27 - 04 - 2024

مئة عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون .. الروائي مطالب بملء الفراغات التي تركها المؤرخون

مئة عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون .. الروائي مطالب بملء الفراغات التي تركها المؤرخون

 - الاكتشافات الأثرية العظيمة قام بها أجانب بمساعدة مصريين تم إنكار دورهم بلا مبرر وحرموا حتى من حراسة آثارهم
- حين ندخل أي متحف في العالم نكتشف أن أكثر من نصفه أثار مصرية مسروقة أو مهداة ونتحسر على سقف معبد دندرة الذي يزين اللوفر
- بوفال أثبت أن الهرم بني في الحقبة الزمنية من 10 إلى 12 ألف عام ق.م. عكس المعروف حتى الآن من أنها بُنيت عام 2450 ق.م.
- طلاب المدارس الأوروبية يتعلمون تاريخنا ويدرسون علم المصريات بينما مناهجنا تقدم اختصارا لا يليق بحضارتنا ولا تساير اكتشافات العصر 

مرت مائة عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون الذي لم يستقر منذ خرج من مقبرته وأصبح المسافر الأعظم سفير الحضارة المصرية في كل بلاد العالم ليعلن أن مصر هي التاريخ.

 أثناء الاعداد لاحتفال الجامعة الروسية بمرور مائة عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ أمون دعتني كلية الفنون الجميلة التي افتتحت هذا العام لأول مرة لإلقاء كلمة للطلاب. أعجبتني فكرة أن يكون الاحتفال داخل جامعة لما يمثله هذا من الاعتداد بتاريخنا وغرس قيم الانتماء، وخطر ببالي أن أحدثهم عن اكتشاف الهوية، وحين دخلت الكلية انبهرت بما صنع الطلاب في المعرض المشترك بينهم وبين الأساتذة والمعيدين ، وبالتماثيل المصرية الكبيرة التي استقبلتني والضيوف في مدخل الجامعة والتي تم إهداؤها بعد الحفل إلى مدينة بدر لتزين أحد ميادينها.

قلت لهم أن الذي يجمعني بهم رابطان أساسيان ، الأول أن الكاتب الروائي لا بد أن يعرف الكثير عن الفنون الأخرى التشكيلية والتعبيرية من أنواع الرقص المختلفة والأوبرا والباليه والموسيقى بأنواعها وأنني كتبت زاوية في إحدى الصحف عن الفنانين التشكيليين المصريين ، ثم سألت الفنان د. محمد طه حسين رئيس هيئة قصور الثقافة وعميد كلية الفنون التطبيقية آنذاك كيف أقرأ لوحة فكتب لي جدولا لمتابعة محاضرات الكلية لمدة سنة كاملة ، وبالفعل داومت على حضور هذه المحاضرات وأفادتني مدى الحياة، أما الرابط الثاني الذي يربطني بهم فهو الأدب الروسي فكلنا خرجنا من معطف جوجول كما يقول المثال الشهير في الأدب عن تأثر الأدباء بقصة المعطف لجوجول. وسألتهم: من منا لم يتأثر أيضا بجوركي وتولستوي ودستويفسكي وتورجنيف وتشيخوف. وطلبت منهم أن يرسموا بجانب الروايات المصرية رواية روسية كل عام في مادة التعبير الفني احتراما لهذه الروابط الوثيقة التي بيننا.

