28 - 03 - 2024

د. كريم كرم عضو مركز الحق في الدواء: التتبع يقضي على غش الأدوية

د. كريم كرم عضو مركز الحق في الدواء: التتبع يقضي على غش الأدوية

- نحتاج نظرة وتحديثا لأسعار منتجات قطاع الأعمال لتكون موازية لأقل مثيل في القطاع الخاص. 
- يجب ضم قطاع الادوية ومدينة الدواء وشركة ايجيبت فارم في منظومة واحدة ، وإنشاء كيان واحد قوي 

من ينظر لتاريخ صناعة الدواء في مصر يندهش لما وصلنا إليه من حال. هو واحد من أقدم القطاعات الاستراتيجية في مصر حيث ظهر عام 1939 عندما قام الاقتصادى الوطني الكبير "طلعت باشا حرب" بتأسيس شركة مصر للمستحضرات الصيدلية والكيميائية ، كأول شركة لصناعة الدواء في المنطقة العربية كلها ، وشهدت الفترة من 1940 إلى 1965 إنشاء العديد من الشركات الأخرى ، خصوصا بعد عام 1952 حيث أولت ثورة يوليو اهتماماً بأولوية تحقيق إ?تفاء ذاتي من الدواء ، ونجحت فعلا فى تغطية أكثر من 74% من حجم السوق الدوائى المصرى بحلول أوائل السبعينيات ، لكن هذا تغير مع بداية عام 1974، حيث بدأ عصر الانفتاح الاقتصادي، وبالتالي تراجعت الصناعة المحلية، ومنذ ذلك الحين يشهد قطاع الدواء مشاكل كثيرة أدت إلى الكثير من الفوضى والتخبط. 

مع ذلك واصل قطاع الدواء (العام والخاص) تقدمه ، وتمكن من تغطية 90%  من حاجة المصريين في ( 2012 / 2013 ) ، وتواصل تصدير الدواء المصري إلى العديد من الدول العربية والأفريقية ، لتصل قيمة الصادرات نحو 256 مليون دولار عام 2013 

ماذا حدث ولماذا تغيرت الصورة وما هي مشاكل القطاع ؟ كان هذا موضوع الحوار مع الدكتور كريم كرم مسئول ملف الأدوية بالمركز المصري للحق في الدواء.

تخرج كريم كرم في كلية الصيدلة عام 2005، وعمل بالشركة المصرية للأدوية حتى تدرج من نائب مدير بعدة فروع الى مدير فرع الكورنيش ثم قطاع التخزين ، تولى كرم منصب نائب رئيس اللجنة النقابية للمصرية للأدوية الى جانب منصب مقرر صيادلة قطاع الأعمال بلجنة الصيادلة الحكوميين فى نقابة صيادلة مصر.

وهذا نص الحوار:

* قطاع الأدوية من القطاعات الانتاجية المهمة والتي يمكن أن ترفع من الصادرات المصرية وهناك أسواق اقليمية مهمة كان يمكن أن تحظي مصر بامتياز فيها ،لماذا أصبح هذا القطاع عاجزا .. ماهي المشاكل التي يعاني منها؟

- مصر لديها مشاكل في التصدير حيث أن سعر التصدير يعتمد علي بلد وسعرالمنشأ وسعر المنشأ في مصر قليل ، ونحتاج لقرارات تنظيمية للتصدير ومصر تصدر برقم جيد لإفريقيا ولكن لم تصل للرقم المطلوب ، بعكس الاردن حيث أن حجم صادراتها برقم كبير جدا بالنسبة لنا. 

من المطلوب تطوير القانون وإعطاء تسهيلات لتصنيع الأدوية لأن مصر بموقعها الاستراتيجي تستطيع أن تصل لإفريقيا وأن  تكون وكيلا لأشياء كثيرة. 

* رغم تحديث الإطار التنظيمي لعمل قطاع الدواء ، والذي قد يحل بعض المشاكل مثل مزايا الشراء الموحد ، وتنظيم جهات الرقابة إداريا في جهة واحدة ، تظل بعض التحديات موجودة مثل غياب تصنيع المواد الخام والنسبة العالية للأدوية المغشوشة ورفع كفاءة الجهات الرقابية ، أليست هناك حلول؟

- مشكلة الأدوية المغشوشة موجودة في العالم كله ، ولكن تتزايد في مصر بسبب وجود السوق السوداء والأماكن المتاحة لبيع الأدوية المغشوشة والمهربة  مثل التطبيقات الالكترونية والبيع أونلاين والذي لا توجد عليه رقابة جيدة ، ونحتاج لقوانين صارمة و تنسيق مع العلاج الحر في هيئة الدواء لكي نستطيع أن نتحكم في جودة الدواء. 

