تربطني بالموسيقى علاقة قوية، قيل لي ذات مرة ؛ لكِ ذوقك الخاص ولديكِ ثقافة موسيقية جيدة ، أجيب أنني فقط أحاول ، هذا ليس تخصصي ولكني دائما أجد نفسي بين الموسيقي والألحان، فانجذابي الأول يكون للحن وبعدها يأتي أي شيء آخر، وفي عالم الألحان يحتل بليغ حمدي مكانة خاصة ، فهو صاحب مدرسة لحنية لا يجاريه فيها أحد ، لا أخفي حبي للكثير من الملحنين ولكن من له قدسية خاصة ومنزلة متميزة هو بليغ، بقيت دائما عاجزة أمام ألحانه، سهرت ليالي كاملة أريد تفسيراً وتحليلاً لشعوره وقت ابداع ألحانه ولجمالها ! ألحانه تتكلم، أسمعها جيدا وأشعر بها ولولا مقاومتي كل مرة أمامها لفقدت صوابي ! حقا انا لا أعرف شيئا عن حياته ولكن أعتقد أنه كان يمر بالكثير وهذا من حظنا نحن، واتساءل كيف نسمع مثل هذه الالحان ولا ندفع ضريبة سماعها ! يا له من لطف.
أعرف أن الحياة أحياناً تجمعنا بأشخاصٍ نحبهم عندما نستمع إليهم و دون أن نراهم، نقف وقتها حيارى لا نعرف ماذا نقول وبماذا نعبر فقط نسمع ونستمتع، ويا لها من مشقة !
بليغ ملك السهل الممتنع، تشعر أنه قريب منك، هو واحد منا، يعرف جيداً ما نمر به من تعاسة وحزن وكآبة ويلعب علي أوتار ذلك كله ،"فيقطع القلب"كما تقول أمي وهي متأثرة بمشهد ما.
وصفه الشاعر كامل الشناوي بأنه أمل مصر في الموسيقى، كما لقب بسيد درويش العصر وكان لقبه الأشهر هو (ملك الموسيقى) ، أما بين أصدقائه ومعارفه ومحبيه فهو "بلبل"، لم يلحن فقط بل كتب أيضاً بعض أغانيه في فترة تحت اسم مستعار مسجل هو (ابن النيل) ، وفي فترة لاحقة باسمه المعلن.
تحل اليوم الذكرى الـ29 لرحيل كروان الألحان بليغ حمدي، والذي رحل عام 1993 عن عمر ناهز 62 عاما، بعد صراع طويل مع مرض الكبد، رحل وتركنا نتساءل عن أي عبقرية تمتلكها أنغامه الخالدة والتي تتوارثها الأجيال بنفس عنفوانها وقيمتها.
بدأ بليغ الألحان العربية رحلته مع الأنغام في سن السابعة ، حين عشقت أنامله أوتار العود ليخرج أقوى وأعظم الألحان لكبار نجوم الزمن الجميل "أم كلثوم، عبدالحليم حافظ ، وردة ، شادية ، وردة ، نجاة الصغيرة ، فايزة أحمد ، محرم فؤاد ، وديع الصافي ، سميرة سعيد ، عفاف راضي ، أصالة ، ميادة الحناوي".
ولد بليغ عبدالحميد حمدي مرسي في حي شبرا بالقاهرة في 7 أكتوبر 1931، كان والده يعمل أستاذًا للفيزياء في جامعة فؤاد الأول، أتقن العزف على العود وهو يتم السابعة من عمره، وعندما بلغ 12 عاماً قرر أن يدرس أصول الموسيقى، فحاول أن يلتحق بمعهد فؤاد الأول، لكنه لم يتمكن لسنه الصغير.
التحق بمدرسة شبرا الثانوية، وفي الوقت نفسه كان يدرس أصول الموسيقى في مدرسة عبدالحفيظ إمام للموسيقى الشرقية، وتتلمذ على يد درويش الحريري وتعرف من خلاله على الموشحات العربية. ثم التحق بليغ بكلية الحقوق، كما التحق بشكل أكاديمي بمعهد فؤاد الأول للموسيقي (معهد الموسيقى العربية حاليًا).
