26 - 04 - 2024

بيليه المغرم بالعرب .. سحرته عيون مصرية وأجل انقلاب الجزائر

بيليه المغرم بالعرب .. سحرته عيون مصرية وأجل انقلاب الجزائر

التاريخ لن ينسى بيليه كأعظم لاعب كرة قدم في القرن العشرين والعرب لن ينسوه أيضا .. ليس فقط لأنه كان الساحر الكروي الذي يمتع جماهير كرة القدم ، ولا لأن صالونات القصور الملكية والجمهورية مليئة بصور القادة العرب خلال استقبالهم لبيليه ، ولا لأنه أول نجم عالمي كروي يلعب على ملاعبهم أمام شعوبهم ، في القاهرة والرياض والكويت وابو ظبي والمنامة وبيروت ووهران والخرطوم والدار البيضاء .. إنما لن ينسوه لأن سحره انقلب عليه ، ووقع في غرامهم منذ اللحظة الأولى .

العرب لن ينسوا بيليه الذي أقحمته كرة القدم في معمعة العالم العربي دون أن يدرك ،فقد كان وقتها ابن العشرين ، أي لم يبلغ "السياسة" بعد .. لكن الأقدار الطيبة دفعت البرازيل ، الواقعة تحت الحكم المدني وقتها ، إلى قبول دعوة الاتحاد المصري لكرة القدم للعب أمام منتخبها الأول لكرة القدم ، لتكون القاهرة العام 1960 ، الإطلالة الأولى لبيليه ومنتخب البرازيل على العالم العربي ، وهذا من حسن حظه وحظنا.

كانت القاهرة في هذا الزمن قبلة التحرر الوطني لأفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية ، وكان موقفها السياسى من الحرب الباردة الدائرة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية ، عدم الانحياز مع أي طرف ضد الآخر .. كانت فكرة عدم الانحياز في السياسة الدولية أشبه بالسكين الذي يمزق سياسة الأحلاف العسكرية التي تبنتها القوتان العظميان وقتها ، وكانت (الفكرة) وميضا لامعا في سماء الشعوب المطالبة بالتحرر والاستقلال من حكم الاستعمار الغربي في القارات الثلاثة.. تحت هذا الظرف التاريخي رحبت الحكومة المدنية في البرازيل بدعوة مصر لمنتخب السامبا ( فكرة على ومصطفى أمين) للعب ثلاث مباريات ودية وسط دهشة الأوربيين ، الذين رفض بيليه  كل عروضهم للعب لأهم أنديتهم ( ريال مدريد ).. وفي القاهرة ، وبعد أن فاز منتخب السامبا بقيادة بيليه وجارينشا على منتخب الإقليم الجنوبي للجمهورية العربية المتحدة (مصر) مرتين (5/0 ـ 3/0) على ملعب النادي الأهلى وسط 30 ألف مشجع اكتظ بهم ملعب مختار التتش بالجزيرة ، استقبل الرئيس جمال عبد الناصر في القصر الجمهوري بعثة منتخب البرازيل وصافحهم فردا فردا ، وتحدث إلى بيليه حديثا خاطفا ما يزال حبيس الأسرار إلى الآن ، لكنه ـ طبقا لياور الرئيس ـ لم يخرج عن الترحيب والإعجاب ، كما أفاد الراحل الكبير محمد لطيف أيقونة التعليق المصري على مباريات كرة القدم، وأعلن رئيس بعثة منتخب البرازيل أنهم جاءوا إلى مصر ليلعبوا ، ويقدموا التحية لقائد يناضل من أجل أن تحتل بلاده المكانة اللائقة بها.

لم يخف بيليه انبهاره بمصر ، وأعلن أنه وقع في حبها منذ أن حطت قدماه مطار القاهرة ، وتسبب وقوعه في هواها بإصابته بسهام "كيوبيد" في الأسكندرية بعد المباراة الثالثة التي خاضها منتخب السامبا ضد منتخب مصر، وفازوا بنتيجة 3/1 .. فهناك على شواطىء عروس البحر المتوسط ، اهتز قلبه للمرة الأولى عندما شاهد صاحبة أجمل عيون في السينما المصرية ، الفنانة زبيدة ثروت التي كانت تقضي أجازة الصيف بفندق البوريفاج ، حينها قامت بصحبة زوجها إيهاب الغزاوي بالتوجه للفندق الذى يقيم فيه بيليه للترحيب به، وجاء على لسان الفنانة الراحلة ، أن بيليه لفت انتباه الجميع وقتها، بإعجابه الشديد بالفنانة حيث ظل يطيل النظر لعينيها للدرجة التى أحرجت زبيدة نفسها ، وحاول بيليه الخروج من هذا الموقف المحرج بتوجيه الحديث لزوجها قائلاً "إن زوجتك صاحبة أجمل عيون رأيتها فى حياتي ( المصدر : موقع صحيفة  الإندبندنت البريطانية)

كان الحب والاستقبال الملفت الذي وجده سحرة البرازيل بقيادة بيليه في القاهرة سببا في الاستجابة لنصيحة السفير المصري في ريودي جانيرو ، بقبول دعوة الاتحاد الجزائري للعب في الجزائر مباراة ودية بمناسبة الذكرى الثالثة لتحرير الجزائر من المستعمر الفرنسي .. وكانت زيارة منتخب السامبا الإطلالة الثانية لبيليه على العالم العربي ، وكانت سببا وحيدا في إطالة عمر الرئيس أحمد بن بيلا على مقعد الرئاسة لمدة 48 ساعة .

