24 - 04 - 2024

ازدراء الأديان حجة من لا حجة له وأمينة عبد الله لن تكون الأخيرة

ازدراء الأديان حجة من لا حجة له وأمينة عبد الله لن تكون الأخيرة

لو قلت لك أن جهات التحقيق أخلت سبيل الشاعرة أمينة عبد الله بعد احتجازها على ذمة التحقيقات في البلاغ المقدم ضدها بتهمة ازدراء الأديان سيكون المقال انتهى قبل ان يبدأ، ولكننا في الحقيقة ندور في حلقة مفرغة؛ لن تنتهي طالما لا توجد حلول جذرية، والقائمة طويلة جدا من الشرق والغرب؛ من القديم والحديث؛ من الداخل والخارج والزمن أثبت شيئا واحدا ؛ أن الأمم التي تريد ان تتقدم تطلق العنان للأفكار لتحلق في سماء الحرية.

يقول الفقهاء الدستوريون عندما نضع الدساتير نأتي بالشعراء؛ لأنهم يملكون أحلام المستقبل ثم نصيغ هذه الأحلام على هيئة قوانين وتشريعات. وماذا فعلنا نحن؟ اتينا بفايدة كامل!.

يقاس تقدم الأمم بما لديها من علوم وفنون، وكلاهما قائم على التمرد والتجرد والتجريب والخروج عن المألوف، وكسر التابوهات؛ فالعلم عنوان حقيقة المجتمع والفن مرآته .. وما عكس ذلك لن يصل بنا لشيء، والأمثلة كثيرة.

عانت أوروبا من ويلات الحكم الديني وخرجت للنور بإطلاق العنان للفكر الحر الخلاق، ومع بداية عصر النهضة بدأت أحلام التقدم الغربي بعد فترات طويلة من الظلام الدامس؛ كان الشرق حينها هو منارة العلم، ولكن ضاع كل شيء على يد التشدد والتعصب والمغالاة.

فليس من قبيل الصدفة ان يكتب السينمائي الفذ يوسف شاهين على تتر فيلم (المصير) هذه الجملة: الأفكار لها أجنجة محدش يقدر يمنعها توصل للناس. حكى الفيلم عن مأساة الفيلسوف الخالد ابن رشد، والذي دخل في صدام مع شيوخ السلطان.

يقول د. فاروق عبد القادر: كما تكونون يكون مسرحكم كما تكونون يكون إبداعكم.

وها هو إبداعنا رث؛ نعم هذه هي الحقيقة تجلياتنا المجتمعية في التشدد والتعصب والتشرذم والمنع والمصادرة بلغت أوجها. والقائمة طويلة تبدأ من العلامة د. طه حسين، والذي خضع للتحقيق لمجرد انه ألف كتابا (في الشعر الجاهلي) ومن بعده الشيخ الجليل علي عبد الرازق صاحب كتاب (الإسلام وأصول الحكم) ثم الفذ د. لويس عوض، ونوال السعداوي، ونصر حامد أبو زيد، وفرج فودة ؛ الذي قُتل على يد المتطرفين، وأديب نوبل نجيب محفوظ، والذي تعرض لمحاولة اغتيال، وغيرهم كثيرين من الأدباء والفنانين، ومنهم من يتعرضون حتى الآن للاغتيال المعنوي والفكري، ودعني اذكرك؛ ان اختلاف شخص مع أي شخص آخر لا يعطيه الحق في ان يكفره ويهدر دمه ويقتله ؛ أو حتى يساعد على قتله بأي شكل من الأشكال.

وعلى ما اعرف يا عزيزي المتدين بطبعه؛ ان الله أعطانا الحرية حتى في الخطأ.

طال التكفير كثيرين منهم أمل دنقل ونزار قباني، وصلنا لان نقول الفن حرام في الوقت الذي اعتمد فيه الغرب العلاج النفسي بالفن؛ أي يستخدم الفن في العلاج .. تخيل مصر التي سطرت ملحمة فنية وفكرية وأخلاقية بدأت مع بدايات القرن العشرين، وصلت للمرحلة التي وقف فيها المثقفون داخل ساحات المحكمة يدافعون عن كتاب (ألف ليلة وليلة) .. نعم يحتوي الكتاب على ألفاظ خادشة، ولكنه إرث ثقافي ابن عصره؛ فلا بد من الحفاظ عليه، وان كان على خدش الحياء فهو موجود في كتب كثيرة (بس اللي يقرأ ولا يكيل بمكيالين).

ونحن أفضل من نكيل بمكاليين؛ نحن أفضل من يروج ويتنبى الازدواجية الفكرية؛ نحن أفضل من يدعى التدين .. ننتفض من أجل قصيدة ولا ننتفض من أجل أكوام القمامة التي تحاصرنا .. نصرخ في وجه متبرجة ولا نصرخ في وجه الفساد .. نحرم على الناس الأعياد ونحلل ترك العمل في غير مواعيده .. نتهم الُكتاب بتدمير المجتمع مع أننا لم نر فيهم أحدا يحمل سلاحا أو يدعو للعنف أو يدعو لتدكير السلم المجتمعي، واليوتيوب شاهد عليكم وعلينا.

نحن نقدم أشعارا وأنت تقدمون نفورا .. نحن نقدم فنونا وأنتم تقدمون جنونا .. نحن نحلم بمجتمع رحب يسع الجميع، وأنتم ترفضون الجميع  .. نحن ندعو لإعمال العقل وأنتم دعاة النقل .. ومثلما نحن معروفون بالاسم كذلك أنتم ؛ فالقس الفلاني الذي يسب مقدسات الآخر نعرفه ، والشيخ العلاني الذي يسب مقدسات الآخر أيضا نعرفه .. كما نعرف أنصاركم وسنفضحكم ونفضح زيفكم ومكركم وكرهكم لكل ما هو جميل ومغاير ومختلف.

ماذا فعلت أمينة عبد الله؟ ما الجرم التي اقترفته؟ .. ألفت قصيدة! يا لها من جريمة

ماذا فعلتم؟ قتلتم وكفرتم وخربتم البلد.

حقيقة الأمر إن أردنا الحل لابد للوسط الثقافي أن يسجل موقفا؛ فلابد من المطالبة بعدم تعرض الكتاب لمثل هذه القضايا.

نحن نثق في حكومتنا الرشيدة ونطالب وزيرة الثقافة ورئيس الوزراء بضرورة الدخل لوقف هذا الأمر .. كما لا بد على الشاعرة أمينة عبد الله اتخاذ موقف قانوني يحفظ لها حقها؛ فمثل هؤلاء لن يكفوا إلا عندما يسمعون صوتنا ويرون ردنا.
----------------------
بقلم: مينا ناصف


مقالات اخرى للكاتب

إحنا مش ضد اليهود!





اعلان