التضخــم هو نسبــة تغيــر في أسعار السلع والخدمات من فترة إلى فترة: من شهر إلى شهر أو ربع سنة إلى ربع سنة، أو من سنة إلى سنـة.
فالأسعار المرتفعة ينتج عنها تآكل الأجور والمدخرات الحقيقية، مما يجعل الأسر أكثر فقرًا بل ربما تسقط الأسر التي تمكنت من الإفلات من الفقر في الفترة الأخيرة إلى السقوط في براثنه مرة ثانية بسبب ارتفاع معدلات التضخم.
ولا شك أن مقياس التضخـم هو أسعار المستهلك، حيث يقيس تكلفة السلع والخدمات التي يشتريها المستهلكون إلاّ أن تركيبة الإنفاق تختلف اختلافاً كبيرًا حسب شرائح الدخل.
والمثـال لذلك أن الأسر الأقل دخلاً في بلدان الأسواق الصاعدة والاقتصادات الناميـة تنفق نحو 50 % من دخلهـا للحصول على المواد الغذائيـة أما الأسر الأعلى دخلاً، فلا تتجاوز نسبة إنفاقها على المواد الغذائيــة 20% من دخلهـا.
وقد تعرض العالم بسبب الحرب في أوكرانيا وفي ظل تبعات جائحة كورونا إلى موجات تضخم أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية بشكل متسارع. ومع استمرار الحرب يزداد خطر المزيد من التضخم العالمي الذي ضرب أوروبا بقوة.
وقد ذكر صندوق النقد الدولي أنه "يمكن لتقديراتنا الخاصة بالنمو المعرض للخطر، والتي تربط مخاطر هبوط النمو الاقتصادي في المستقبل بالظروف المالية الكلية، أن تشهد زيادة كبيرة إذا ارتفعت المعدلات الحقيقية فجأة وتشديد الظروف المالية الأوسع". فيما ساعدت الظروف الميسرة الحكومات العالمية والمستهلكين والشركات على مقاومة الوباء، لكن هذا يمكن أن ينعكس مع تشديد السياسة النقدية لكبح التضخم، مما يؤدي إلى اعتدال التوسعات الاقتصادية.
فظاهرة التضخم تعتبر من الظواهر الإقتصادية التي تشكل تحديًا أمام اقتصاديات الدول النامية والمتقدمة على حد سواء نظرًا لتأثيرها الكبير على متغيرات اقتصادية كلية مثل الادخار والاستثمار والنمو الاقتصادي، فالحفاظ على معدلات تضخم مستقرة ومنخفضة يعد من أهم التحديات التي تواجه إدارة الاقتصاد في معظم الدول. فعدم الاقتصاد السعري الذي ينتج بسبب التضخم، يؤثر تأثيراً سلبياً في الممارسات الاقتصادية ما يضعف القدرة على التخطيط المستقبلي الكفء وهو ما يجعل الدول تنأى بنفسها عن الدخول في عقود طويلة الأجل وهو ما ينعكس سلباً على معدلات النمو الاقتصادي.
وقد يحدث التضخم نتيجة لاقتصاد ساخن، إذا كان المستهلكون يشترون السلع والخدمات بإلحاح شديد، فقد تحتاج الشركات إلى رفع الأسعار لأنها تفتقر إلى الإمدادات الكافية. ويمكن أن تؤدي مشاكل سلسلة التوريد إلى نقص المعروض من السلع، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
والحقيقة أن اقتصاد البلد الذي يعاني التضخم المفرط يخسر كثيرًا، فتشير الأدبيات الاقتصادية إلى وجود رابط وعلاقة بين التضخم والنمو الاقتصادي خاصة أن أي اقتصاد يهدف إلى الحصول على معدلات نمو مرتفعة ومعدلات تضخم مستقرة، وذلك باتخاذ مجموعة من الاجراءات والسياسات الاقتصادية المختلفة يمكن من خلالها ترويضه أو الحد منــه:-
1- يأتي على رأس هذه السياسات، ضرورة تخفيض الانفاق الحكومي في ظل وضع سياسات أجور تستهدف السيطرة على معدلات التضخم.
2- تنويع الموارد المالية والمحلية والعمل على تنميتها، بما يساهم في توفير الموارد المالية التي تستلزمها عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
3- تمويل الاستثمار الجاري تنفيذه بموارد حقيقة، وإلاّ سوف يؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في المستوى العام للأسعار .
ورغم أهمية الاستعانة بإجراءات الرعاية الاجتماعية لحماية المواطنين الأشد فقرًا من ارتفاع الأسعار فإنه يجب أن تشمل عددا من ضوابط الأمان، مثل: التحويلات النقدية، والمواد الغذائية، والتحويلات العينية، وبرامج التغذية المدرسية، وبرامج الأشغال العامة.
إضافة إلى ذلك، فإن البنوك المركزية في الأسواق العالمية والدول النامية تحركت بسرعة لكبح جماح التضخم وهو ما يوجب أن يضعوا في حسبانهم الآثار المحتملة في معدلات الفقر وعدم المساواة.
وكذلك دور مدراء المصارف التجارية والمسئولين عن حركة الائتمان المصرفي في خفض السيولة المتداولة في الأسواق، وهذه السياسة فاعلة في الدولة النامية بشكل أكبر مما في دول أخرى.
----------------------------
بقلم: محمد جلال عبد الرحمن *
* محـامٍ وكاتب وحاصـل على جائـزة الدولـة في العلـوم الرقميـة
* بريــد الكترونـي [email protected]