كانت بداية دخوله إلى عالم الفن عندما أقنعه "محمد حسن الشجاعي" مستشار الإذاعة المصرية باحتراف الغناء، وبالفعل سجل للإذاعة أربع أغنيات وكان تركيزه في التلحين فلحن أغنيتين لفايدة كامل هما "ليه لأ " "ليه فاتني ليه" و اغنية "متحبنيش بالشكل ده" لفايزة أحمد وتوطدت علاقته الموسيقار الكبير محمد فوزي الذي منحه فرصة التلحين لكبار المطربين والمطربات من خلال شركة (مصر فون) وفي عام 1957 قدم أول ألحانه لعبد الحليم حافظ "تخونوه".
استطاع بليغ منذ ظهوره الأول تقديم اللحن المتفرد العبقري، كما استطاع ان يحجز موقعه المتميز في الموسيقى العربية وكان إسهامه الأساسي هو إيصال الموسيقى والإيقاعات الشعبية المصرية بطريقة تتناسب مع أصوات المغنين الكبار أمثال أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وشادية، وغيرهم.
قام بليغ بتلحين جميع الألوان الغنائية ما بين الشعبية والرومانسية والوطنية والحماسية وحتي أغاني الأطفال مثل أغنية (انا عندي بغبغان) وأغاني أخرى في مسلسل أوراق الورد للفنانة الكبيرة وردة.
اشتهر بليغ بسهولة وبساطة ألحانه، الأمر الذي يجعل أي متذوق للموسيقى قادر على التفرقة بين موسيقاه وأي موسيقى أخرى يستمع إليها.
لحن بليغ حمدي لكبار المطربين وتركت الحانه بصمات وعلامات في وجدان الجمهور وأبرزهم كوكب الشرق ام كلثوم وقتما كانت تريد ان تتحرر من اللون السنباطي فلحن لها "حب إيه" وحقق اللحن نجاحا ساحقا ، ثم "انساك" "الحب كله" "سيرة الحب" وهي من احب ما لحن بليغ لام كلثوم ويقال انه وهو على فراش المرض اخذ العود واخذ يدندن بسيرة الحب ولحن ايضا "بعيد عنك" و"إنا فدائيون أو سقط القناع".
وبخصوص علاقة بليغ وام كلثوم كانت الصدفة وحدها ، هي ما قادت “بليغ” للتعاون مع "كوكب الشرق"، ليكتبا معًا قصة نجاح فريدة بأعمال عظيمة كانت ولاتزال عالقة في أذهان كل عاشق لفن "الزمن الجميل"، فقد كان بليغ من أعز أصدقاء الفنان محمد فوزي الذي تعاقدت شركته حينها مع عدد من المطربين والمطربات لتسجيل أعمالهم على أسطوانات وفي مقدمتهم السيدة أم كلثوم.
صاغ "بليغ" أجمل الأغنيات التي قدمتها أم كلثوم، ولك أن تتخيل أنه عندما بدأ بليغ الدخول في سباق صناعة الأغنية بدأ منافسا الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، الذي كان يتربع في ذلك وقتها على عرش صناعة الأغنية والألحان في مصر والوطن العربي.
وعن أول لقاء بـ"كوكب الشرق"، يقول "بليغ": "كان صديقي الشاعر عبد الوهاب محمد، وألقى عليّ كلمات أغنية جديدة من أشعاره وهي (حب إيه اللي أنت جاي تقول عليه) فأعجبتني كلماتها ، وفي الحال قمت بتلحين مذهب الأغنية، وأخذت أردد هذا الجزء في المجالس التي تضمني مع عدد من الزملاء الفنانين، وكنت أصنع هذا اللحن للمطرب محمد فوزي تحديداً".
