27 - 04 - 2024

مأساة بحجم الشعر .. سلمى شمس الدين تخلق من الألم قوة

مأساة بحجم الشعر .. سلمى شمس الدين تخلق من الألم قوة

سجنتها عائلتها 20 عاما منها 9 أعوام في قبو فأصبحت أشهر شاعرة في الهند الجنوبية 
- لم أجد أية سعادة في حكايتها، ولم ألمحها في صوتها، بل وجدت شجاعة قلما نجدها في أعتى الرجال

في مهرجان الشعر العالمي الذي يقام في طنطا سنويًا بإدارة الشاعر والاعلامي محمود شرف، التقيت هذا العام، في الدورة الثامنة للمهرجان، بشعراء من مختلف انحاء العالم، حيث شارك فيه شعراء من سبعة عشر دولة عربية وأجنبية. كان مهرجانًا جميلاً، لبست هذه المدينة أثواب الفرح إحتفاء بالشعروالشعراء، وشرع شعراء المدينة، من الصغار الناشئين والكبار المتأسسين في العمل من أجل إحياء هذاالعيد الأدبي الذي تفخر به المدينة، كما رأيتها. كانوا جميعًا أهلاً لأدوارهم في الاستقبال والضيافة والتنظيم.

وكما هو في أي لقاء، تجد هناك من يتميز في حضوره، ليس لأنه هو الأفضل أو الأجمل أو الأهم، ولكن هناك من يترك أثراً في ذاتك يصعب عليك تجاوزه عندما يتلمس الحديث ملامح اللقاء. 

في هذا المهرجان كان لي الحظ أن ألتقي بشاعرة متميزة، وكان لقصتها الأثر الأكبر في نفسي، إنها الشاعرة سلمى شمس الدين، التي جاءت من الهند، من مدينة جيناي (مدراس سابقًا)، وهي في الأصل من إحدى قرى هذه المقاطعة الكبيرة، ومن شعوب التاميل المسلمة. بعد التعرف عليها، فاجأتني بقصتها، أو بالأحرى، مسيرتها مع الشعر، وكانت المفاجأة تكمن في أن هذه الشاعرة لم يسمح لها أن تكمل دراستها، بل سجنت في البيت، كما يفعل التاميل مع البنات عندما يصلون سن البلوغ، أي عندما يبلغون سن الطمث. حرمت من التعليم وهي في سن الثانية أو الثالثة عشر، وحبست في غرفة صغيرة في بيت عائلتها حتى يأتي يوم زواجها، الذي كان متفقًا عليه مع إحدى العوائل المسلمة في تلك القرية. غير أنها لم تستسلم لقدرها لشدة تعلقها وحبها للقراءة والكتابة. وهنا أود أن أروي ما عرفته منها وعنها.

اذا لم يحدث اليوم

فسيحدث غدا

وان لم يحدث غدا

سيحدث في يوم آخر

هكذا تبدو الحياة دائمًا

منذ فجر الذكريات.

بعد أن بلغت سن الطمث، سجنتها عائلتها، نحو عشرين عامًا، ومع ذلك استطاعت ان تنتصر على هذه القرية ، لتصبح اشهر شاعرة في ولايات الهند الجنوبية. كان سجنها لتسعة أعوام عبارة عن غرفة في قبو، وكل ما كانت تراه من العالم الخارجي، لا يتجاوز فتحة الشباك الصغيرة، ولانها في قبو، فلم تتح فتحة الشباك الا مربعًا صغيراً من بلاط الشارع.. هذا ما كان يسمح لها برؤيته من خارج البيت. أما السبب في ذلك، فهو لأنها اصبحت امرأة، وبنظر المجتمع لم تعد طفلة، وكل ما عليها الآن هو انتظار الزوج لكي يأخذها من دارها وتصبح زوجة له وأما لأولاده. فما هي قصة هذه الشاعرة؟

تروي الشاعرة أول ذكرياتها عن العائلة، فتقول أن ما أتذكره هو أب يصرخ وأم مرتعبة، ولم يكونا قريبين من بعضهما، فالأم كانت تخافه طوال الوقت. أما حياتها هي فتبدأ عندما تركتها أمها عند جدتها بعد ولادتها، ولم ترها لمدة خمسة أعوام، والسبب يعود لرغبةالأب بالولد، وكان قد أخبرها، إن ولدت لي بنتًا، جعلتك عاقراً. كانت الأم يومها هي الأخرى صغيرة السن، ولم تتجاوز السابعة عشر من عمرها، وظنت أن ابنتها ستعيش بأمان بين أهلها أكثر منه عند زوجها. 

