- د. محمد قسم الله إبراهيم: التطورات الأخيرة حلقة جديدة من الصراع السياسي والاستقطاب المزمن
- هشام أبو ريدة: الاتفاق "الإطاري" يلقى مصير ما سبقه .. الشارع حي والشباب حراس لثورتهم
- د. هبة البشبيشي: الإعلان عن حكومة مدنية وإصلاح عسكري وأمني حلول بعيدة المدى
اتفاق جديد يضاف إلى جملة الاتفاقات التي شهدها السودان على مدى سنوات، وجاء الأخير يحمل عنوان "الاتفاق الإطاري"، بين نحو أربعين حزبا ونقابة مهنية، من بينها قوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي وفصائل مسلحة وأحزاب سياسية ذات توجهات مختلفة ، بينما وقع الاتفاق عن المكون العسكري قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو.
ورحبت الأمم المتحدة ودول عدة بالاتفاق، وقال ممثل الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس إن توقيع الاتفاق هو "نتاج جهود متواصلة قامت بها الأطراف السودانية على مدى العام الماضي لإيجاد حل للأزمة السياسية والعودة إلى النظام الدستوري".
فهل سيشهد السودان فصلا جديدا من فصول الانتقال السياسي في البلاد، أم أنه مجرد حلقة جديدة من حلقات التأزم السياسي والاقتصادي والمجتمعي؟
«المشهد» استطلعت آراء عدد من المختصين حول رؤيتهم للاتفاق وما يمكن توقعه في المرحلة المقبلة للواقع السوداني في هذا التحقيق..
في البداية أكد الدكتور محمد قسم الله محمد إبراهيم - كاتب صحفي وأكاديمي- أنه بكل يقين لن تكون التطورات الأخيرة في المشهد السوداني إلا حلقة جديدة من الصراع السياسي والاستقطاب المزمن الذي بات سمة ملازمة لكل الكيانات السياسية في السودان منذ بواكير العهد الوطني.
ويقول: الحديث عن حكومة مدنية مستقرة في الوضع الراهن أشبه (بالأماني السندسية)، ذلك أنّ المعطيات الماثلة الآن لا تحتوي على عناصر الاستقرار ابتداء، والتنافر عنوان للجميع (عسكر ومدنيين وما بينهما) حيث تحتشد الساحة بالعشرات من الأحزاب والجماعات العلنية والكامنة.
أوكازيون الاتفاقيات السودانية
وأضاف: ما من شعب أرهقته الاتفاقيات اللامتناهية وغير المُنتجة، مثلما أرهقت الشعب السوداني، منذ اتفاق عمارة دنقس وعبدالله جماع الذي استولد الدولة السنارية بكل تعقيداتها التاريخية وخلافاتها القبلية المعروفة، ثم الاتفاق الثنائي التركي المصري الذي احتل البلاد من أقصاها لأدناها بمباركة سودانية كاملة الدسم فتحت الحدود الشمالية للجيش الغازي وشارك جنود سودانيون في الحملة التي استباحت كل شيء، ثم الاتفاق الثنائي الانجليزي المصري الذي حكم السودان سنين طويلة بمشاركة كبار الشخصيات المعروفة للناس والمصنوعة تحت رعاية التاج البريطاني، وفي ذلك العهد تم تدجين العديد من القيادات الطائفية والسياسية المحلية التي توارثت هذا السودان فيما بعد ، كما يتوارثون مزارعهم على شواطئ النيل. ويتذكر الناس مؤتمر المائدة المستديرة ومؤتمرات الجمعية التشريعية التي قال عنها الأزهري ذات يوم لن ندخلها ولو جاءت مبرأة من كل عيب، حتى اتفاقية اديس أبابا التي اوقفت حرب الجنوب (زمن الأنيانياون وتو) ثم جاء قرنق ليعيد الحرب للمربع الأول، ثم اتفاقية الميرغني - قرنق، واتفاقيات حزب الامة العابرة للقارات واتفاقية مشاكوس، واتفاقية نيفاشا التي فصلت الجنوب، واتفاقية جوبا الأخيرة مع الحركات المسلحة وغيرها وغيرها .. الشاهد أنّنا لا نزال كسودانيين في مرحلة الجمعية التأسيسية، فبعد كل تغيير نعود للبحث عن دستور انتقالي تنتجه اتفاقيات مجتزأة وغير ناضجة.. سلسلة لا متناهية من الاتفاقيات التي عايشها السودان تاريخياً والحال هكذا لا نزال نبحث عن المزيد من الاتفاقيات ، والناتج كما نرى صفراً كبيراً والخلافات تعصف بالسودان من كل جانب.
