28 - 03 - 2024

لماذا فضيلة الإمام الطيب؟

لماذا فضيلة الإمام الطيب؟

لانه لا يشبه اللحظة الراهنة بكل ما فيها من هوس ولغط وتخبط وانعدام رؤية؛ فعندما خرجت علينا العديد من الأصوات تناقشنا في أصول وأعراف وعادات وتقاليد تربينا ونشأنا عليها محدثة ضجيجا وصخبا صاحبة استنكار مجتعي شديد؛ كعادته اختار التوقيت المناسب ليحجم الجميع.

ففي تصريحها المثير للجدل قالت الدكتورة هبة قطب، استشاري العلاقات الأسرية: لا يوجد سند شرعي أو قانوني يجبر المرأة على الطبخ.

ووسط اندهاش الجميع قالت المحامية نهاد أبو القمصان، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: "الأم مش ملزمة ترضع أولادها، ولو رضعت تاخد آجر".

وما أن التقطنا أنفاسنا؛ حتى جاءت الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، واجهزت علينا بتصريح هو الأغرب: إنه لا يجب على المرأة أن تقوم بالأعمال المنزلية، وإنما تتفرغ لتربية الأبناء وطلبات الزوج.

كان القاسم المشترك بين هذه التصريحات أنها صدرت عن سيدات، وسيدات لكل منهن ثقلها في المجتمع، وهو ما أحدث فرقعة إعلامية قلبت الفيس بوك رأسا على عقب.

سمعنا من يقول كأنهن أردن هدم الأصول والأعراف والعادات والتقاليد التى تربينا ونشأنا عليها، وفي حين تساءل آخر هل هي غواية التريند التي دفعتهن لمثل هذه التصريحات؟

بينما اعتبره البعض تبصير المرأة بدورها ومسؤولياتها.

وقال آخرون هي دعوة لتمرد المرأة على الرجل.

وبطبيعة الحال أحدثت هذه التصريحات الغريبة المستغربة حالة جدل كبيرة؛ خاصة وأن فتيات التيك توك والانستجرام وعود البطل غير مؤهلات لسماع مثل هذه التصريحات، وهنا جاء دور "الطيب" ، ففي الوقت الذي حاولت فيه بعضهن إثبات صحة أفكارها بتغليف كلامهما بمسحة دينية؛ خرج فضيلته وتكلم برؤية اجتماعية، وهو غير المتوقع؛ لأن المتوقع والمنتظر والمتعارف عليه قيامه بالتحدث باسم الدين؛ فمن ناحية هو أهل لذلك، ومن ناحية أخرى هو شيخ الأزهر؛ أكبر مؤسسة إسلامية في المشرق والمغرب، ولكنه وكعادته يأتيك من حيث لا تتوقع؛ ليدهشك فتحدث بلسان علماء الاجتماع متناولا دور الأسرة وهدفها وجوهرها؛ وكأنه أراد أن يقول لهن كفى إقحام الدين في كل كبيرة وصغيرة، وكفى افتراءات، رد "الطيب" بشكل طيب ومتوازن دون أن يجرح أحدا أو يقلل من قدر أحد.

رد "الطيب" وسبقت ردوده ردود علماء النفس والاجتماع.

رد "الطيب" وضع حدا لهذه المهاترات.

هذا هو "الطيب" الذي لا يشبه اللحظة الراهنة.

لماذا إذن "الطيب"؟

استغرب الكثيرون تأييدي للرجل، ومنهم من فند بوستاتي الفيس بوكيه، ومنهم من ذكر بعض أخطاء الرجل، وتناسى جميعهم أن الرجل بشر يخطىء ويصيب، وليس معنى اختلافنا معه في مواقف أن ننكر عليه مواقفه.

دعنى أضرب لك مثالا يقرب وجهات النظر؛ لا خلاف على أن جموع المسيحيين تهيم شوقا بالمتنيح قداسة البابا شنودة الثالث، ورغم ذلك للرجل مواقفه التي كانت غير موفقة خاصة فيما يتعلق بتقريب وجهات النظر بين الطوائف المسيحية، وهذا لم ولن يمنعنا من تأييده في مواقف أخرى؛ لأنه في نهاية الأمر كان (الكبير) وللكبير هيبته.

أعرف أن الكثيرين يحتاجون لبعض الوقت كي يتمكنوا من فصل الأمور عن بعضها البعض.

وأعرف أن جموع الناس تعودت على التعميم؛ بمنطق طالما فلان أخطأ؛ فمؤكد أنه مخطىء على طول المطاف، وطالما نقف ضد فلان؛ فنقف ضده على طول المطاف؛ حتى وإن صدرت عنه مواقف جيدة.

وحقيقة الأمر للرجل مواقف كثيرة جيدة ، كان آخرها التصريحات النارية التي أدلى بها في جريدة الأزهر؛ وقت أن نعق البوم في يوم أعياد المسيحيين.

سيقول قائل وماذا عن الموقف الفلاني والموقف العلاني؛ سأرد عليهم؛ قائلا ليس مطلوبا منه فعل كل شيء وحده؛ هو يعمل قدر استطاعته.

هل عرفت لماذا إذن "الطيب"

لانه دائما يسبقنا بخطوة، يعرف جيدا متى يعتكف ومتى يصمت ومتى يتكلم، وعندما يتكلم يحدد جيدا ماذا سيقول ، فالرجل يعرف قدر نفسه بنفس القدر الذي يعرف فيه قدر خصومه، وللرجل مواقف كثيرة جدا تثبت للجميع ما أقول.

ودعني اقولها لك بكل صراحة مهما بلغت درجة خلافك معه تذكر هذه الكلمات جيدا (سيأتي يوم تعرفون فيه قيمة هذا الراجل) فعندما يصمت الأسد تنتشر الضباع، وما أكثر الضباع التي تسيء للدين وللمجتمع.

صدقوني "الطيب" اختيار إلهي تم بعناية فائقة؛ ليناسب زمنا ضنينا مملوءا بالأفكار المغلوطة المسممة، وهو الوحيد الذي يحظى بتأييد كبير يجعل لكلامه قيمة ووزن.

صدقني يا عزيزي القاريء أنا مثلك احلم بمجتمع يضمن العيش المشترك وقبول الآخر، وعدم هيمنة المؤسسات الدينية، ولكن هذا معه وقت طويل؛ فدعنا نتعامل مع الواقع بمعطياته الحالية، ولا نسأل لماذا "الطيب"؟.
-----------------------------
بقلم : مينا ناصف

مقالات اخرى للكاتب

إحنا مش ضد اليهود!





اعلان