24 - 04 - 2024

.. حين تأتي الأحلام بعد نسيانها تتهادى!

.. حين تأتي الأحلام بعد نسيانها تتهادى!

وأنت تقرأ هذه السطور أكون قد اجتزت بوابة الجوازات إلى أفق أوسع ، إلى حيث حلمت قبل أن أتم عشريناتي ولكنها طرق الحياة ومفترقاتها تأتي بنا إلى حيث لا ندري

في ٢٠١٧ شعرت أن الصحافة التي أعرفها تذهب إلى مكان لا أعرفه فسألت نفسي بجدية "أين نذهب وماذا نفعل؟" ، هذا عالم لا مكان فيه للكلمات أو أن أحباب الكلمة يتقلصون وينكمشون نحو الصور والفيديو.. هذا أنا لا أحب إلا الكتابة ولا أعرف غيرها صنعة.. سيأتي الزمن على ما نحب فيغيره وبدله، إما أن نستيقظ أو سنُنسى.

استيقظت فحاولت سقطت فقاومت

محاولات كثيرة للحصول على درجة الماجستير من جامعات المملكة المتحدة المرموقة تتعثر جميعًا أمام إنجليزية الدجاجة العرجاء التي كنت أظنها جيدة 

في ٢٠١٨ قررت اختصار الطريق من أوروبا إلى التجمع الخامس حيث الجامعة الأمريكية بالقاهرة ولكنها المفاجآت ، رفضتني المنح كافة. 

بعون أبي وببعض المدخرات صمدت في الجامعة لفصلين دراسيين قضيتهما في معهد إصلاح الدجاجة العرجاء أو إنه معهد اللغة الإنجليزية ، حتى حصدت إحدى المنح بصعوبة.

تعهدت أمام المرآة ألا أقبل بأقل من التخرج بتفوق يرضي احترامي لذاتي وقد بذلت في ذلك كثيرًا من المال والوقت والجهد والصحة ، لم يبخل الله ولم يخلف أساتذتي وعود العلم أبدًا ، تخرجت وانجزت رسالة ماجستير ظننتها معقولة ، فتم ترشيحها لنيل جائزة التميز الأكاديمي لرسائل العلوم الاجتماعية في عام تخرجي ، كان ذلك عليَ بعيدًا وكان على الله يسيرًا
… … ..

بلاد نختارها وبلاد تختارتنا ، بعد انتهاء إحدى المحاضرات أشارت لي أستاذتي وسألتني بلطفها الدائم أن أسير معها إلى الحديقة

"هل ترغبين في دراسة علوم الأديان حقًا؟.. هناك منحة في المملكة المتحدة" .. لم أخذ الأمر بجدية فلم اتخرج بعد، ولم أكتب حرفًا في رسالة الماجستير آنذاك بينما تخطط هي لعام أكاديمي قادم ، استطردت: فكري بالأمر.. هذه جامعتي حصلت منها على درجة الدكتوراة.. أراك في برنامج دراسات الإسلام والمسيحية

شكرت السيدة وعدت لقراءة ما يلزم لكتابة الرسالة فلا وقت لدي ، ثم قررت أن أسألها على اسم الجامعة في إيميل ، ردت: ادنبرة .. وارفقتها برابط برنامج الدراسة

تذكرت أن أستاذًا يركب معي أتوبيس الجامعة قال لي ذات صباح: سارة لماذا لا تذهبين إلى أدنبرة؟

قلت في سري: حاضر يا عم إن شاء الله هاخد اتوبيس دوران ادنبرة 

من باب الفضول نظرت لمتطلبات التقديم وتذكرت بألم إخفاقي مرات عدة في امتحان التوفيل.. كيف لي أن أكرر تلك التجربة المهينة؟ لن أقدم على ذلك

ظهر لي سطر أخير: هناك جامعات بعينها نعفي خريجيها من شرط اللغة ، كانت جامعتي هي الوحيدة في مصر التي منحوها هذا الامتياز ، بعدما ناقشت الماجستير وسلمته للجامعة وتسلمت شهادة تخرجي 

قررت في صباح فارغ من العمل أن اتقدم لأدنبرة فملأت الأوراق بلا مبالاة المستغني ونسيت
—— 

في عيد ميلادي جاءت أستاذتي بكارت يحمل صورة مدينة ادنبرة وهي تقول : العام القادم ستكونين هنا ، ابتسمت لها على تلك المجاملة ونسيت ، بعدها بشهر تلقيت إشعارات رفض لمنحتين جزئيتين فلم أبالي ، ثم رأيت في منامي حلمًا يعرض لي صندوق بريدي (الإيميل) هناك رسالتين من مكانين غربيين أفرح لأحدهما ولا أبالي بالأخرى
—— 

في مساء هادئ بعدما غلبني النوم وصحيت تذكرت شيئًا أريد أن أطالعه في الايميل ، رأيت نفس الرسالتين المتتاليتين الذين ظهرا في منامي ، "أخبار جديدة عن المنح" ، صحت وقد كانت صديقتي جواري ، المنح ظهرت تعالي نشوف الإيميل .كان الانترنت ضعيفًا وبطيئًا والشبكة تموت ، وقفت على أطراف أصابعي وقلت لها : "ايه دا أنا اخدت المنحة"!!!

قالت: دوسي هنا عشان نتأكد.

ضغطت فتأكدت.. ها هو اسمي .. ها هي المنحة في أدنبرة التي اختارتني فأخذتني "بشنطة هدومي"
——

أهدي ذلك للمحاولة، لأحلامي التي تتأخر بالسنوات فأنساها وأبحث عن بديل فتأتي تتهادى وكأنني لم أطاردها يومًا ، أهدى ذلك للبنت الصغيرة التي راسلت جامعة في بريطانيا حين اتمت دراستها الثانوية ثم قبلتها الـAUC فغادرت لجامعة القاهرة ، أهدي ذلك للصبر وللرفض وللدموع والمشاوير ، ولكل النجوم البعيدة حتى نلتقي في رحلة جديدة

أحب العلم لأنه يجعلني أحب ذاتي.
-------------------------
بقلم: سارة علام
* باحثة دكتوراة بجامعة أدنبرة

مقالات اخرى للكاتب

.. حين تأتي الأحلام بعد نسيانها تتهادى!





اعلان