20 - 04 - 2024

الحكومة صح والمواطن يرزح

الحكومة صح والمواطن يرزح

هناك تساؤلات حول قدرة الحكومة على مواجهة الأزمات، وإيجاد الحلول لجميع المشكلات حتى التي قد تفوق قدراتها، ومدى دقة وتوقيت قراراتها لا سيما في مجابهة ظروف خارجية على شاكلة فيروس كورونا واقتتال الغرب إلى جانب أوروبا ضد موسكو، الأمر الذي طالت تبعاته بلدانا كبرى لا نامية فقط، كما لا ينكر إلا جاحد كم المحاولات التي بذلتها الحكومة بجميع هيئاتها في مسعى لدرء  ما أسفرت- لا تزال- عنه تلكم الأزمات، ومحاولة التخفيف من على كاهل المواطن التِرس الذي لطالما لجأت إلى جيبه مؤسسات الدولة كافة، إلى أن أضحى يرزح تحت وطاة الألم..

المواطن الذي كان حائط الصد الأول وسببًا رئيسًا في إجهاض مأسسة الدولة لصالح تيار بعينه، وساند الحكومات مسؤولاً تلو الآخر، ولبّى كل نداء للوقوف بجانبها وتحمّل ما لا يطيقه بشر وإلى الآن، مِتكئًا في الجانب الأكبر من صبره وجلده على توافر حسن نيات المسؤولين القائمين على الأمر، وفي جانب آخر كم الإنشاءات والمشروعات- بعضها يمكن إرجاؤه وإعادة النظر فيه من وجهة نظر كثيرين- والجهد المرئي يومًا بعد آخر، والذي لا يمكن التقليل منه بأي حال.. ومع اصطدام آمال ووعود عوائد المشروعات الكبيرة التي تم التخطيط لها والبدء بتنفيذها قبل نحو عقد من الزمن واكتمال العديد منها، بالأزمات المحيطة، لم يبخل أحد خلال السنوات العشر، كمواطن أولًا، بتحمله تداعيات برنامج الإصلاح الاقتصادي بعد الحصول على قرض صندوق النقد الدولي وما ترتب عليه من تحرير سعر صرف أفقد، من فوره، ذوي الرواتب نصف دخولهم، ثم انعكاس بنوده على أسعار المحروقات والطاقة التي ترتب عليها ارتفاع كل شيء من دون أي استثناءات تقريبًا، أو مسؤول ثانيًا، فكّر ورفع الحد الأدنى للأجور، وأجرى مفاوضات ومباحثات واخترع مبادرات، والتي رغم نجاحها في مواجهة الوباء بخطة مُحكمة وممنهجة سبقتها دعوات وتضرع الطيبين لرب الأراضين والسموات، فإنها لم تستطع مجابهة الغلاء الذي يرى البعض احتمالية المبالغة فيه بشكل أو بآخر، ربما طمعًا في زيادة مكسب من قبل بعض تجار لا يبالون إلا بقدر ما يربحونه، أو حفنة سماسرة يتخطى نعتهم بالمتآمرين يكتنزون سلعا إستراتجية ويغالون في ثمنها ومنهم من يجمع الدولار العملة الأساسية في عمليات استيراد ما تحتاجه الدولة من ضروريات..

إذًا ما الحل أمام حكومة تصرّح علانية بأنها بذلت وتبذل قصارى جهودها من أجل مواجهة المرحلة، في مقابل سيدة عند شرائها دجاجة تطلب تقسيم ربعها (ورك) لثلاث قِطع بعد تجاوز سعر الكيلو خمسة وأربعين جنيهًا لأقل أنواعه، وتحليق سعر سمك البولطي فوق السعر نفسه، وبلوغ كيلو اللحمة مئتي جنيه، وحتى كرتونة البيض بديل هذه الأنواع البروتينية تخطى سعرها تسعين جنيهًا، ناهيك عن أسعار الأرز والبقوليات بشكل عام، بل وفي أثناء كتابة هذه السطور يشكو موظف محترم سعر "نصف رغيف فول" بعد وصوله لسبعة جنيهات وهو الذي كان يُلتَهم بما دون الجنيه الواحد من على عربة الفول نفسها، قبل هذه السنوات العشر، وهلم جرا..؟

