- تحليل بلومبيرج يشير إلى وجود أزمة ثقة متبادلة بين واشنطن والرياض و"عقيدة كارتر" تحكم الموقف
- ماك شرقاوي: عقاب الولايات المتحدة للسعودية مستبعد وهو "كمَنْ يطلق الرصاص على قدميه"
وقت حرج يمر به العالم في ظل الأزمة الروسية – الأوكرانية، وأكثر حرجا لإدارة الديمقراطيين للبيت الأبيض والانتخابات النصفية المقررة 8 نوفمبر القادم، وما تواجهه من تحديات وتراجعات، ليأتي قرار منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" والدول المنتجة للنفط المتحالفة معها "أوبك بلس"، اللتين تضمان السعودية وروسيا ، ليضع الجميع في خانة اليك، بقرار خفض الإنتاج مليوني برميل يوميا، ليتحول هذا القرار الذي اتخذته 23 دولة، إلى اتهامات للمملكة العربية السعودية تحديدا بأنها وراء القرار، الذي يأخذ منحى سياسيا بعيدا عن المغزى الاقتصادي له.
الحكومة السعودية ترد في محاولة لتبرير القرار ودفع الاتهامات، وما زال التهديد والوعيد والإنذارات تتوالي من الولايات المتحدة ، حيث توعد الرئيس الأمريكي بايدن السعودية بـ"عواقب"، قائلا لشبكة "سي إن إن" إنه "يجب علينا، وأنا في خضم العملية، عندما يعود مجلس الشيوخ والنواب، أن تكون هناك بعض العواقب لما فعلوه مع روسيا". وعند سؤاله عن نوع العواقب التي ستواجهها المملكة، رد بايدن بالقول: "لن أخوض فيما سآخذه في الاعتبار وما أفكر به. لكن ستكون هناك عواقب". ويزداد الموقف السعودي تشبثا بالقرار، فهل سيظل الموقف على ما هو عليه، أم أن التصعيد سيستمر، وهل تلعب السعودية لصالح الجمهوريين، أم أنها تصنع مع روسيا النظام العالمي الجديد لتنتهي أسطورة القطب الأوحد؟
مشروع نوبك
بعد قرار أوبك +، قامت لجنة في مجلس الشيوخ الأمريكي بتقديم مشروع قانون يسعى لكبح جماح المنظمة يطلق عليه «منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط» المعروف اختصارا باسم نوبك ، وقد يناقش الأعضاء التشريع بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في الثامن من نوفمبر، واكتسب مشروع القانون قوة دافعة في الكونغرس.
وأظهر موقع مجلس الشيوخ على الإنترنت أن اللجنة القضائية بالمجلس، التي كانت قد أقرت مشروع القانون بسهولة في مايو، أحالت مشروع القانون إلى المجلس بكامل هيئته. وقال أحد المساعدين بمجلس الشيوخ إنها «مجرد خطوة تجهيز للأوراق».
وترى أوساط أمريكية بأن قرار أوبك بلس في هذا الوقت بالتحديد هو انحياز للسياسات الروسية وهو ما نفته الرياض معتبرة ان قرار السعودية هو أمر تقني بحت ولا علاقة له بالسياسة
وإذا أقرّ مجلسا الكونغرس مشروع نوبك ووقعه بايدن، فإنه سيغير قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي لإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي أعضاء أوبك بلس وشركات النفط الوطنية من الدعاوى القضائية المتعلقة بالتواطؤ في الأسعار.
أسوأ الأزمات
نشرت وكالة "بلومبيرج" تحليلا طرح مجموعة من الخطوات التي من شأنها أن تمكن الولايات المتحدة والسعودية من تجاوز الأزمة الأخيرة التي طرأت جراء قرار مجموعة "أوبك+" خفض إنتاج النفط ، بعد أن وصفها بأنها "واحدة من أسوأ الأزمات التي تواجه شراكة استراتيجية استمرت قرابة 80 عاما".