لم تمر عدة أيام، إلا وجاء صديقه المطرب والمنتج محمد فوزي، ودعاه إلى حفل في منزل د. زكى سويدان، وأبلغه أن السيدة أم كلثوم ستكون حاضرة ، وطلب منه أن يعرض عليها لحن "حب إيه"، فرد عليه "بليغ": "أنا أعمل على هذا اللحن منذ شهرين تقريبًا حتى تؤديه بصوتك أنت يا فوزي"، ليرد "فوزي": "اللحن ده أنا شايفه هايبقى أنجح بصوت كوكب الشرق، وأكيد الست هاتبدع فيه أكتر، وجرب مش هاتخسر حاجة".
ذهب "بليغ" إلى حفل د. زكي سويدان، وبالفعل تقابل مع أم كلثوم، وعرض عليها لحن الأغنية الشهيرة أمام الجميع، وما لفت انتباه الجميع هو تركيز وسكون "أم كلثوم" وهي تسمع اللحن من "بليغ"، وبمجرد انتهائه، قالت له: "هذه الأغنية سوف أقدمها للجمهور في حفل الشهر المقبل"، ومن هنا انطلقت مسيرة "بليغ" في التعاون مع كوكب الشرق، والتي أثمرت بعدا تاريخا حافلا من الأعمال الخالدة.
حتى منتصف السبعينيات، قدّم بليغ حمدي 30 أغنية مع عبد الحليم حافظ، وربطت بينهما علاقة قوية، وبدأ التعاون بينهما بـ "تخونوه" عام 1957، وبعدها "خسارة" و"خايف مرة أحب" و"أعز الناس" و"سواح" و"على حسب وداد قلبي" و"التوبة" و"جانا الهوى" و"عدى النهار" و"المسيح" و"البندقية" و"فدائي" و"الهوى هوايا" و"موعود" و"زي الهوا" و"مداح القمر" و"حاول تفتكرني" و"ماشي الطريق" و"بحلم بيوم" و"عاش اللي قال" و"الماء والخضرة" و"قومي يا مصر" و"مصر يا بلادي" و"الفجر لاح" و"أرضنا الخضرا" و"الجزائر" و"يا ليالي محدش خالي" و"أي دمعة حزن لا" و"حبيبتي من تكون؟".
فكانت علاقته بعبد الحليم وطيدة حتى أنه أقام عزاء العندليب في منزله، ورفض أن يغني أحد أياً من الألحان التي قدمها لعبد الحليم، وآخرها لحن "الحب أحلى من حلاوته مفيش"، وإن كانت أيضاً علاقتهما مرت ببعض فترات الخلاف، وقال بليغ حمدي عنه إنه "الإرهاب الفني" وتحدث عن زعل عبد الحليم منه، إذ قدم ألحاناً لفنانين أخرين، ولكن سرعان ما انتهى الخلاف.
تعاون بليغ أيضا مع شادية في عدة أعمال خالدة منها "والنبى وحشتنا" "أنا عندي مشكلة" "الحنة" ""قولوا لعين الشمس" "خلاص مسافر" "والله يازمن" "أدخلوها سالمين" "مكسوفه" "اه يااسمرانى اللون" ، كما لحن أغاني فيلم (شيء من الخوف) وجميع أغاني واسكتشات مسرحيتها "ريا وسكينه"، ولحن وأغاني فيلم "أضواء المدينة" مع أحمد مظهر وجورج سيدهم.
كما تعاون بليغ أيضا مع الفنانة نجاة وقدم لها عدة أغان رائعة منها: "أنا بستناك" "كل شيء راح" "الطير المسافر" ، أما صباح فكان لها نصيب كبير ولحن لها "عاشقه وغلبانه" "يانا يانا" "زى العسل" "جانى وطلب السماح" "أمورتى الحلوه" و "كل حب وانت طيب" ، اما سميرة سعيد فتعد من أكثر مطربات جيلها الذين غنوا من الحان بليغ وأول اغنية قدمها لها كانت "زي البحر حبيبي" بألبوم "بقى ده اسمه كلام" سنة 1978 وفي عام 1979 م قدمت معه ألبومين كما قدم لميادة الحناوي عشرات الأغاني الناجحة منها "الحب اللي كان" و"أنا بعشقك" "مش عوايدك" "فاتت سنة" "سيدي أنا" "أول واخر حبيب" ، وتعاون مع عزيزة جلال في اغنية "مستنياك" ، ولحن لهاني شاكر واكتشف على الحجار.
