تعيش جمهورية كازاخستان هذه الأيام مرحلة جديدة عنوانها الاصلاحات الدستورية والسياسية والاقتصادية والقانونية، وإنهاء احتكار السلطة، وظهور «كازاخستان جديدة»، تتمتع بمزيد من الديمقراطية والمساواة، وإعادة توزيع الصلاحيات من الرئيس إلى البرلمان، وإنشاء المحكمة الدستورية اعتبارًا من يناير 2023، وتسهيل إجراءات تسجيل الأحزاب السياسية، وزيادة مشاركة المواطنين في حكم الدولة، وحماية لحقوق الإنسان، وتوزيع السلطة، وتعزيز سيادة القانون وتكافؤ الفرص لكل مواطن.
ويعتبر العام الحالي 2022، هو الأكثر والأّهم أحداثا وفعاليات وتداعيات مثيرة في تاريخ كازاخستان الحديث، ابتداء من المحاولة الانقلابية المأساوية ممثلة الفاشلة في يناير الماضي، مما يدفعنا ذلك للقول بأن الإصلاحات السياسية والاقتصادية وتحديد آفاق المستقبل، هي مطلب أساسي وواقعي، وذلك لخلق نظام سياسي جديد، فيما يؤكد ذلك المتابعون للشأن السياسي الكازاخي، ويرون بأن تنفيذ الإصلاحات جاء في واقع الأمر بعد انتخاب الرئيس قاسم جومارت توكاييف في يونيو 2019، حيث كان صاحب الدعوة والاصرار على تحقيق المزيد من الانفتاح وتحسين الظروف اللازمة لجذب الأعمال والمستثمرين الأجانب للمشاركة في مختلف القطاعات الاقتصادية والثقافية والتعليمية.
ومن جانبا، نرى بأن الموافقة الشعبية الأخيرة على التعديلات الدستورية عبر 55 تعديلاً في 33 مادة، واعادة انتخاب توكاييف، سوف يعززان نظام الضوابط والتوازنات، ومحاربة الفساد والمحسوبية واحتكار السياسة والاقتصاد، وأهمها تخفيض الولاية الرئاسية من فترتين مدة كل منهما خمس سنوات إلى فترة واحدة مدتها سبع سنوات دون إمكانية إعادة الانتخاب، مما سيساهم في وقف احتكار السلطة وتقوية المبادئ الأساسية للديمقراطية، وهذا بالتأكيد مطلب شعبي ووطني، وفي الوقت نفسه تعزيزا لمكانة الرئيس توكاييف خلال السنوات السبع المقبلة وتدعيم مسيرته الديمقراطية.
كما وساهم الاستفتاء الشعبي الذي تم يوم 5 يونيو الماضي، على تعديلات ضخمة على الدستور لإعادة ضبط سلطات مؤسسات الدولة، وأيضا اعقبه تعديل نحو 33 مادة قانونية حولت البلاد من النظام الرئاسي القوي إلى حكم رئاسي ديمقراطي برلماني، كل ذلك عزز مكانة الرئيس توكاييف قبل وبعد انتخابه مجددا، بمعني أنه استطاع الحصول على ثقة الشعب الكازاخي وارتفاع مساحة الأمل في انجازاته التي تخدم قضايا الشعب والجمهورية الكازاخية الجديدة.
وتأتي اعادة انتخاب الرئيس توكاييف قبل أيام بتاريخ 20 نوفمبر الماضي، هي السابعة منذ استقلال كازاخستان قبل 30 عاما، لتعزز تواجد حكومة جديدة من التكنوقراط، وفي الوقت نفسه تصاعد آمال وطموحات الشعب الكازاخي واقتراب التحقيق الفعلي للإصلاحات الحياتية الشاملة الموعودة.
وهذا يعني أن اعادة انتخاب توكاييف ببرنامجه السياسي والاقتصادي، أنه حدد مسارًا جديدًا، أبرز ما فيه تقليص صلاحيات رئيس الدولة، وتوسيع دور البرلمان والهيئات التمثيلية المحلية نسبيًا، وسحب الإعفاءات الحصرية، وتحديد مساحة كافية للمنافسة السياسية، وتوسيع الحيز السياسي للأحزاب وتحسين التشريع الانتخابي وتعزيز دور المجتمع في صناعة القرار.