بعد أن قاربت الفتاة سن المدرسة، رجعت إلى والديها، وكانت ترى كيف يعامل والدها أمها، فكانت تقول لها، “لو كنت في مكانك لطلقته!” ولم يكن ذلك حال أمها فقط، وإنما حال خالاتها وجميع النساء في ذلك المجتمع المحافظ. وحتى إن شاءت المرأة الهروب، فليس لها أي مكان تلجأ إليه.

كان للقرية مجموعة قوانين وقواعد تتعلق بالمرأة، وهي التي خلقت منها من كانت عليه آنذاك، كما هو حال جميع النساء في تلك القرية. منها، أن العالم خارج بيت البنت يصبح ممنوعًا عليها عندما تعلن الطبيعة حلول موعد طمثها، أي عندما تبلغ البنت سن الثانية أو الثالثةعشر من عمرها، يومها لا يسمح لها بمغادرة البيت مهما كانت الظروف، وما عليها إلا أن تقبع فيه حتى يحين موعد زواجها. فعند بلوغ البنت سن المراهقة، يحرم عليها العالم الخارجي. ولذا تجد الفتاة الصغيرة زميلاتها في المدرسة يختفين تمامًا، الواحدة تلو الأخرى وحتى يحين موعد حبسها هي! وهذا هو حال مسلمات التاميل في الهند.

بعد ولادتها، بعثت أمها بها إلى دار جديها، وهناك أعطيت مسؤوليتها إلى خالتها التي كانت تبلغ من العمر سبع سنوات فقط.

وعندما بلغت هذه الخالة سن المراهقة، حاولت أن تتحدى مصيرها المحتوم، فأخفت عن أهلها بلوغها، فما كان منهم إلا جلب الأدوية والعقاقير الشعبية لكي يعجلوا في وصول دورتها الشهرية، واستمر الحال لعام أو عامين، حتى سئمت الفتاة من الأدوية، فصرحت بالأمر وهي في سن الرابعة عشر. فحدث الذي كانت تخشاه، واقفلت أبواب البيت عليها ومنعت من رؤية خارج البيت تمامًا، حتى حان موعد زواجها في سن الخامسة عشر.

تتذكر سلمى كيف كانت قلقة بشأن خالتها ، ومرعوبة لما ستلقاه هي بعد بضعة سنين .. فالحبس في غرفة في البيت وعدم مغادرته يعني قطع الوصل مع العالم، وتقول عن حالها بعد أن أغلقت عليها الدار، "لم يعد لي بعد الآن أي حلم، أي رغبة في تلك الحياة التي قررها الأخرون". فبدات بكتابة القصائد: أعيش الأعوام والسنين ولكني ودعت الحياة. ذلك كان الجنون بعينه، فلديك كل الوقت ولكنك لا تعيشه، والحياة التي كان يمكن أن تعيشها قد تخسرها إلى الأبد. وهي تجلس بجانب نافذة الغرفة التي سجنت فيها، تقول: هذه النافذة صنعت لكي تعزل البنات عن العالم ، فلم صنعت؟ وما هي فائدتها؟ فهي لا تتيح لك رؤية أي شئ. والنافذة من الصغر بحيث لم يكن ممكنًا لأكثر من بنت واحدة أن تجلس عندها ، فكانت الأخوات المسجونات في تلك الغرفة  يتنازعن فرصة الجلوس عند تلك النافذة. ولم يكن الحال مغايراً لسلمى وأختها نجمة اللتان حبستا معاً في ذلك القبو، منتظرتين مصيرهما المقرر من قبل العائلة. وتزوجت نجمة بعد ثلاثة أشهر من أول طمث لها من أحد أقارب العائلة الذين كان في أنتظار بلوغها، وولدت أول أولادها وهي في الخامسة عشر من عمرها.