ومن منطلق المعدن الأصيل للمصريين الأصلاء يستطيع أبناء هذا الوطن- الذي وصفه نبي الله يوسف قبل مئات السنين بأن به خزائن الأرض في زمن طلّب توليه عليها، لا من أجل تدبير معيشة أهله وفقط، بل لتوفير قوت كل من يحتاج إلى قوت في تلكم السنوات العجاف- أن يربطوا الحزام على بطونهم حتى وإن "نشز الشرسوف والتصق معا"* البعض، حال احتاج لذلك البلد، وهو ما بدا جليًا في عدم الاستجابة، ليس خوفا على الأنفس، لدعوات متكررة للتظاهر الذي قد يستغله متآمرون سواء لمصالح شخصية أو خدمة لأجندات أجنبية جل همها أن يظل اقتصاد مصر غير قوي، وذلك لأسباب في نفس يعقوب العاقل يدركها جيدًا.. هذا الأمر تلخص في عبارة باللهجة المصرية رددها، لا يزال، كثيرون قائلين: "لو الناس مش خايفة على البلد مكنتش اتحملت كل دا".

ومن هذا المنطلق الأصيل أيضًا، على مسؤولي هذا البلد الإدراك التام بأن المجتمع المصري وهو المشهور بفكاهته حتى في أحلك الظروف، مهما يردد من عبارات على مواقع السوشيال ميديا، تثبت التجارب دائمًا أن ليس هناك أكثر منه شعبا يتبارى في إبداء حسن النية، وأن المحافظة على كيانه شخصا ووطنا وموطنا، لهو أكبر من أي تحديات وصعوبات، وذلك ما دام موظفو الحكومة يسعون لإيجاد حلول لا تتضمن فقط التفكير مليًا في جباية أموال من جيبه أو تحميلها عليه أو أبنائه مستقبلا، وأنها رغم اعترافها بحجم الأزمة فإنها تدّعي في الوقت نفسه بتحقيقها النجاحات، وأنها لم تخطئ في قرار ما، أو تتراجع عنه، في ظل ترك البعض يجمع ثروات طائلة من اكتناز الذهب أو المضاربة بالعملة الصعبة، فيما تتغنى بنوك تابعة للدولة بحجم الإقبال على شهادات ادخار وأنها جمعت المليارات في فترة ما في حين أن الغالبية العظمى تعي أن هذه الأموال لا تملكها إلا نسبة ضئيلة ويا ليتها تضخ جديدا، بل معظمها موجود بالفعل في حساباتهم البنكية وتتحرك من نظام إلى آخر بحسب العائد الأكبر، وهي البنوك نفسها التي تعلن عن جمع حصيلة بالعملات الأجنبية قد لا تتعدى مليون دولار في يوم..

يجب كذلك ألا يتسابق من هم محسوبون على السلطة أو من لهم مصلحة في إظهار مزايا ومحاسن كل ما تتخذه الحكومة من إجراءات أو حتى بمجرد التفكير فيها، بل يصل الأمر في بعض المواقف إلى أنها تحول نتائج سلبية لقرار ما إلى أخرى إيجابية وتروح تسوق ذلك عبر مختلف الوسائل الممكنة، وهو ما قد تفنده آراء على وسائل آخرى محسوبة على تيار مضاد، ومن باب الاعتراف بالحق فضيلة يجب أن تصرح الحكومة وتكاشف المجتمع بآليات ونتائج كل ما يباح كشفه قانونا وتفكر في طرق بعيدا عن جيوب البسطاء وتضرب في الآن نفسه، بيد من حديد على كل تاجر سلع أو دولار أو ذهب أو غيره، يحقق مطامعه على حساب ذوي الحاجة، كما ينبغي ألا تعتقد الحكومة أنها "صح" دائمًا ما دام هناك مواطن يرزح تحت وطأة الأزمات..
--------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي

* الشرسوف هو الطَّرَفُ اللَّيِّن من الضِّلَع ممّا يلي البطن ، و المعا: واحد الأمعاء، يريد أنه دائم الطوى، حتى لتبرز أضلاعه، و تلتصق أمعاؤه بعضها ببعض، لخلوها من الطعام.

مقالات اخرى للكاتب

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟





اعلان