ورأى التحليل أن الجانبين فشلا في فهم وجهات نظر بعضهما البعض المتعلقة بالقرار، حيث تشعر واشنطن "بالخيانة"، فيما تعتقد الرياض أن خفض الإنتاج ضروري، ولا يحمل أي أبعاد سياسية، بل هو اقتصادي بحت.
وأشار إلى وجود أزمة ثقة متبادلة بين البلدين، حيث ترغب الولايات المتحدة وتتوقع تعاونا أكبر من قبل السعوديين، خاصة فيما يتعلق بأسعار الطاقة.
في المقابل، تريد السعودية وتتوقع دعما أمنيا أمريكيا أكبر، لكنها تشعر في الوقت ذاته أن واشنطن تحول اهتمامها تجاه أماكن أخرى مثل أوروبا والصين.
من هنا، رأى كاتب التحليل أن الدولتين لا تزالان تحتاجان بعضهما البعض، لأن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على توفير الأمن المطلوب للسعودية، التي بدورها تعدّ شريكا إقليميا مهما لنفوذ واشنطن في الخليج.بالتالي، يقترح الكاتب أن الولايات المتحدة تحتاج إلى صياغة التزام أمني جديد تجاه دول الخليج العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
ومن شأن هذا الالتزام أن يؤدي إلى تنشيط ما يعرف بـ"عقيدة كارتر لعام 1979"، عندما تعهد باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن مصالح واشنطن في منطقة الخليج، والرد على أي هجمات تستهدف المملكة، كما حصل في عام 2019، وفقا للتحليل.
ويضيف أن خطوة من هذا النوع ستعتمد على قيام دول الخليج العربية بتجديد التزامها بمصالح الولايات المتحدة واستراتيجيات واشنطن العالمية والإقليمية ، ومن دون هذا الالتزام الجديد، يرى التحليل أنه من المرجح أن يتدهور التحالف طويل الأمد بين واشنطن والرياض، ويتحول إلى علاقة عادية لن تعود بالفائدة على الجانبين.
ويختتم التحليل بالإشارة إلى أن "اجتماع أوبك+، المقرر في الرابع من ديسمبر المقبل، سيمثل فرصة مهمة للسعوديين للتراجع عن قرار خفض الإنتاج، على أن يفعلوا ذلك بالتنسيق مع واشنطن كخطوة أولى نحو إصلاح شراكة استمرت طويلا".
ترامب - بايدن
من جهته اعتبر المحلل السياسي الأمريكي ماك الشرقاوي أنه لا شك أن العلاقات الأمريكية -السعودية تمر بمنعطف حاد، وقال: ليس هذا المنعطف الأول، فخلال العقود الخمسة الماضية كانت هناك عدة منعطفات، ولكن دائما وأبدا تظل العلاقات الأمريكية مع السعودية علاقات استراتيجية من العيار الثقيل، فالولايات المتحدة الأمريكية ترى علاقة جيدة مع المملكة يعظم من وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فالعلاقة ليست بسيطة ولا متدنية، ولكنها من العلاقات المهمة بين الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وعلى مدار الإدارات التي توالت على البيت الأبيض جمهورية وديمقراطية نجد أن العلاقة تتوتر في وجود الديمقراطيين وتتوطد في وجود الجمهوريين.
يضيف شرقاوي : بالتأكيد هناك بشائر لحلحلة هذه الأزمة، نجدها في تراجع حدة التصريحات الأمريكية ، كما أن حدوث عقاب من الولايات المتحدة للسعودية أمر مستبعد يصعب تصوره، فهو كمَنْ يطلق الرصاص على قدميه، فالسعودية دولة رائدة وقائدة في منظمة أوبك، والتي أصبحت أوبك بلس في 2016 بعد انضمام 10 دول إلى 13 دولة مؤسسة للمنظمة، أصبحت تمثل تقريبا 40٪من إنتاج البترول في العالم، و85٪ من الاحتياطات المؤكدة للنفط في العالم، فبالتأكيد لها دور كبير في توفير النفط عالميا، وحاولت الولايات المتحدة كثيرا أن تقوض دور "أوبك"، عبر قانون من المفترض أنه ينظر أمام مجلسي الشيوخ والنواب.
