28 - 03 - 2024

تكلفــة أن يكون المحامي تاجرًا

تكلفــة أن يكون المحامي تاجرًا

المحاماة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفى تأكيد سيادة القانون، وفى كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم.

والمحامي وكيلٌ، ووكيل بمعنى مفوض، ويقال وكّل أمره إلى فلان أي فوضّه إليه واكتفى به، ومنه قوله تعالى: "وعلى الله فليتوكل المتوكلون"، وقول الله تعالى: "ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير" أي فوضنا أمورنا إليك واعتمدنا عليك.

وقد عرف الفقهاء الوكالة بأنّها: "نيابة عن الغير إلاّ أن بعض عباراتهم فيها اختلاف"، فقد عرفّها الحنفية بأنها: "إقامة الغير مقام نفسه ترفها أو عجزًا في تصرف معلوم ممن يملكه".

وقد جاء تعريف الوكالة في المادة (669) من التقنين المدني رقم 131 لسنة 1984 م بأنه: "عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل".

ويوضح ذلك بجلاء حرص المشرع المصري في نص المادة (81) من قانون المرافعات المصري على أنه: "في اليوم المعين لنظر الدعوى يحضر الخصوم بأنفسهم، أو يحضر عنهم من يوكلونه من المحامين بمقتضي توكيل عام أو خاص".

وبالرغم من أن الوكالة بالخصومة جوازية إلاّ أن القانون أوجب الاستعانة بالمحامين في حالات معينة، بحيث لا يستطيع الخصم رغم أهليته أو تمثيله تمثيلاً صحيحاً القيام ببعض الأعمال الإجرائية أو حضور بعض الخصومات، بل يجب أن يفعل هذا بواسطة محام أو وكيل عنه، وإلاّ كان العمل الذي يقوم به الخصم دون الاستعانة بمحام باطلاً، ويكون البطلان متعلقاً بالنظام العام، فاذا حضر الخصم حيث يجب أن يمثله محام، فإن حضوره لا يعتد به، ويعامل كما لو كان غائباً.

والإسلام قرّر مقدرًا أن العدل مفهوم اجتماعي مثل الحق ، لابد لإقراره من إقامة سلطة تؤدي طرقها وآلياتها للوصول إليه بيسر وسهولة، فإن كانت مهمة القاضي الفصل في الخصومات حسمًا للتداعي وقطعًا للنزاعات، فمهمة المحامي فعليًا وعلى أرض الواقع لا تقل أهمية عن مهمة القاضي مطلقًا بما له من تأثير على مجريات الحق وخدمة العدالة عبر صلاحياته القانونية وملكاته الفكرية التي تتفاوت بالطبع من مهني لآخر، فيرى ما قد يفوت على القاضي أو يتجاهله أو يغفله أحيانًا بل إن المحامي قد يصل بعمله إلى النجاعة القضائية والرفع من أداء المحاكم، وهذا يقتضي تشارك العمل وتقابل الخبرات بطريقة عمل موحدة من المتقاضي باعتباره البناء الهيكلي للعدالة، لتمر بالمحامي ومساعدي القضاء وتصل أخيرًا إلى القاضي.

فالمحامي عملاً لا قولاً فقط هو رسولُ سلام بين المتنازعين داخل أو خارج ساحات القضاء يطفيء النيران المشتعلة بينهم، ويهدي إلى طريق المحبة والإخاء بين المتخاصمين ومتى استقر السلام بين المتنازعين استقر السلام في نفوس الأفراد واستقر في كيان المجتمع، وتلك هي رسالة المحاماة وحتمية عمله تاريخيًا وإن كان هناك استثناءات على هذه الحتميـة التاريخية التي سطرتها الكتب ودواوين القضاء في مختلف العصور.

