29 - 03 - 2024

مؤشرت | 45 دقيقة بين السيسي وأردغان ..خاسرون ورابحون

مؤشرت | 45 دقيقة بين السيسي وأردغان ..خاسرون ورابحون

مؤكد أن تركيا – أردوغان وعلى مدى نحو 10 سنوات ارتكبت الكثير من الحماقات ضد مصر، ووصل الأمر إلى سباب أغضب العديد من فئات الشعب المصري، قبل القيادات السياسية، ولسوء تقديرات المواقف من جنب أنقره ضلت توجهات السياسة التركية الطريق نحو تطبيع وترطيب العلاقات مع القاهرة، وزاد الطين بلة، التدخل التركي في ليبيا والتي تمثل عمقا إستراتيجيا لمصر.

وفي هذا المكان ومواقع أخرى كتبت عن الأزمة بين مصر وتركيا من اللحظة الأولى لثورة 30 يونيو التي استهدفت تصحيح مسار ثورة 25 يناير، والتي أخذت بها جماعة الإخوان البلاد إلى منحى بعيد لا يصب في مصلحة الوطن، بل استهدفت مصالح ضيقة وفي عمومها حملت مصالح خاصة، وأدت إلى دخول أطراف خارجية منها تركيا وقطر، حتى الولايات المتحدة الأمريكية، في الشأن المصري الداخلي.

ولكن دائما كنت أقول أن هناك فهم خاطئ، وحتما سيتبين الجميع خطأ تحليلاتهم، ونظرياتهم، وسيأتي يوم سيتم في تصحيح الموقف، ففي السياسة لا يوجد عداء أبدي، بل هي مجرد مراحل، والمهم أن يستفيق المخطيء عن خطئه.

المؤكد أن مصر ظلت على موقفها طول السنوات من 2013 حتى العام 2022، ومتمسكة بشروطها لأي تقارب مع تركيا من جانب ومع قطر من جانب آخر، حتى بالرغم من التقارب الذي جرى بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، في العام الماضي، إنطلاقا من قمة "العلا".

ويبدوا أن قطار العلاقات بين القاهرة وأنقره، بدأ ينطلق نحو مسار جديد، مثلما بدأ مسار العلاقات يأخذ مسارا جديدا بين القاهرة والدوحة، وكلا البلدين كانت مواقفهما متشابهة إلى حد كبير بشأن العلاقات مع مصر، فكلتاهما احتضنت ودعمت جماعة الإخوان المسلمين، وقدمتا لها الدعم المالي واللوجستي، والإعلامي، ووفرت أنقره والدوحة الملاذ الآمن لقيادات وعناصر الإخوان، نكاية في مصر، وخلافا لرغبة الدولة المصرية، وفئات عريضة من الشعب المصري، وكلتاهما تدخلت في الشأن الليبي على خلاف مع القاهرة ، صاحبة المصلحة الأهم في استقرار ليبيا.

ولا شك أن هذا وغيره خلق فجوات واسعة على مدى ما يقرب من عشر سنوات، وظل الخلاف جهرا وفي أحاديث المسؤولين، وعلى مرأى ومسمع من كل العالم، وظل حديث الإعلام وبرامجه، ولم تستمع قطر وتركيا لوجهات النظر المختلفة، بشأن خطأ موقفيهما والذي كان يسبح ضد تيار عام في الشارع المصري، بل لا أبالغ أنه تيار في الشارع العربي.

مؤكد أن هناك من بالغ في العداء ضد مصالح البلدان الثلاثة، ولم يدرك المصالح المستقبلية، ولم يراهن على أنه سيأتي يوم يعيد الأطراف حساباتهم، فالخلاف السياسي بين الدول ليس محكوما عليه بالأبدية، فالبعض راهن على أن الخلاف سيدوم، دون أن يدرك أن تقاطع المصالح سيدفع نحو مصالحات من نوع خاص.

ولو تأملنا ما جرى في السنوات الماضية، سنجد كثيرين بالغوا في العداء مع تركيا وقطر، بل وصل الأمر إلى حالة من السباب، وفي الطرف الثاني هناك من راهن على "تميم وأردوغان"، وإعتبروهما أمراء المسلمين، وأن خلافهما مع مصر سيظل إلى أن يقضى الله أمر كان مفعولا والإرتماء في أحضانهم هو الملجأ والحماية، بل هناك من راهن على توريث الخلاف، دون أن يدرك أي من هؤلاء أن علاقات الدول والحكومات تحكمها المصلح، ولا خلاف دائما، وتجارب العالم تثبت ذلك.. وكلنا نتذكر المقاطعة العربية مع مصر إبان اتفاقية كامب ديفيد.

وجاء لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وعلى مدى 45 دقيقة على هامش إفتتاح مونديال قطر "بطولة كأس العالم لكرة القدم"، لتنهي هذه الدقائق خلافات عشر سنوات وبمصافحة تاريخية، ليجد كثيرون - ممن راهنوا على أبدية الخلافات -، أنفسهم في مأزق، وحتما لم يأت اللقاء بشكل عشوائي أم محض صدفة، فحتما قد لعبت قطر دورا في محوريا في هذه المصالحة، بعدما أعادت الدوحة علاقاتها مع مصر وسط تعهدات لم يتم الإعلان عن معظمها، وتم الإتفاق عليها في لقائين رئاسيين في الدوحة والقاهرة، ولقاءات كثيرة أخرى غير معلنة.

ولخص أردوغان ما جرى في ستة كلمات "ليست هناك خصومة دائمة في السياسة"، لينطلق قطار جديد من المصالحات، باجتماع وزراء مرتقب من البلدين، وحتما فإن تركيا من سعت أكثر لتطبيع علاقتها مع مصر وقبل الموعد المتوقع والذي سبق أن أشار إلى رجب طيب أردوغان، حيث ربط في تصريحات سابقة له، بين المصالحة، أو مراجعة العلاقات مع مصر وسوريا عندما قال "تركيا مستعدة لمراجعة علاقاتها مع مصر وسوريا ولكن بعد انتخابات يونيو المقبل".

إلا أن الأمور سارت على عجل، وبأسرع من كل التوقعات، وربما قبل نحو عام من التوقعات، لتعقب "مصافحة السيسي وأردوغان"، خطوات دبلوماسية وسياسية على مستوى كبار المسؤولين للتباحث بشكل أكثر عمقاً حول ملفات عالقة في العلاقات بين البلدين، حتما منها ملف "الإخوان"، بكل ما يحتويه من أمور عالقة، وملف مياه شرق المتوسط، والموقف في ليبيا وسوريا، بخلاف ملفات العلاقات الثنائية.

والمؤكد أن "السياسة هي فن الخداع" ،و.."موقف واحد لا يمكن أن يحكم العلاقات السياسية"، وبالتالي فقد خسر كثيرون في ملف "مصر وتركيا"، وبالتالي ملف "مصر وقطر"، هؤلاء من راهنوا على حمايتهم بالتماهي في أحضان انقرة والدوحة، وهؤلاء من تماهوا في العداء مع مصر من جانب، أو مع تركيا والدوحة من طرف آخر محلي في العداء.

أما الرابحون هم التجار والمستوردون، والمصدرون، واللاعبون والآكلون على كل الموائد، بينما في المنتصف هم هؤلاء من بنو مواقف ثابتة تجاه الدول الثلاث، .. وهم بمواقفهم متمسكون، .. فالأمر بشأنهم سيظل في أيديهم، وموقف الأطراف الثلاثة منهم..!!
--------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | هدر الغذاء والماء ورؤية علمية لأمننا الغذائي والمائي (2- 2)





اعلان