مسرح العبث
ويرى قسم الله أنه من الغباء السياسي بمكان أن نحتفي بالاتفاقية الحالية التي نسميها إطارية، ويقول: إطارية لماذا وكيف ولمن؟؟ الاتفاقات الناجحة طابعها الإجماع الوطني وليست اتفاقات تُقصي الآخرين مهما كان الآخرون. فإقصاء أي أطراف من الحوار الوطني الشامل يجعل أي اتفاقية في مهب الريح.
لقد سئم الناس المسرح العبثي الذي يدور منذ ما قبل الاستقلال ولا يزال حتى اليوم مستمراً بذات السيناريو، وذات الشخوص وإن تغيرت المسميات، لقد عرف السودان أول حكومة ديموقراطية فجر الاستقلال في 1956م لكنها لم تمكث أكثر من عامين حتى أجهضها الفريق عبود في 1958م وتكرر ذات السيناريو بعد ثورة اكتوبر 1964 التي اسقطت الحكومة العسكرية برئاسة عبود ، وحين كان الناس بانتظار حكومة مدنية جاء الجنرال نميري في 1969م ليختطف الحكم من المدنيين واستمرت حكومته العسكرية طويلاً، وتكرر ذات السيناريو للمرة الثالثة بعد ثورة أبريل 1985 وتهيأ الناس لشعارات الديمقراطية التي لم تلبث حكومتها بين الشد والجذب أكثر من عامين، جاء بعدها الجنرال البشير في العام 1989م ليعيد السلطة لحكومات العسكر وتذهب الديموقراطيات تحت بند الأحلام المؤجلة في الذاكرة السياسية السودانية.. وهكذا تدور الساقية.
وعودٌ على بدء لا يمكننا التعويل على الهشاشة التي يعيشها واقعنا اليوم، والكيانات السياسية الحالية بكل ضعفها ليست مؤهلة إطلاقاً لصناعة واقع مغاير يُنتج مستقبلاً نأمل معه في الاستقرار على المدي المنظور فتجاربنا في الممارسة الديمقراطية الكسيحة المحتشدة بالخلافات سابقاً تشي بأننا سنبقى في محطات الانتظار لممارسة راشدة طويلاً والحال هكذا.
إنّ أخطر ما في الحالة السياسية السودانية الحالية التي تميزها تمييزاً سلبياً عن ثوراتنا التاريخية السابقة هو هذه السيولة التي باتت سمة للحكومة بعد الثورة المخطوفة، فالجميع في المحيط الدولي يدعي الوصاية على حكومة الثورة، بينما حكومة الثورة نفسها لا تمثل الثورة ولا تمثل الشارع المغبون، في ظل بيئة آنية مشحونة بالمخاطر والخلافات القبلية والانهيار الاقتصادي والاستقطاب الحاد الذي يجعل كل الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها.
العزل السياسي
في حين يرى هشام أبو ريده المتحدث الرسمي باسم الجبهة الوطنية العريضة أن الاتفاق ما هو إلا محاولة لإعادة إحياء الاتفاق السابق –25 أكتوبر-، ويقول: هو محاولة لتغيير الوجوه والمناصب والشخوص، ولكن في نهاية الأمر الغرض من الاتفاق هو السلطة مقابل الحصانة، و"الحرية والتغيير" ليست ضد هذا النظام بأكمله، أو ضد الانقلاب المشؤوم وكل ما ترتب عليه منذ 1989 وما تبعه بعد ذلك، والالتفاف على الثورة تم منذ 11أبريل 2019 عندما تلى ابن عوف بيانه، بأن القوات المسلحة انحازت إلى الشعب والثورة، وقد تم تعرية هذه الأكاذيب منذ اليوم الأول، لذلك رفضنا المشاركة الديكورية التي كانت موجودة، والآن نفس الوجوه تعيد إنتاج نفسها مرة أخرى لكن بطريقة مختلفة، والحرية والتغيير ليس لديها اعتراض على المناصب، ولكن ليس لهم الحق في توقيع اتفاق لا يضمن الحقوق بل على العكس يضمن الإفلات من العدالة، وأهل الشهداء هم فقط أصحاب الحق الخاص.
أما فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاق "الإطاري" فسيلقى نفس مصير الاتفاقات السابقة، فالشارع حي والشباب حارسون لثورتهم، فالثورة متصلة، والذين شاركوا الآن هم انقلابيون، واقصد بهم كل من شارك في 2013-2014 الذين ارتضوا تزيين الفترة الأمنية التابعة للبشير، ولكن لدينا اليقين بأن الثورة ستنتصر وسيحاكم كل هؤلاء على الجرائم التي ارتكبوها، وفقا للقوانين التي يتم اعدادها، ومنها قوانين محاربة الفساد وقوانين العزل السياسي وتنفيذها سيكون في القريب.