لدينا التتبع الدوائي لو طبق في مصر سيقضي علي الغش الدوائي ، فالمنتج يسجل عليه منذ دخوله كمادة خام حتي يخرج للمستهلك والصيدلية يكون لديها باركود تعرف به لو كان الدواء مغشوشا ام لا ، ولو كان مغشوشا لن تستلمه ، وللأسف هناك معدومي الضمير ممن يروجون للمنتجات من خلال الصيدليات بخصومات كبيرة ، ومن الصيادلة من يكونون علي علم بذلك ويروجون لهذه المنتجات  المغشوشة ولكن بنسبة قليلة. وكان دواء اليونيكتام مثالا علي هذه الأدوية المغشوشة التي أعلن عنها علي شاشة بعض القنوات التليفزيونية وتسبب في حالات وفاة.  

* يساهم القطاع العام في صناعة الأدوية في مصر بنسبة لاتزيد عن 6 % من حصة السوق ، بينما تصل نسبة القطاع الخاص إلي 94 % مالذي أدي إلى سيطرة القطاع الخاص وضعف الشركات العامة رغم أن مصر كدولة تعتبر رائدة في صناعة الأدوية ؟ 

- الاصناف أسعارها غير مواكبة لأسعار السوق ، فالمنتج البديل يكون سعره مثلا 50 جنيها ونري المنتج لدينا سعره 7 جنيهات وهو سعر التكلفة ، فيخسر المصنع وينتجتشغيلة وأحدة أو اتنتين ولا ينتج مرة أخري ، لذلك نحتاج نظرة وتحديثا لأسعار منتجات قطاع الأعمال لتكون موازية لأقل مثيل في القطاع الخاص. 

قطاع الأعمال أيضا لديه مشكلة في الانفاق علي الدعاية ، لذلك لا يستطيع البيع بشكل جيد وليس لديه نفس المزايا التنافسية للقطاع الخاص ولديه رقابة شديدة ولا يستطيع عمل مزايا بيعية بالمقارنة بالقطاع الخاص ، ولذلك يحتاج القطاع العام إلى قيادة قوية وسيولة تنفق عليه ، وللأسف يلجأون للقروض في هذه الفترة. 

هناك 9 شركات قطاع أعمال لابد من دمجها في شركتين او ثلاثة ودمج المنتجات مع بعضها والأصناف المتشابهة أيضا ، وعمل دراسة للأصناف الأكثر ربحية والأقل ربحية والخاسرة وتعديل أسعارها لكي تستطيع أن تنفق على الدعاية لتزيد المبيعات. 

لابد أن تستخدم المناقصات أدوية قطاع الأعمال لأنها من الدولة للدولة ، لكن المناقصات عندما تدخل فيها شركات قطاع الأعمال تكون مكسبا للدولة ويحدث تطور في التأمين الصحي لأنه يعتمد علي أدوية القطاع العام. 

* أحد نقاط الضعف في صناعة الدواء في مصر هو أنها تقوم علي إستيراد المواد الخام الدوائية من الخارج ولهذا السبب تعاني من نقص توافر الموردين ، أليست هناك وسائل لتوفير هذه الواد الخام محليا وخاصة أن مصر لديها تنوع في البيئات الزراعية ؟ 

- كل دول العالم تستورد المواد الخام ، والموردين الأساسيين هما الصين والهند ، وتصنيع المواد الخام كان حلم المصريين منذ أيام جمال عبد الناصر، وكانت لدينا شركة النصر لتصنيع المواد الخام ولكن لم تكتمل وهناك أنباء عن إنشاء شركة كبيرة في قناة السويس لتصنيع المواد الخام وتوزيعها لأن هذا يوفر أموالا كثيرة ، ولكن سيحتاج وقتا وميزانية كبيرة. 

* ارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية هم يؤرق كل مصري ، من المسؤول عن استمرارها في الأرتفاع بمعدلات تثير متاعب للمصريين البسطاء؟ 

- أسعار الأدوية عرض وطلب ، فالمواد الخام والورق والمستلزمات مستوردة ، نستورد الورق البنفلت وعلب الكرتون والبلاستيك والزجاج  والعلب التي يصنع فيها بخاخات الاستنشاق  والأحبار ، نحتاج لتوطين صناعة هذه المنتجات وبيعها بأسعار تنافسية ، بذلك نكون وفرنا عبء الاستيراد وتدبير الدولارات. وهذا سيشجع إنشاء شركات جديدة وتحريك السوق المصرية 

الاسعار تتزايد لأننا تستورد المواد الخام وأسعارها تزيد ، بالإضافة لزيادة تكاليف النقل والشحن مع زيادة أسعار البنزين ، لذلك لابد من التصنيع محليا ، فكل هذه الاشياء ليس لها بديل 

والحل الأمثل هو أن يغطي قانون التأمين الصحي الشامل المواطنين مثل أي دولة أوربية ، بحيث يتم دفع نسبة بسيطة من أسعارالأدوية . 

