرة "الحاكمية لله"، وهى الفكرة التى تحمل فى ظاهرها شريعة الله بينما في باطنها العنف والإرهاب.

لقد نددت كافة المنظمات العالمية والدولية بما فعلته طالبان، كما ندد الأزهر بذلك، واندلعت المظاهرات  فى أفغانستان نفسها والتى قام فيها الطلاب الأفغان بمساندة الفتيات الأفغانيات اعتراضا على حرمانهن من أبسط حقوقهن فى التعليم، كما رفض طلاب أفغان آخرون أداء الامتحانات في معهد "بامير الأفغاني"، كما قدم بعض الطلاب فى نفس المعهد أوراق امتحاناتهم بدون إجابات. وعلى الرغم من كل تلك الاعتراضات بكافة الوسائل إلا أن قيادات الحركة يصرون على موقفهم الرافض لتعليم الفتيات وحقهن فى المشاركة بكافة مناحى الحياة، بل ردوا بفض مظاهرات الفتيات بخراطيم المياه وأغصان الأشجار. وحسبى الله ونعم الوكيل.
-----------------------------
بقلم: هدى مكاوي


مقالات اخرى للكاتب

فيلم





اعلان