حين اكتشف شامبليون حجر رشيد في نهاية القرن الثامن عشر وبعد أن تم فك شفرة الرموز المصورة للغة الهيروغليفية بمساعدة الكاهن المصري يوحنا الشفتشي الذي سافر مع الحملة إلى فرنسا وعلّم الفرنسيين اللغة القبطية، كما علمهم مقارناتها بالكلمات المكتوبة على حجر رشيد، وبدأ يساعد في فك رموز هذا الحجر ولم يذكره أحد بعد ذلك. في هذه اللحظة فحسب عرف الإنسان المصري هويته الخاصة التي تثبت أنه صاحب أقدم حضارة في التاريخ ، وأدرك أن عليه أن يثور في وجه الظلم واتحد المسلم مع المسيحي تحت راية الوطن ، فكانت ثورة 1919، وتوالت الاكتشافات. وحين توصل الأثري هوارد كارتر إلى كشف مقبرة توت عنخ أمون بعد أن استمرت الحفريات طويلا في وادي الملوك ، ولاحظ صبي في الثانية عشرة من عمره اسمه حسن من عائلة عبد الرسول الشهيرة في الكشف عن الآثار وجود ممر أدى إلى المقبرة أنقلب كل شيء في رحلة كشف الآثار المصرية ، إذا كانت المقبرة وعلى غير العادة سليمة تماما محتفظة بكل كنوزها وأصبح الملك الصغير توت عنخ أمون أشهر ملوك الدنيا بقناعه الذهبي الذي صنع من كتلة ذهب واحدة ، والمبهر في دقة صناعته ومجوهراته والتماثيل المحيطة به والرسومات الجدارية التي تبطن قبره على الرغم من أنه حكم مصر وهو في التاسعة بعد أبيه أخناتون وأمه السيدة الصغيرة وأنه مات وهو في التاسعة عشر ، وقيل أنه قتل بضربة على رأسه إذ وجدوا كسرا في الجمجمة وكسرا في الحوض ، ثم أثبتت الدراسات بعد ذلك أن الثقب الموجود في الرأس هو بغرض التحنيط وأنه أصيب بالتهاب نتيجة الكسر أدى إلى وفاته ، بالإضافة إلى إصابته بمرض الملاريا الذي كان منتشرا في ذلك الوقت ، قبل الوصول إلى علاج حقيقي لمواجهته. 

كما تم التعرف على أمراض جينية منقولة إليه عبر أسرته. لم يكن توت عنخ أمون ملكا عظيما كأبيه أوكرمسيس الثاني أو تحتمس أو غيره من ملوك مصر القديمة في مراحل التاريخ المختلفة ، ولا أتخيل أن صبيا في التاسعة قادر على اتخاذ قرار ، مثل الذي اتخذه توت بمجرد الوصول إلى الحكم ، بأن يعود إلى آلهة مصر القديمة المتنوعة وإلى آمون وأن يترك العاصمة التي انتقل إليها والده أخناتون وهو يدعو إلى الإله الواحد. ويترك كل ما دعا إليه أبوه وما دخل بسببه في صراع سياسي مع كهنة مصر القديمة.

بمجرد وفاة اخناتون سيطر كهنة آمون على الصبي وعادت الأمور إلى مجراها السابق ، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا ، إذ أن شبهة المؤامرة في طريقة موته رغم أن العلم الحالي نفاها ما زالت مستمرة ، لأنه لا يوجد تفسير للأحداث السريعة التي تمت بعد وفاة توت مباشرة ، إذ أرسلت أرملته رسالة إلى ملك الحيثيين تطلب منه ترشيح أحد أبنائه للزواج منها وبالفعل أرسل أميرا لكنه لم يصل إلى مصر وتم اغتياله في الطريق ، ثم تزوجت من أي الوزير الأول لزوجها وهو نفس الوزير الذي نصح توت وهو في الحادية عشرة من عمره بالإعلان عن عدم الممانعة في عبادة الآلهة الأخرى ويكون بهذا قد قضى على رسالة أبيه أخناتون ، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد ، وكأنه فيلم من أفلام المغامرات الفاقعة ، إذ قتل الوزير أي وتزوجت أرملة توت مرة ثانية من حور محب الوزير الثاني له ، وباعتلائه العرش وقيادة الجيش دخلت مصر مرحلة أخرى من تاريخها تم فيها محو وإزالة كل ما له علاقة بفترة حكم كل من إخناتون وابنه توت عنخ أمون.