* الأدوية المهربة والمغشوشة في مصر تمثل صداعا لاينتهي وفي عام 2015 بلغت نحو 15 % من حجم تجارة الدواء ، وتباع عن طريق العيادات الطبية أو مواقع التواصل الاجتماعي وأحيانا بعض الصيدليات ، ماهي الحلول ؟

- الحلول تغليظ القوانين وتطبيقها بكل صرامة وشدة ، فقانون الصيادلة لابد من تغييره ، لأن القانون الحالي لم يتغير منذ عام 1976 ، وهو غير متواكب مع التحديثات الجديدة ، لابد ان تكون الغرامات 10 اضعاف الغرامات القديمة لكي تكون رادعا قويا للذين يبيعون في العيادات ويخالفون القانون ، فالصيدليات فقط هي المصرح لها ببيع الأدوية ، وأي منتج من خارجها إما دواء مغشوش أو غير مرخص ، وكذلك منع تداول بيع الأدوية علي مواقع التواصل الاجتماعي ، وتفعيل دور العلاج الحر أكثر من ذلك.

* قانون هيئة الشراء الموحد والذي يمنح اختصاصات واسعة لشراء احتياجات القطاع العام الصحي ، حيث تتولي دون غيرها ، إجراء عمليات شراء المستحضرات والمستلزمات الطبية البشرية لجميع الجهات والهيئات الحكومية ، هل نجح في حل المشاكل التي أنشئت الهيئة من أجلها ؟

- من أفضل القرارات أن توحد هيئة الشراء والمناقصات وميزانيات المستشفيات والهيئات ، ويتم الشراء عبر مصدر واحد ، هو قرار متأخر ولكنه ناجح ويوفر أفضل الفرص ، كما يمنع حدوث فساد أو تسرب للميزانيات أو شراء الدواء بأسعار مختلفة وتوحيد جهة الشراء يوفر للدولة كثيرا 

ومن المتوقع خلال الـ 5 سنوات القادمة أن ينجح نجاحا باهرا ، فهيئة الشراء الموحد بها قيادات محترمة وفاهمة في الدواء وتضع استراتيجية الشراء الموحد علي مستوي الجمهورية وتطرح جميع المناقصات ، كما تحل أي مشكلة في نقص الدواء بتنقص وتطرح البديل المناسب للأصناف التي ليست لها بدائل ، وتقوم باستيرادها بالأمر المباشر.

* سمعنا أخبارا كثيرة وخصصت تغطيات إعلامية عن تصنيع لقاح كورونا وأدوية تساهم في مكافحتها هل كانت مجرد شو إعلامي وانتهي؟ أم تم اتخاذ خطوات جادة ثم توقفت ؟ 

- الإعلام "بيحب يفرقع" ، حيث أن لقاح كورونا المصري لازال في التجارب النهائية ولم نطبق التجارب السريرية بالكامل ، فهناك بروتوكولات علاج والبروتوكول المصري من أوائل البرتوكولات الموجودة في القيد العالمي ، كانت الاصابات تشفي ونسب الوفيات قليلة جدا مقارنة بدول أوربية وكل 6 شهور يتم تحديث البروتوكول وإضافة الأدوية الجديدة ، وتم اضافة الدواء الاخيرالذي يستورد عن طريق 5 شركات محلية واسمه "فابو فير" ويتم استخدامه للحالات المتوسطة والخفيفة وتم تقليل العزل المنزلي عن طريق البروتوكول ولجنة متابعة كورونا. 

ولو أعطيت  الفرصةللطبيب والصيدلي المصري وتوافرت الامكانيات ومناخ البحث العلمي المناسب يستطبع أن ينهض بصناعة الدواء ويدر مبالغ فلكية أكثر من السياحة ، ولكن لايوجد اهتمام بالعلاج الطبي أو البحث الطبي ، فهذا يتطلب ميزانيات من الشركات العالمية والشركات المحلية لإقامة وحدات بحثية في كل شركة تنشر أوراقا بحثية كل سنة وتخرج بأدوية وابتكارات. 

* غياب الدولة وانعدام الارادة السياسية عن قطاع الدواء .. ألم يتسبب في حرمان مصر من عوائد صناعة كان يمكن أن تدر عليها عشرات أومئات المليارات سنويا ؟ أليست هناك دراسات جدوي جادة للنهوض بهذا القطاع؟ 

- لا نستطيع أن نقول غياب الدولة ، ولكن هناك أولويات .. فقد تم إنشاء مدينة الدواء العالمية في مدينة الخانكة وانشاء شركة ايجيبت فارم ، ولكن لابد من ضم قطاع الادوية ومدينة الدواء وشركة ايجيبت فارم في منظومة واحدة ، وإنشاء كيان واحد قوي يستطيع ينافس القطاع الخاص ويكون ذراع الدولة السياسي ، فإذا تم تأمين غذائنا ودوائنا وسلاحنا لن يستطيع احد أن يلوي ذراعنا ، وعندما تأسست الشركة القابضة للأدوية والشركة المصرية للأدوية أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تأسست لهذا الغرض وللسيطرة علي الدواء ، والاهم اختيار قيادات واعية وفاهمة وألا نعتمد علي الكبار في السن ، لابد من الاعتماد علي الشباب لأنهم يستطيعون النهوض بالقطاعات ، وهم الأمل ، والرئيس مهتم بالشباب اهتماما كاملا.
-----------------------------
حوار – آمال عبدالله
من المشهد الأسبوعية






اعلان