وبحكم متابعاتنا لسياسة الرئيس توكاييف منذ تولية رئاسة الجمهورية في العام 2019، فإننا نرى بأن خطواته التي يتخذها حاليا داخليا وخارجيا وفي كآفة المجالات سوف تساهم في تصحيح المسار السياسي وتنظيم الأمور المالية والاقتصادية التي كانت سائدة قبل هذه الاصلاحات، وخاصة بعد حظر الدستور بصيغته المعدلة على الرئيس تولي عضوية أي حزب سياسي أثناء توليه المنصب، والحد من سلطاته في إلغاء كليًا أو جزئيًا لسلطة حاكم المقاطعة أو العمدة أو نائب مفوض المنطقة الذي لا يفي بوعوده الانتخابية.
وقد سبق وعزز اعادة انتخاب توكاييف رئيسا لكازاخستان، حدث تاريخي تمثل في استفتاء وطني اقترحه توكاييف بإدخالتعديلات وإضافات جديدة على الدستور، تحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والديموقراطية والشفافية والعلاقات الخارجية مع دول العالم والمنظمات الدولية.
ونعتقد جازمين بأن تنفيذ الإصلاحات الدستورية خلال المرحلة المقبلة سوف يساهم في تعزيز مؤسسات حقوق الإنسان في كازاخستان، وبناء دولة عادلة تحترم القانون، وحماية الحقوق الدستورية للمواطنين، وأيضا تحسين القدرة التنافسية لوسائل الإعلام وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، وتحسين الهيكل الإداري الإقليمي، وتنفيذ مبدأ لامركزية السلطة، والقضاء على البيروقراطية في أجهزة الدولة، وضمان الحقوق الدستورية لكل مواطن، وخلق ثقافة سياسية جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والثقة بين الدولة والمجتمع، واتخاذ القرارات المهمة بشكل علني وبمشاركة المواطنين أنفسهم، وضمان الانتقال النهائي من شكل حكم رئاسي إلى آخر رئاسي برلماني مؤثر وحكومة خاضعة للمساءلة.
ومع تنفيذ الإصلاحات الدستورية المتوافق عليها شعبيا ورسميا بشكل واضح ومتسق، فقد بدأت الدولة في الانتقال إلى شكل جديد من الهيكل السياسي، وظهور تغييرات جوهرية في الاقتصاد والسياسة بل وفي الاستراتيجية الشاملة للجمهورية الجديدة، حيث يبدو ذلك واضحا في تحسين الرفاهية للمواطنين، وتبسيط عملية تسجيل الأحزاب، ومنع رؤساء وقضاة المحكمة الدستورية، والمحكمة العليا والمحاكم الأخرى، ورؤساء وأعضاء لجنة الانتخابات المركزية، ولجنة التدقيق في البرلمان، والعسكريين، وموظفي أجهزة الأمن الوطني، ووكالات إنفاذ القانون من أن يكونوا أعضاء في المنظمات السياسة، أو الأحزاب أو النقابات العمالية أو من التصويت لصالح أي حزب سياسي. ونعتقد جازمين بأن تنفيذ هذه التعديلات بشكل صحيح، سيشكل توازنًا صحيحًا بين مختلف فروع السلطة وتؤسس حوارًا فعالاً بين الحكومة والشعب.
ونرى من جانبنا إن آمال نجاح الجمهورية الجديدة، تتعزز وتتحقق من خلال التنفيذ الحقيقي والفعلي للإصلاحات الدستورية وعدم تركيز سلطات الرئيس بل إعادة توزيعها على مؤسسات أخرى، والانتقال في نهاية المطاف من النموذج الرئاسي الأعلى إلى الجمهورية الرئاسية، وإعادة توزيع العديد من السلطات، وتعزيز دور ومكانة البرلمان، وتوسيع مشاركة السكان في حكم البلاد، و تعزيز الآليات الدستورية لحماية حقوق المواطنين، ومنع إفراد عائلة الرئيس المباشرة من تولي المناصب السياسية والقيادية في القطاع العام، واعتماد أن الأرض وباطنها ملكًا لشعب كازاخستان.