- لا أدري لماذا كنت أحب المطالعة ولم يكن هناك في القرية أحد مولع بالكتب، ولم يكن هناك إلا عدد  قليل جداً يقرأ الصحف، ولم أر في حياتي امرأة في قريتنا تقرأ. ومع ذلك كنت أعشق القراءة. أذكر أن البضائع آنذاك كانت تلف بالصحف، والخضار كذلك كان يأتي إلى البيت ملفوفاً بصفحة من صحيفة ، وهكذا كانت الأحداث والأخبار تصلني يوميًا، ورغم أن والدتي كانت تحرص على رمي هذه الاوراق، كنت أنتشلها من سلة المهملات. كنت متعطشة للقراءة. ومن خلال معاناتي، اتضح لي ذلك الكم من القهر الذي تعانيه البنت المسلمة في قريتنا ، فكنت أذهب إلى أمي باكية، أسألها السبب، فتخبرني أن ذلك مقدراً لنا، مكتوبًا على جبيننا، وهو من عند الله. كنت غاضبة لعدم العدالة هذه، ولم يكن لي صديقة أو أحد أشكو له، وكان يسكنني 

السؤال: أهذه هي الحياة؟ أن أعيش بين هذه الجدران حتى يحين موعد زواجي لكي أعيش بين جدران أخرى، وأن ألد أولاداً وأموت، كما حدث لأمي وأختي؟ فما كان لي سوى رفض الزواج، وهذا ما جعل فترة حبسي تدوم تسعة سنوات في ذلك القبو، مع تلك النافذة الصغيرة، قبل أن أوافق على الزواج. ولم تكن موافقتي بدافع الاستسلام أو اليأس، ولكنها جاءت على أثر خدعة قامت بها أمي. فقد صحونا في إحدى الليالي على صراخها، ووجدناها تشكو ألماً غير معهوداً، وبعد أن  جاء الطبيب وتم فحصها، أخبرنا أنها تعاني من ضغط نفسي شديد سبب لها هذا الألم، ويمكن له أن يستفحل وينهي حياتها.

وبعد أن سألناه ما سبب هذا الضغط، قال أنها أخبرته أن سبب ذلك يعود لعدم زواج سلمى. لم يمض سوى ثلاثة أيام فقط على هذه الحادثة حتى تزوجت سلمى، لأنها لم تشأ أن تكون سبباً في ألم أمها أو احتمال فقدانها للحياة. بعد ذلك أتضح لها أن الضغط والألم الذي كانت تعاني منه أمها لم يكن حقيقة، وإنما خدعة اتفقت امها مع الطبيب عليها. ولذا قاطعت سلمى أمها لمدة عامين، ولم تحدثها لانها خدعتها وجعلتها تقبل بما هي رافضة له، ولولاها لما حدثت تلك الزيجة، التي كانت ترفض أن تقع في فخها.

***

نسمات المساء تداعب العروس

وهي على وشك المغادرة في يوم الزفاف

شقيقتها تدفن رأسها في قلائد الورد

تحدثها عن ممارسة الحب في حضن رحيق الزهور

تقرأ في أوراق كتب لم تقرأها، وتنصحها

أي الأيام أفضل لممارسة الحب.. ومتى تكونين جاهزة للحمل

وما هو حلال وما هو حرام في هذا الفعل

وكيف ستغتسلين بعد اتمامه

تمضي ليلة العرس

والعروسة تحاول نفض نصائح الشقيقة الكبرى عنها

لتتركها تلك الليلة باعتناء فائق 

على سرير الزوجية.