كما اهتم بليغ خلال مشواره بالمسرح الغنائي وقدم عدة مسرحيات غنائية وأوبرتات استعراضية أهمها (مهر العروسة / تمر حنة / ياسين ولدي). واتجه بليغ إلى الفلكلور المصري وتعاون مع الثنائي محمد رشدي وعبد الرحمن الأبنودي في (عدوية / بلديات / وسع للنور) كما قدم لمحمد رشدي من كلمات آخرين (ميتى أشوفك / على الرملة / مغرم صبابة / طاير يا هوى).
ووضع بليغ الموسيقي التصويرية لكثير من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية نذكر من الأفلام(احنا بتوع الاتوبيس /شيء من الخوف / أبناء الصمت / العمر لحظة / آه يا ليل يا زمن / أضواء المدينة)، ومن المسرحيات (ريا وسكينة / زقاق المدق / تمر حنه) ومن المسلسلات "بوابة الحلوانى".
بليغ ووردة الجزائرية
قدم بليغ وردة إلى الفن وأعطاها كل ما يملك وجعلها أيقونة بدافع الحب، فقد كان أول لقاء يجمعهما في منزل الموسيقار الراحل محمد فوزي في بداية الستينات، حيث اتفقا أن يلحن لها أغنية «يا نخلتين في العلالي» من فيلم «ألمظ وعبده الحامولي»، وعندما ذهب لتحفيظها اللحن بحضور الإعلامي الراحل وجدي الحكيم بدأ حبهما.
ويقول الحكيم، إن هذا اللقاء كان شرارة الحب بينهما، حيث أخبره بليغ أنه لم يهتز لامرأة إلا عندما تعرف على وردة لأول مرة وسلم عليها، وعندما ذهب بليغ بصحبة الحكيم ومجدي العمروسي لخطبة وردة من والدها رفض دخولهم من باب المنزل، ولكن حبهما لم ينته واستمرت لقاءاتهما، فقررت أسرتها الابتعاد بابنتهم إلى الجزائر، وتزوجت وردة هناك من الضابط جمال قصري.
وبعد عدة سنوات تحديدًا يوم الاحتفال باستقلال الجزائر ذهب عدد من الفنانين المصريين إلى هذا الاحتفال وكان من بينهم: هدى سلطان، ومحمد رشدي، وبليغ حمدي، وذهبت وردة إليهم لتحيتهم، وعندما رآها بليغ أمسك بالعود وقام بكتابة أغنية «العيون السود» التي تصف قصة حبهما.
وبعد عام ونصف انفصلت وردة عن زوجها وعادت إلى مصر، وقامت بغناء «العيون السود» عام 1972، ثم تزوجت ببليغ حمدي، حيث عقدا قرانهما أثناء وجودهما في منزل الفنانة نجوى فؤاد، وقام العندليب عبد الحليم حافظ بغناء «مبروك عليك»، واستمر زواجهما 6 سنوات قبل أن ينفصلا. ورغم طلاقهما إلا أن حبهما ظل قائمًا حتى وفاة بليغ حمدي، الذي كتب لها قبل وفاته أغنية «بودعك».
كانت الغيرة واعتياد وردة على الحياة الأسرية التي لم يعتدها بليغ هي سبب الإنفصال بينهما، مما تسبب في تدهور حالة بليغ الصحية والنفسية، حتى أنه كاد يُصاب بالاكتئاب، كما أصيبت وردة بعد الطلاق بانفجار الزائدة الدودية وكادت تفقد حياتها. وحتى مع الفراق لم ينته الحب بين وردة وبليغ ، وكتب بليغ أغنية بودعك تجسيدا لمشاعره بعد فراق وردة ، وطلب من وردة أثناء مكالمة تليفونية من منفاه في فرنسا أن تغنّيها، وظل بليغ يحبها إلى آخر يوم في حياته، حتى أن ابن شقيقه قال إنه كان يردد اسمها قبل وفاته في 1993.