وأن تبني الإصلاح في مهنة المحاماة يقتضي عدم المساس بالنصوص التي تنظم عمل المحامي ومخالفتها بما تم تداوله الأيام الأخيرة ، من اعتبار المحامي تاجرًا يلزم بفاتورة إلكترونية، فلا يمكن أن نغض الطرف عن حجم الانحرافات التي تتلقاها النقابة من البعض في ظل كون المحامي يؤدي رسالة فما بالك لو اعتبرنا المهنة تجارة يسري عليها ما يسري على التجّار بما لهم وما عليهم .

فلا يمكن أن تكون العدالة نقية وأحد أطرافها تاجـرًا يسري عليه أعراف وأحكام التجّار، فسوف يكون لذلك آثار بالغة الضرر على استقلال المحاماة.

وأن الاختلاف الظاهر الآن بعد ما يزيد على قرن من الزمان حول مهنة المحاماة والنبش في الألفاظ بتساؤلات: هل المحاماة رسالة أم تجارة؟ وليس ذلك لشيء إنما لاعتبارات وإن كانت مهمة عند الدولة للظروف الراهنة، فيوجد أيضًا ما هو أهم بالنسبة للمجتمع وهو لا يتعلق بمنح مزايا أو اختصاص أو إزالة سلبيات للمحامين وإنما هو أمر يتعلق بتطبيق نصوص الدستور والقانون وعدم خرقها أو تجاوزها وحماية حقوق المجتمع وصيانة للحريات، وحق الدفاع أصالة أو بالوكالة وحماية حقوقها ضمان لكفالة حق التقاضي.

فمن الواجب مراعاة مصالح المحامين فهم فئة جديرة بالرعاية، فلا يمكن أن يكون تركيز الدولة على تمكينها من نظام ضريبي لا يراعي وضعية الأزمة التي يعيشها المحامين وغيرهم في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والدولية ويزيد منها إثقال كاهلهم بضرائب كثيرة لا علاقة للبعض منها بممارسة المهنة، وهو ما يقتضي أن يكون القانون بصيرًا.

والمحامي يقسم اليمين حسب المادة (20) من قانون المحاماة" لا يجوز للمحامي الذي يقيد اسمه بجدول المحاماة أن يزاول المهنة إلاّ بعد حلف اليمين بصيغتها المعروفة. فنصوص القانون هنا تعني أن عمل المحامي ذات طبيعة خاصة واستثنائية سواء فيما يكلف به أو في خطورة وآثار ما يترتب على وكالته لموكليه أو من يترددون على مكتبه بمصالحهم، فالتاجر لا يقسم باليمين على احترام واجبات وظيفته لوجود الفارق؟.

وفي حال اعتبار المحامي تاجرًا يجب أن يتحمل المجتمع بحق تكلفة ذلك وما يترتب من آثار، فإذا اعتبرناه تاجرًا، فقد يبيع التاجر قضايا موكليه ومصالحهم إذا فسد ووجد أن في ذلك منفعة كبيرة ولا يمكن أن نتغافل المقدار الهائل من الفتن وضعف النفوس في عصرنا الحالـي وهو ما قد يشكل خطورة على المجتمع والدولة نفسها والمتقاضي والمحامي.

فبناء مصر في أي عصر من العصور هو تأسيس صحيح لأركانها، والعدالة ركن لا يقبل الوهن في أحد طرفيه، فالمحامي والقاضي عنصرا العدالة أفعالاً لا أقوالًا، فليس من المعقول أن يتم البناء في جانب ويترك الجانب الاخر، والقول بغير ذلك سوف يؤدي إلى آثار سلبية لا يمكن لأحد أن يتوقعها أو يواجه آثارها على المجتمـع.
--------------------------
بقلم: محمـد جـلال عبـد الرحمن
محـامٍ وكاتب حاصـل على جائـزة الدولـة عن افضـل كتاب في العلوم الرقميـة
بريد الكتروني:  [email protected]

مقالات اخرى للكاتب

غـزة.. هل نستفيد من الدرس؟





اعلان