***

بعد خداعها بالزواج، انتقلت إلى بيت زوجها وعائلته، وأصبحت تحت سلطة جديدة ورقابة جديدة. ورغم أن زوجها كان من السياسيين الذين يعملون في بلدية المدينة، إلا أنه لم يرض لزوجته أن تقرأ أو تكتب، وكان عصبي المزاج، يغضب لأي شئ، وأحيانًا كان يضربها. كانت غالبًا ما تفكر بجمل جديدة، وقصائد تعيد كلماتها في سرها وهي مستلقية بجانب زوجها في السرير، ولكن ما أن يحل الصباح، حتى يصعب عليها تذكر تلك الكلمات، الامر الذي كان يغضبها كثيراً، فقررت كتابتها في السر، في دفتر تخبؤه تحت وسادتها، وتكتب فيه عندما تتأكد من أن زوجها قد خلد للنوم. غير أن تلك الدفاتر لم تنج من يد الزوج، الذي مزقها حال عثوره عليها، واخلى البيت من الورق. فأخذت في استخدام أوراق التقويم الشهري المنتهية، تسرقها وتذهب بها إلى المرحاض القذر لكي تقف هناك وتسجل أفكارها وقصائدها. في ذلك المرحاض كان هناك صندوق لمحارم النساء، خبأت فيه قلمًا، تستخدمه في الكتابة كلما دخلت المرحاض، أما الاوراق، فقد كانت تخبؤها تحت ثوبها وتأخذها إلى طاولة زينتها وتدفنها بين محتوياتها. ولكن ذلك المكان أيضًا لم يكن أمنًا من يد الزوج، وسرعان ما اكتشفت اختفاء أوراق قصائدها من الطاولة. 

أفعال زوجها لم تثنها عن إيجاد مخبأ جديد تحسب، بل زادت من عزيمتها في نشر ما تكتبه. ولم يمض وقت طويل حتى اهتدت إلى دولاب ملابسها، فاخذت تخفي الاوراق بين طيات الساري النسائي، واتفقت مع أمها، عندما كانت تأتي لتأخذ الساري إلى محل غسل وكوي الملابس، أن تجد هذه الاوراق بين طيات الساري وتضعها في مظروف تعطيه إلى والدها لكي يرسله إلى أي ناشر في المدينة. 

فعلت الأم ما أوصته به ابنتها، وفعل الأب أيضًا، وذلك لأنهما كانا يرغبان في إرضاء ابنتهما العنيدة. وأعجب ناشر بما وصل إليه، وقرر إصدار كتاب لها، غير أن ذلك يتطلب التعاقد ومعرفة الكاتب. وقد تم ذلك بنفس الطريقة، حيث تستلم عائلتها رسائل الناشر، ثم تأتي بها والدتها مخبأة بين طيات الساري لكي تقرأها وترد عليها. وعندما صدر الكتاب، افتعلت الأم عرسًا لأحد الأقارب، كان لزامًا عليها وعلى سلمى أن يحضرا العرس. وهكذا استطاعت أن تحضر حفل إصدار كتابها الأول. 

عندما وصلت قصائدها للناشر، كان قد مضى على حبسها في بيت أبيها وفي بيت زوجها وعائلته أكثر من عشرين عامًا.ويقول الناشر أنه استلم مجموعة من الأوراق من إبن عم سلمى، واستمع إلى قصة هذه الفتاة التي أخرجها أهلها من المدرسة وهي في سن الثالثة عشر، ثم عاشت حبيسة طيلة هذه الأعوام. كانت القصائد رائعة جداً رغم أنها لم تخل من الأخطاء الإملائية، وما الذي يمكن توقعه من فتاة لم تحصل إلا على تعليم ابتدائي، ولكنها استطاعت أن تعبر وبلغة بليغة عن أحاسيس ومشاعر ندرت القراءة عنها. تواصل الناشر معها بالرسائل في بادئ الامر، وكانت تتصل به هاتفيًا كلما سنحت لها الفرصة عندما يخلو البيت من الرقابة. وعند لقائهما الأول، لاحظ الناشر أن سلمى لم تجد المشي في الشارع، ولم تأكل يومًا في حياتها في مطعم.

بعد نشر مجموعتها الأولى، شاعت قصائدها بين الأوساط الثقافية، غير أن لا أحد كان يعرف من هي سلمى، ولم يسمع بها من قبل، مما أثار فضول أحد الصحفيين العاملين في إحدى المجلات الثقافية لمعرفة هذه الكاتبة بعد أن أعجب هو الآخر بقصائدها. وبعد بحث طويل، استطاع أن يحصل على عنوانها، واقنع المجلة بضرورة عمل لقاء صحفي معها. فذهب إلى قريتها، ومن خلال الناشر، أوصل لها رغبته في إجراء مقابلة صحفية معها، ولكن كان عليه أن ينتظر طويلاً حتى تحين لها فرصة ترك البيت دون رقيب. وفي نهار أحد الأيام، خرجت من دارها وهي ترتدي الحجاب الاسلامي، البرقة، فاقترب منها وعرفها بنفسه ومهمته. وتم اللقاء سريعًا في الشارع، ثم أخبرها بضرورة أخذ صورة لها وإلا لن يكون للمقال قيمة، فرفعت سلمى حجابها على الفور والتقط الصحفي صورتين لها وهو في أشد حالات التعجب من جرأتها ووعيها بما تفعله.