ويشير ماك الشرقاوي إلى أن محاولات كثيرة ومتجددة من الولايات المتحدة لفرض السيطرة على الأوبك، كانت دائما تبوء بالفشل، لأن المصالح الأمريكية والمواءمات السياسية ومصالح الأمن القومي الأمريكي تستدعي عدم الدخول في تنفيذ هذا المقترح، كذلك الأغلبية اللازمة لتمرير هذا القانون غير موجودة، وإن كان الديمقراطيون يدفعون لهذا القانون فاعتقد أنهم لن يتمكنوا من ذلك، خاصة أن الانتخابات النصفية في 8 نوفمبر القادم تبدي تضاؤل فرص الديمقراطيين أمام الجمهوريين للفوز بغرفتي الكونجرس النواب والشيوخ، وهو ما يفسره عديد من المحللين أن المملكة العربية السعودية تعاقب "بايدن" وتعاقب إدارته وتدعم الرئيس السابق ترامب، ولا يخفى على أحد أن العلاقات بين الدولتين في عهد ترامب، كانت واضحة، وتبادل المصالح واضح، وكانت أفضل حقبة للعلاقات السعودية - الأمريكية علي مدار الأربعين عاما الماضية، واستطاع الرئيس ترامب أن يستخلص العديد من الصفقات التجارية والعسكرية والتسليح مع السعودية بقيمة تجاوزت485 مليار دولار، ولا اعتقد أن قانون "نوبك" سيخرج إلى النور، وأن كان الديمقراطيون يقصدون مناقشة نسختين متطابقتين من القانون حتى يتم خفض الوقت لاستصدار القانون، ولكن في كل الأحوال لا يمكن إقراره قبل الانتخابات النصفية، وإن اعتلى الجمهوريون المجلسين لا اعتقد أن يرى هذا القانون النور.
عقوبات دعائية
أما فيما يتعلق بمعاقبة الولايات المتحدة للسعودية فهي تصريحات انتخابية أدلي بها الرئيس "بايدن" في حملته قبل اعتلاء سدة الحكم، بأنه سيجعل المملكة السعودية دولة منبوذة ولم يحدث، ونتذكر ما واجهته به الصحفية الأمريكية في قمة جدة مع ثماني دول أوربية برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، عندما قالت له: «هل حقا أصبحت السعودية دولة منبوذة»؟ وبالطبع لم يحدث، والعالم كله شهد الرئيس الأمريكي وهو يتوسل للسعودية لزيادة الإنتاج ولم يحدث، اعتقد أن الأمور أصبحت متغيرة من وجهة الرأي العام العالمي، ومن وجهة نظر المحللين السياسيين عن دور المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي، واعتقد أن هذا العقد شهد تعاظم دور المملكة العربية السعودية بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط.
يضيف شرقاوي : من الواضح أن إدارة بايدن لا تحسن إدارة هذه الأزمة، والتصريحات كانت نارية، ولكن لو فحصنا ومحصنا هذا القرار الذي اتخذته منظمة أوبك +، نجده قرارا اقتصاديا بامتياز، فالأوبك زادت الإنتاج بمعدل 3.5 برميل يوميا عن المعدلات الطبيعية، وعندما يتم خفض مليوني برميل، فلا يعتبر خفضا للإنتاج إنما تخفيف لمعدلات الإنتاج السابقة، واعتقد أنه لن يتم تخفيض آخر، وهناك اجتماعات بين الإدارة الأمريكية والسعودية ومحاولة استجداء وقف تنفيذ القرار لما بعد الانتخابات النصفية، وهو أمر محل تحقيق في الكونجرس إذا ما كانت هناك اتصالات بين إدارة البيت الأبيض والحكومة السعودية وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في هذا الشأن، ومع أن هذا القرار ليس سياسيا لكن مردوده سياسي، وبالتأكيد سيؤثر على فرص إدارة بايدن في التجديد النصفي القادمة، ويمكن أن يؤول باعتباره انتقاما سعوديا من تصريحات بايدن وملاحقاته ضد الحكومة السعودية وضد الأمير محمد بن سلمان بشخصه، ولكن يظل المقصد الرئيسي اقتصادي له تبعات سياسية ، وفي الكواليس أيضا مصالح تريد كلا من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تحقيقها في المنطقة.