علم المصريات

 مع عظمة الاكتشافات الأثرية التي قام بها أجانب بمساعدة مصريين ، والإنكار الذي صاحب دورهم بلا مبرر ورفض أن يكون المصريون مسؤولين حتى عن الحراسة إلا تحت الإشراف الأجنبي ، ثم ظهور أثريين مصريين من أمثال سليم حسن وغيره غير وجه التاريخ وأنشأ علما كبيرا اسمه علم المصريات ، يتطور بسرعة هائلة مع كل اكتشاف جديد ومع اهتمام العالم كله بهذا العلم ظهرت له عدة مدارس على رأسها المدرسة الفرنسية وهي الأشهر والأقوى والتي تقوم الآن بكتابة تاريخ القدماء المصريين وإعادة تعديله مع كل اكتشاف وتلخصه في كتب صغيرة يدرسها طلاب المدارس الأوروبية ويتعلمون تاريخنا ، دون أن نهتم نحن بذلك ، وفقا للمناهج الجامدة التي لا تضيف جديدا ، ولا تساير اكتشافات العصر وتقدم لهم اختصارا لا يليق بحضارتنا ولا تدفع الطالب للبحث والاهتمام بمعرفة المزيد عن أصله العريق. 

ينطبق هذا على كل المراحل المختلفة للعصور والحضارات التي توالت على أرض مصر سواء العصر القبطي أو البطلمي أو الروماني أو الإسلامي ، ولأن التاريخ تكتبه السلطة الحاكمة التي لا تهتم بالطبع بكتابة ما مر به الشعب أو ما يعبر عنه ، أو يكتبه من جاءوا مع الجيش المنتصر الذين كثيرا ما يهمشون الشعب المهزوم ولا يحترمون حضارته ويكون كل همهم هو نهب ثروات البلد المحتل. 

وأذكر هنا قصة شهيرة عن محاولة نقل تمثال أجاممون من مدينة الأقصر ، ولكنهم لم يستطيعوا نقله إلى سفينة تحمله إلى البحر المتوسط ومنه إلى لندن ، ونحمد الله على هذا الفشل ، إذ لو كان قد نجح لتم فك كثير من المعابد المصرية ونقلها إلى أنحاء متفرقة من العالم ، وأظن أن بعضنا حدث له ما يحدث معي حين يدخل أي متحف في أي بلد في العالم ، ويكتشف أن أكثر من نصف المتحف هو أثار مصرية مسروقة أو مهداة ، أو يتحسر معي على سقف  معبد دندرة الذي رسمت عليه دائرة الفلك أو الزوديك الذي يزين منذ سنوات طويلة متحف اللوفر في باريس ، بعد أن كان يزين سقف أحد حجرات قدس الأقداس الخاصة بأوزير ويصور كسوف الشمس عام 51 قبل الميلاد ويشير إلى النجوم والكواكب في مجرتنا الشمسية والأبراج الفلكية عند المصري القديم ، ويضم حوالي 36 مجموعة نجمية هي أبراج (الحمل، الثور، الجوزاء.. الخ) وبعض الأفلاك التي استطاع أن يحدد وجودها في السماء من نجوم وكواكب وكويكبات ويشرح السقف كثيرا من الرموز الفلكية والزمنية التي عرفها المصري القديم. 

ولهذا الموضوع قصة غريبة يقال ان الفنان الفرنسي دوفيال رسم نسخة من هذه الرسوم ونشرها فأثارت ضجة ثم ادعى الفرنسيون أنها من اكتشافات ديزيه أثناء الحملة الفرنسية ، وأن من حقهم أن يأخذوها إلى فرنسا باعتبارها أثرا فرنسيا ، أما القصة الثانية فتنسب إلى الخديوي إسماعيل وقيل أنه أهداه إلى الملكة الفرنسية أوجيني في حفل افتتاح قناة السويس ، لكن الحقيقة التاريخية تقول أن أوجيني تعرفت على هذا السقف في معرض للآثار المصرية في باريس وأنها حين زارت مصر في حفل قناة السويس وزارت متحف بولاق طلبت من الخديوي أن يهديها قلاده ذهبية للملكة إياح حتب، ولكن ميريت باشا مدير الآثار آنذاك، والذي كان موطنًا فرنسيًا رفض إعطاءها القلادة. 