تضمن برنامج الزيارة مواجهة أولى بين البرازيل ومنتخب الجزائر في وهران يوم 17 يونيو عام 1965وبعد ثلاثة أيام مواجهة أخرى في العاصمة..حضرت البرازيل بكامل نجومها يتقدمهم بيليه من أجل المباراة، وقدمت أجمل فنون الكرة لجمهور الجزائر الحاضر وبينهم أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال أحمد بن بلة، الذي كان حريصاً على استقبال بيليه ونجوم البرازيل والتقطت له صورة وهو يتوسط بيليه وجارينشا، وكانتا آخر صورة لبن بلة في منصبه كرئيس للجزائر، فقد قاد هواري بومدين إنقلابا عسكريا عليه وتم القبض عليه في وهران  ، إلا أن الخوف من رد فعل الجماهير الحاضرة وكذلك طريقة استقبال ما حدث من الصحافة العالمية في ظل وجود أهم نجوم كرة القدم في العالم وعلى رأسهم الجوهرة السوداء بيليه أطال عمر بن بلة في الحكم يومين آخرين حتى يرحل بيليه وزملاؤه، لتنتهي رحلة منتخب البرازيل في الجزائر بعد أن لعبوا مباراة واحدة وعايشوا  لأول مرة في حياتهم إنقلابا عسكريا ونهاية حكم أول نظام وطني في الجزائر.

كانت الإطلالة الثالثة للملك على العرب ، من الخليج .. في العام 1971 ، بدعوة من الأمير فيصل بن فهد حيث حضر فريق سانتوس البرازيلي ومعه بيليه للأراضي السعودية ليواجه منتخبها الناشئ ، وحظي بيليه باستقبال شعبي هائل من السعوديين الذين توافدوا من أنحاء المملكة ليروا بأم أعينهم أسطورة كرة القدم العالمية. وانتهت المباراة الودية بفوز الفريق البرازيلي بثلاثة أهداف مقابل لا شيء وبفوز العرب بحب أبدي من الجوهرة السوداء ، ليوافق بعدها الملك على اللعب مع منتخب البحرين في نفس العام في مباراة ودية فاز خلالها سحرة البرازيل 7/1

قبل حرب أكتوبر 1973 وتحقيق الانتصار العسكري على إسرائيل ، ازادت رحلات بيليه إلى الخليج العربي ، وعاد فريق سانتوس البرازيلي مع بيليه في فبراير 73 ليلعب في الدوحة أمام فريق الأهلي القطري.. بعدها طار الفريق بكامل نجومه إلى الكويت ليواجه فريق القادسية، الذي حقق المفاجأة بالتعادل إيجابيا مع نجوم السامبا بهدف لكل فريق، وسجل بيليه هدف سانتوس في حين سجل جاسم يعقوب هدف القادسية ليحصل بعدها على لقب "بيليه الكويت" وقال بيليه بعد المباراة استطيع هزيمة أي فريق في العالم بستة لاعبين من فريق القادسية.

في نفس العام ، 1973، حل فريق سانتوس ضيفًا على السودان بدعوة من فريق الهلال وتم استقباله إستقبالا أسطوريا  بالحب والترحاب ولعب البرازيليون مباراة ودية على ملعب أم درمان، انتهت بفوز الفريق البرازيلي بهدف وحيد.

في العام 1976 وصل بيليه مع زملائه في فريق سانتوس إلى المغرب ليلعب على استاد "محمد الخامس" مباراة ودية مع فريق مؤلف من لاعبي فريقي الوداد والرجاء أكبر فريقين في الدار البيضاء. والتقى بيليه حينئذ بجوهرة الكرة المغربية السوداء المهدي بن مبارك الذي كان معتزلا آنذاك بعد أن كان لاعبًا في فريق أتلتيكو مدريد ، ووصفه باللاعب الملهم الذي أخذ كرة القدم إلى عوالم غير مستكشفة .

ومثلما كانت القاهرة أولى محطاته إلى بلاد العرب ، كانت القاهرة الإطلالة الأخيرة للجوهرة السوداء على العربي في العام 2014 بوصفه سفيرا للكرة العالمية ، وتحت سفح الأهرامات ودع الملك بيليه العالم العربي ، وطوال رحلته الكروية والإنسانية لم يقم بزيارة واحدة لإسرائيل .. صحيح أنه كان في السياسة صامتا ، إلا أن الصمت كان يبوح بموقف لا شك فيه .. فقد كان ، رحمه الله ، شخصية رياضية مرحب بها في كافة أنحاء الأرض ، إلا إسرائيل لم توجه له دعوة لزيارتها ، ولم يفكر من جهته بمنطق " إمسك العصا من المنتصف" على النحو الذي فعله ويفعله نجوم العالم في كرة القدم والرياضة .. صمت النجوم يفصح أحيانا عن مواقفهم .. لذلك فإن الغرام الذي وقع فيه بيليه مع العرب ، كان الصمت الذي أبى أن يزور إسرائيل.

الفاتحة على روحه يا عرب .
-------------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم

مقالات اخرى للكاتب

إيديولوجيا العنف .. لم تعد فاتنة !





اعلان