وقال وجدي الحكيم إن الفنانة وردة ندمت على الانفصال عن بليغ، وقالت له: "تعاملي مع بليغ بعد انفصالنا خلاني ندمت على الانفصال، ولو كنت عرفت بليغ زي ما عرفته بعد الانفصال كانت الحياة استمرت بيننا".
وغنّت وردة أغنية "بودعك" التي كانت آخر أغنية جمعتها مع بليغ، وبعد وفاته أصيبت بحالة اكتئاب شديدة، وظلّت في كل لقاءاتها تتحدث عنه، إلى أن توفيت في عام 2013، بعد عشرين عاما من وفاته.
ولحن بليغ لوردة عدة أغاني منها "العيون السود" "خليك هنا" "حكايتى مع الزمان" "لو سألوك" "بودعك" "اشتروني" "وحشتوني" "احضنوا الأيام" "والله يا مصر زمان" "يا نخلتين في العلالى" "عايزة معجزة""دار يا دار" "حنين" "ليالينا" و "علي الربابه".
وقيل ان مقدمة اغنية بعيد عنك، والحب كله، وسيرة الحب، وأنساك لأم كلثوم كانت رسائل غير مباشرة من بليغ لوردة وعلمت ام كلثوم بالامر وقالت له مازحة "أنت بتشتغلني كوبري للبنت اللي بتحبها".
ولم تكن وردة هي المرأة الوحيدة التي دخلت في علاقة مع بليغ ، فقد أشتهر بليغ بعلاقاته الكثيرة بالنساء وقال عنهم ذات مرة "هن كل شيء في حياتي ولا يمكن أن أتصور نفسي دونهن". ومن أشهر زيجات الملحن والمغني القدير بليغ حمدي. أمينة طحيمر التي كانت الحب الأول، ولكن لم يستمر زواجهما سوى عام واحد، ثم مرضت"طحيمر" عقب الانفصال وتوفيت.
بعدها خطب بليغ الراقصة سامية جمال، ولكن لم تستمر خطبتهما سوى شهور قليلة. كما شبت مشاعر عاطفية بين "بليغ" وبين ابنة الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، ما دفعه للتقدم لخطبتها وطلب يدها من والدها لكن عبدالوهاب رفض، ومن ثم توفت ابنته.
نوى "بليغ" و "صباح" الزواج في إحدى السهرات التي كان يلتقي فيها عدد من الفنانات والفنانين ورجال الصحافة في منزل المطربة المغربية "سميرة سعيد"، ووفقاً للحكاية التي رواها الصحفي "محمد بديع سربيه" يقول: "حملت القلم وأخذت أكتب ما يملي علي من الحاضرين، ومن الثلاثة الذين أبدوا استعدادهم ليكونوا معي شهود العقد، ووقعوا عليه، وهم: الفنان هاني مهنا، والمنتج التلفزيوني إبراهيم أبو ذكرى، والصحافي سيد فرغلي، ووضعت العقد أمام صباح، فوقعت عليه، وناولته بليغ حمدي لكي يوقعه ويحتفظ به، ولكنه وقعه وأعاده إلي، فوضعته في جيبي". في اليوم التالي انتشر خبر زواج صباح من"بليغ" الذي لم يتم، ما اضطر صباح للاتصال بـ "سربيه" لتطلب منه تكذيب خبر الزواج، قائلة: "أنا اقدر بليغ كصديق وزميل، ولكنني لم أعد أفكر بالزواج، والحكاية كلها مجرد هزار في هزار".