***

بغضب تهمس شقيقتي في أذني

ما همست به أمي قبلها برفق

لا تلومي إلا نفسك 

إن وقع خطأ في فراش الزوجية

الكلمات الأولى التي أسمعها كل ليلة هي

لماذا لا ترغبين!

وغالبًا ما تكون الكلمات الأخيرة أيضًا

ملايين النجوم المشعة في السماء

توجه أصابعها نحوي، تتهمني بالبغاء

كلماتهم تطفوا على امواج الليل المضطربة

غير قادرة على إطعام الطفلة

نحيب قطة يشبه بكاء طفل يمسك باحشائي

أنت الأخرى، لك أن تكوني حزينة  

ولكن التاريخ والزمن لم يخطئا في تحديد موقعي

فلكي احصل على بعض من الحب منك

حتى لو كان كئيبًا

لكي أوفي بواجبي كأم لطفلك

لكي أجعلك تجلب لي المحارم النسائية ومانع الحمل

وبعض الحاجيات الأخرى

ولكي أبقي، متى ما استطعت 

على بعض من السلطة عليك

ينفتح فرجي.

***

حدثت تعديلات في لوائح الانتخابات البلدية، ومن ضمنها ضرورة تواجد مرشحات يتنافسن مع الرجال، وقد وجد زوج سلمى في ذلك فرصة له ولحزبه ، فسارع في إقناع نساء عائلته، من أخواته وزوجات إخوته، وحتى والدته العجوز، إلا أن جميعهن رفضن ولم يرغبن في الدخول إلى المعترك السياسي. فلم يبق لديه إلا زوجته، سلمى، التي وافقت على الفور، خاصة وأنها أصبحت من المشاهير. وبالفعل، فازت سلمى في الانتخابات البلدية بمنصب الرئيس. حينها رضخت عائلة زوجها لرغبتها في خروجها من الدار، والظهور لوحدها. 

***

تنفس

كل شئ يحدث بسرعة

وقبل أن أشعر به

أحاول أن أحس بالأشياء قبل فوات الأوان

كل شئ يحدث بإسمي

دون أن أكون حاضرة

الزهور والبشر والعالم

كل أكبر مني بكثير

هل عليّ البكاء في اخذ النفس

إن لم أكن حقيقة حاضرة؟ 

***

يمكن لنا أن نقرأ قصة سلمى ونتذكر قصص الخيال في ألف ليلة وليلة أو سندريلا أو سيدتي الجميلة وغيرها من القصص، إلا أن قصة سلمى هي قصة حقيقية، عاشتها بنت شجاعة بكل مآسيها، من عناد ويأس ومحاولة انتحار… ولسنين عديدة، تسعة منها وهي عذراء ترفض الزواج لأنها تملك حسًا بالعدالة ورغبة جامحة في تحقيق ذاتها، ليس من خلال الآخر المتمثل بالزوج أو الأولاد، وإنما ذاتها الخاص بها، ككيان مستقل، فهي خلقت أولاً كانسانة على الآخرين  احترام وجودها في هذا الكون. قصتها رغم النهاية السعيدة، كما يظن البعض، إلا أنها مليئة بالألم، الذي يصاحب مستقبلها المجهول وحياتها المستلبة، وللاسف لم أجد أية سعادة في حكايتها، ولم ألمح سعادة في صوتها، بل وجدت شجاعة قلما نجدها في أعتى الرجال، ولكن الألم كان حاضراً، يلمع في عينيها الواسعتين الجميلتين، ليذكر بتلك السنين التي سرقت من شبابها، من موهبتها، من شخصيتها وكرامتها. 

سلمى شمس الدين، الانسانة، المرأة، الشاعرة، المناضلة، كان لك حضور بحجم المهرجان، بحجم الشعر.  
--------------------------
بقلم الشاعر والمترجم: د. سليم العبدلي
من المشهد الأسبوعية








اعلان