 وبسبب توالي غزو أرض مصر وعدم كتابة تاريخها بأيدي أبنائها ضاعت تفاصيل كثيرة لم يسجلها أهلها ، وقد يفسر هذا اهتمام الكاتب المصري الروائي بإعادة كتابة تاريخ بلاده وملء الفراغات التي تركها المؤرخ والتي تمثل صوت الناس ، لهذا كثيرا ما أذكر أن الجبرتي العظيم وهو يدون أحداث الحملة الفرنسية على مصر ويكتب مشهد دخول الفرنسيون ساحة المسجد الأزهر بخيولهم ، لم يذكر صرخة الطفل الذي شاهد أباه وهو يقتل على يد أحد هؤلاء الجنود ، هذا ما يكتبه الروائي ، لكن المشكلة الأكبر هي في السؤال عن سبب الانقطاع بيننا وبين حضارتنا العظيمة القديمة التي وصلت في لحظة ما إلى بناء الهرم كمرصد فضائي ، وقد رصدت هذه المعلومات في روايتي وادي الكون وأنقلها لكم بتصرف:

 إن ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻟﻬﺮﻡ الأكبر هو 149.4 ﻣﺘﺮًا، وأن ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ 149.4 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮ، وأن ﻣﺤﻴﻂ ﺍﻟﻬﺮﻡ ﻣﻘﺴﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻟﻬﺮﻡ = 3.14 وهذا هو نفس الرقم إذا ما قسمنا ﻤﺤﻴﻂ ﻏﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ على ارتفاعه، وكذلك ﺗﺎﺑﻮﺕ ﺍﻟﻤﻠﻚ أيضًا. بالإضافة إلى المعلومات المذهلة عن طاقة الهرم ، التي تمنع قطعة لحم طازجة من التحلل لسنوات إذا ما وضعت داخل الهرم. وأن هناك خطًا وهميًا، مستقيمًا يمر وسط الهرمين، والثالث منحرف، وخارج قليلا إلى اليسار. تمامًا مثل موقع النجوم في درب التبانة، وعلى نسق حزام أوريون، أو حزام الجبار. لقد فسر هذا الاكتشاف للعالم الأثري "بوفال" صاحب هذه النظرية، في لحظات سبب أحجام الأهرامات، والمسافات بينها بشكل شديد الدقة. 

وقد أظهر "روبرت بوفال" في بحثه الذي أقام الدنيا، ولم يقعدها أن العودة بهذا التماثل بين الهرم، والأجرام السماوية، تثبت أن الهرم بني في الحقبة الزمنية التي تعود إلى من 10 إلى 12 ألف عام ق.م. عكس المعروف حتى الآن من أنها بُنيت عام 2450 ق.م.

ملاحظة أخرى أسوقها لكم عن وجود رسم لدرب التبانة على المعابد في مصر القديمة ليس معناها أن المصري القديم لم يعرفها إلا حين رسمت. وأن نضع في الاعتبار أن كل المعابد المصرية، قد بنيت في مواقع مرتبطة بالأبراج السماوية، ولم تبن بالصدفة، أو حسب المدينة، أو احتياج الناس. 

ونعود إلى احتفال الجامعة الروسية باكتشاف مقبرة توت عنخ آمون الذي بدأ بافتتاح أ. د شريف فخري رئيس الجامعة معرض "في رحاب ماعت" ويضم المعرض أعمال الفنانين: محمد عرابي ، محمد ثابت بداري ، جرجس سعيد، حسن فداوي، ،عمر عبد الظاهر، حنان سمير، شريف شكري، شيماء بغدادي ، أحمد عيد، أشرف الصويني، إياد عرابي، نديم عرابي، حسام الدين مصطفى، مايكل وحيد. وقام بتنظيم المعرض كل من الفنانين: نديم عرابي، يمنى شريف أشرف الصويني.

كما تم تكريم عدد من الأساتذة والفنانيين والكتاب والإعلاميين.

كل سنة وأنتم  طيبون.
----------------------
بقلم: هالة البدري
من المشهد الأسبوعية







اعلان