واختتم بليغ علاقاته مع المطربة السورية الجميلة "ميادة الحناوي" التي عادت إلى مصر لتلاحقها الشائعات حول علاقتها العاطفية مع "بليغ" الذي تزوجها لاحقًا بالفعل بعد طلاقه من "وردة". وكشفت وردة الجزائرية مفاجأة لم تكن في الحسبان قبل وفاتها، حيث صرحت أن الفنانة السورية "ميادة الحناوي" كانت سببًا في طلاقها من "بليغ"، وذلك لرغبتها في غناء أغنية "مش عوايدك" التي قدمها بليغ حمدي لميادة الحناوي.
بعدها تكاثرت الأقاويل في الوسط الفني، حول وجود علاقة عاطفية تجمع بين "بليغ" و"سميرة"، ولم ينفي أو يؤكد كلاهما الخبر، بل أثبتها بليغ بعد طلاقه من وردة حيث سافر إلى المغرب وتقدم إلى عائلة سميرة طالبا يد ابنتهم بشكل رسمي. استعدت "سميرة" وعائلتها لحفل الزفاف في الرباط، ولكن في ليلة الحفل الذي شهد حضور عدد كبير من نجوم الفن والشخصيات العامة، ليتفاجأ الجميع وعلى رأسهم سميرة سعيد باختفاء العريس "بليغ"، ليعلموا فيما بعد أنه جاء فعلا إلى المغرب، ولكنه عاد إلى القاهرة في الليلة نفسها، تاركا سميرة وعائلتها في حرج هائل مع ضيوف الحفل. وكشف "بليغ" فيما بعد عن سبب هروبه من حفل الزفاف لافتاً إلى أنه فعل ذلك من شدة حبه لها، فلو لم يكن يحبها دون كل النساء اللواتي أحببهن لما غادر المغرب عائدا، حتى لا يعذبها بتصرفاته وعاداته البوهيمية وبإدمانه للمخدرات حيث قال : "هي لا تستحق العذاب مع زوج مثلي”، حسبما كشف صديقاً مقرب له.
سميرة مليان
سميرة مليان هي مطربة مغربية عثر على جثتها ملقاة على مقربة من شرفة شقة بليغ حمدي عام 1984م. لم تكن من الشهيرات في عالم الأغنية لكنها جاءت إلى القاهرة بحثا عن مكان لها في دنيا الطرب، تعرفت على الموسيقار بليغ حمدي وفي ليلة كانت هناك سهرة في منزله ضمت العديد من أصدقائه، ظلوا يستمعون إلى المطربة المغربية، بينما دخل هو إلى غرفته لينام ويستريح ليستيقظ على صياح ونواح وعرف أن المطربة سميرة مليان عثروا عليها ملقاة في حديقة العمارة التي يقطن بها، وقيل يومها في التحقيق أن المطربة انتحرت، وظلت التحقيقات جارية إلى أن أدين فيها الموسيقار الكبير وظل خارج مصر مدة طويلة ذاق فيها الأمرين ثم عاد لكنه لم يمكث طويلا حتي رحل عن دنيانا.
سيد النقشبندي
بدأ اللقاء بين الموسيقار بليغ حمدى والشيخ سيد النقشبندى عام 1972 عندما كان السادات يحتفل بخطبة إحدى بناته فى القناطر الخيرية وكان النقشبندى موجوداً، حيث كان له فقرة رئيسية فى الاحتفال الذى كان يحضره الملحن بليغ حمدى.
يقول الإذاعى الراحل وجدى الحكيم عن هذه الواقعة: إن السادات قال لبليغ حمدى: عاوز أسمعك مع النقشبندى، وكلف الحكيم بفتح استوديو الإذاعة لهما، وعندما سمع النقشبندى ذلك وافق محرجاً، وتحدث مع الحكيم بعدها قائلاً: ما ينفعش أنشد على ألحان بليغ الراقصة، حيث كان النقشبندى قد تعود على الابتهال بما يعرفه من المقامات الموسيقية دون أن يكون هناك ملحن، وكان فى اعتقاد الشيخ أن اللحن سيفسد حالة الخشوع التى تصاحب الابتهال، ولذلك كان رد الشيخ النقشبندى: على آخر الزمن يا وجدى هاغني؟؟!! فى إشارة إلى أن الابتهال الملحن يجعل من الأنشودة الدينية أغنية.