مراجعة الروابط
في حين أثارت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية احتمال تدهور علاقات الولايات المتحدة مع السعودية بعدما قررت واشنطن "مراجعة" روابطها مع الرياض ، لفت تقرير الصحيفة، أن السعودية استعانت بوزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير باعتباره أحد أكثر دبلوماسييها خبرة، من أجل توصيل رسالة الى الأمريكيين بان القرار لا يستهدف الولايات المتحدة في وقت اصطف السياسيون الامريكيون لانتقاد الرياض.
وتحدث الجبير لقناة "فوكس نيوز" الامريكية بغية ايصال الرسالة السعودية ، حيث ذكر التقرير ان الرسالة التي بعثتها الرياض هي أنها تصرفت على قاعدة ظروف السوق ومن أجل مصالحها الخاصة في مسعاها للحفاظ على أسعار النفط بهدف تمويل خطط الانفاق الحكومي الضخمة.
إلا أن الصحيفة البريطانية اعتبرت أن كلمات السعودية "لم تلق آذانا صاغية" على اعتبار أن السعودية، تجاهلت نداءات واشنطن بعدم خفض الانتاج.
وبحسب التقرير البريطاني، فإن قرار خفض الإنتاج النفطي يظهر كيف ان السعودية في ظل حكم ولي العهد الامير محمد بن سلمان، تبدو أكثر استعدادا للمضي قدما بأجندتها الخاصة حتى لو كانت تجازف بإغضاب شركائها، مضيفة ان قرار "اوبك+" التي تضم روسيا ايضا، يشكل مقامرة ايضا لان القرار بخفض الإنتاج مليوني برميل يوميا، ألحق أضرارا أكبر بصورة المملكة السعودية داخل الولايات المتحدة.
ولفت التقرير إلى أن الموقف السعودي استقبل في واشنطن على أنه ازدراء لبايدن قبل الانتخابات النصفية في نوفمبر، وذلك في ظل زيادة التضخم العالمي، مضيفا أن القرار أثار أيضا مخاوف واشنطن بشأن علاقة الرياض بموسكو فيما صعد فلاديمير بوتين حربه ضد أوكرانيا.
وذكر التقرير أن الرئيس الديمقراطي للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز كان دعا إدارة بايدن إلى "تجميد فوري لجميع جوانب التعاون مع السعودية، بما في ذلك مبيعات الأسلحة والتعاون الأمني"، قائلا: إنه لن يؤيد "أي تعاون مع الرياض إلى أن تعيد المملكة تقييم موقفها فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا". وأضاف "لقد طفح الكيل".
تطمينات سعودية ولكن
وذكر تقرير الفايننشال تايمز بتصريحات لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود قال فيها: إن الولايات المتحدة ما زالت الشريك الأمني الأكبر للمملكة، مضيفا أنه عندما يجري السياسيون الأمريكيون تقييما للعلاقة بشكل إجمالي فهم سيدركون أهميتها والفوائد التي تحققها وسيستمرون في التعاون مع السعودية التي هي"حريصة على هذا التعاون".
إلا أن التقرير نقل عن مدير برنامج الشرق الأوسط في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" جون ألترمان قوله، إن على الرياض أن تتوقع عداء متزايدا من جانب الكونغرس، موضحا أنه "سواء كان الأمر كذلك أم لا، فقد كانت هناك رائحة يفوح منها الانتقام بسبب التعليقات التي أدلى بها بايدن خلال الحملة الانتخابية" وما قاله خلال زيارته إلى الرياض. وختم ألترمان بالقول إن "ذلك قد يتسبب بفوضى للسعوديين بشكل سريع حيث انه لا يوجد لديهم أصدقاء كثيرون داخل الكونجرس".
----------------------------
تقرير – آمال رتيب
من المشهد الأسبوعي