سيطرة الصفوف
وتقول د. هبه البشبيشي الأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية: توقيع الاتفاق خطوة جيدة على طريق المصالحة السودانية -السودانية، ولكن أرى أن تفاصيل الملف فيها بعض العراقيل والأزمات، خاصة الجانب الأمني والعسكري، ولا أرى أن القيادات خاصة الصف الثاني والثالث الذين كانوا مسيطرين أثناء حكم البشير، ولم تحدث أي تغيرات للمواقع، فهناك تضارب، فهم يطالبون بالإصلاح، وعدم عودة رجال البشير مرة أخرى، وهذا لا يتناسب مع إصلاح أمني وعسكري في ظل وجود هذه الفلول الموجودة داخل الجيش والشرطة، كذلك هناك بعض البنود جاءت على سبيل الكلام المرسل، ولا يوجد أي حديث عن الإصلاح الاقتصادي وآليته وكيفية إدارته، وهل ستساعد اللجنة الرباعية (الإمارات، السعودية، بريطانيا، والولايات المتحدة) بإنشاء صندوق لمساعدة السودان، أم سيلجأ السودان إلى قرض خارجي، وربما تفصح الأيام المقبلة عن اتفاقات بين الأحزاب السودانية المختلفة والمجلس السيادي عن خطط واضحة وليس كلاما إنشائيا.
الخبز أولا
ورغم إشادة د.البشبيشي ببعض ما جاء في بنود الاتفاق من تمثيل المرأة بنسبة 40٪ داخل مؤسسات الحكم المختلفة، والحديث عن حكم مدني ورئيس مدني، ووجود تعدد حزبي، وهو ما يعتبر إصلاحا سياسيا على المدى البعيد، إلا أنها ترى أن هناك وضع اقتصادي خانق وهبوط حاد للجنيه السوداني أمام سائر العملات، تراجع العملية الإنتاجية بالكامل، وتضاؤل المحاصيل الزراعية، والأهم هو إعلان تشكيل الحكومة والأسماء التي ستتولى الحقائب الوزارية، فهل سيتم استدعاء خبراء وكفاءات من الخارج وهم كثير، أم سيتم الاستعانة من تكونت لديهم خبرة في السنوات الماضية، وهل سيغلب عليها الطابع المدني أم العسكري، وإن كنت أتوقع استمرار الحراك الشعبي طالما الأزمة المعيشية والاقتصادية قائمة في السودان، فبدون الإصلاح الاقتصادي الواضح لن يكون هناك إصلاح سياسي، فالإعلان عن حكومة مدنية وإصلاح عسكري وأمني هي حلول على المدى البعيد، والأهم هو حياة المواطن، والحد من المجاعة التي انتشرت في حدود السودان وتراجع الإنتاج السوداني، وحصول الفرد على نصيبه من الناتج المحلي وحقه في الغذاء والدواء ثم نتحدث عن الإصلاح السياسي.
أبرز المقاطعين
أعلنت أحزاب سياسية وجهات نقابية عدة رفضها للاتفاق السياسي، من بينها قوى الحرية والتغيير مجموعة الكتلة الديموقراطية، حيث قاطعت جلسة التوقيع.
وأكدت بعض لجان المقاومة رفضها لأي اتفاق مع المكون العسكري، بينما اعتبرت تيارات سياسية أن أي اتفاق ثنائي لا يساعد على حل الأزمة السياسية في البلاد.
ودعا الناشطون المنادون بالديموقراطية ويرفضون "أي تفاوض وأي شراكة" مع الجيش الى تظاهرات احتجاجا على الاتفاق.
واعترض على الاتفاق كذلك بعض قادة حركات التمرد السابقين الذين وقعوا في 2020 اتفاقا مع الجيش ودعموه عقب انقلاب العام الماضي.
أهم بنود الاتفاق
- تشكيل حكومة مدنية يرأسها رئيس وزراء بصلاحيات واسعة، بالإضافة إلى مجلس للسيادة برئاسة مدنية
- يتولى الفريق عبد الفتاح البرهان منصب قائد الجيش بينما يتولى الفريق محمد حمدان دقلو منصب قائد قوات الدعم السريع
- تشكيل مجلس تشريعي يكون فيه ممثلون عن الأحزاب ولجان المقاومة، مع منح المرأة 40% من نسبة المقاعد
- تشكيل مجلس للأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء وعضوية عدد من الوزراء، من بينهم وزراء الدفاع والخارجية والمالية
- ضرورة محاكمة المتورطين في مقتل المتظاهرين وغيرها من الانتهاكات وعدم الإفلات من العقاب
- تكون مدة الفترة الانتقالية سنتين تبدأ من تاريخ تعيين رئيس الوزراء
-----------------------------------------
تحقيق – آمال رتيب
من المشهد الأسبوعية