طلب الشيخ الجليل من الحكيم الاعتذار لبليغ، ولكن استطاع الحكيم أن يقنعه بأن يستمع إلى ألحان بليغ أولاً، واصطحبه إلى استوديو الإذاعة واتفق معه على أن يتركه مع بليغ لمدة نصف ساعة وأن تكون بينهما إشارة يعرف منها الحكيم إن كانت ألحان بليغ أعجبت النقشبندى أم لا.
وأضاف الحكيم: اتفقنا أن أدخل عليهما بعد نصف ساعة، فإذا وجدت النقشبندى خلع عمامته فإن هذا يعنى أنه أعجب بألحان بليغ وإن وجدته مازال يرتديها فيعنى ذلك أنها لم تعجبه وأتحجج بأن هناك عطلاً فى الاستوديو لأنهى اللقاء ونفكر بعدها فى كيفية الاعتذار لبليغ، ويضحك وجدي الحكيم قائلاً: دخلت فإذا بالنقشبندى قد خلع العمامة والجبة والقفطان.. وقال لى: يا وجدى بليغ ده جن.
وفى هذا اللقاء انتهى بليغ من تلحين أنشودة «مولاى إنى ببابك» التى كانت بداية التعاون بين بليغ والنقشبندى، الذي أثمر بعد ذلك عن أعمال وابتهالات عديدة هى "أشرق المعصوم"، "أقول أمتى"، "أى سلوى وعزاء"، "أنغام الروح"، "رباه يا من أناجى"، "ربنا إنا جنودك"، "يارب أنا أمة"، "يا ليلة فى الدهر"، "ليلة القدر"، "دار الأرقم"، "إخوة الحق" ، "أيها الساهر"، و"ذكرى بدر".
وفى نفس هذا اللقاء الأول الذى نتج عنه تلحين أنشودة «مولاى» لحن بليغ للنقشبندى 5 ابتهالات أخرى ليكون حصيلة هذا اللقاء 6 ابتهالات، من بين مجموعة الابتهالات التى قدمها للنقشبندى، وكان بليغ هو من اختار كلمات هذه الابتهالات بالاتفاق مع الشاعر عبدالفتاح مصطفى، ولم يتقاض بليغ والنقشبندى أجراً عنها وأصبحت أنشودة «مولاى» علامة من علامات الإذاعة المصرية فى رمضان وحتى بعد أن تراجع الإقبال على الإذاعة ظلت أنشودة «مولاى» باقية محققة المزيد من الشهرة والمعجبين من كل الأعمار.
ختام رحلة شجية
في عام 2007 انتج فيلم تسجيلى عنوانه "بليغ لحن الشجن "من تأليف وإخراج وإنتاج أشرف خليل يغلب عليه الطابع الوثائقي ويتناول عالم الموسيقار المتميز.
كان آخر ما قدمه بليغ حمدي هو لحن تتر مسلسل "بوابة الحلواني"، التي كتب كلماته الشاعر الكبير سيد حجاب وغناها الفنان الكبير علي الحجار، فخرجت لنا أغنية مصرية مليئة بكلمات الغزل والعشق والشوق لمصر، تسرد تفاصيل المسلسل من ناحية وتجعلك تعشق مصر الوطن من ناحية أخرى.
وتوفى بليغ في 12 سبتمبر 1993، عن عمر يناهز 62 عامًا بعد صراع طويل مع مرض الكبد وأعلنت وزارة المالية المصرية أنها بصدد طبع عملة تذكاريه باسمه إلا أن ذلك لم يحدث حتى اللحظة ولم ينل بليغ من التكريم في حياته أو بعد مماته ما يوازي كونه أفضل من أنجبت الموسيقى العربية على الإطلاق.
------------------------
تقرير رانيا عبدالوهاب