25 - 04 - 2024

نور الليبرالية كما نعرفها .. والليبرالية الفشنك .. رسالة للدكتور أيمن نور

نور الليبرالية كما نعرفها .. والليبرالية الفشنك .. رسالة للدكتور أيمن نور

عزيزي.. دكتور أيمن نور

ترددت كثيرا قبل الكتابة والرد على رسالتك المعنونة (رسالة إلى حمزاوي.. والحلة البيضاء.. وضياء ليبراليتنا.. وليبراليتكم المغشوشة) . لم يكن سبب التردد أنك وجهتها لشخص بإمكانه الرد أو الصمت!، فما ورد فيها أوسع من أن يضيق على مرسل ومرسل إليه، لكن التردد مبعثه أن جهد الحركة السياسية يضيع، ويهدر جله في خلافات بينية وثأر شخصي بين قياداتها؛ خلافات تأخذ من الوقت والجهد أكثر مما يُمنح لبناء أحزاب أو تيار، وجذب مؤيدين جدد وعمل حضور جماهيري، أو زخم حرمت منه الساحة المصرية.

يتقدم على ذلك ويسبقه، أنه لا ينقصك من يسلقك بألسنة غلاظ شداد، وفي زفة الهجوم الذي لا تعاني منه تقصيرا، فإن الحكمة والأخلاق تقتضي النأي بالنفس عن مهاترات كهذه ، لكن الاشتباك فرض نفسه دفاعا عن موقف ورؤية، ليبقى في حدود مناقشة المبدأ والرأي دون تجريح أو شخصنة ، خاصة أنه لا خلاف شخصي ولا عداء بيننا يدفعني للكتابة، ولست من السذاجة ليكون دافعي تسجيل نقاط على من هو في مثل خبرتك وذكائك، كما أني والحمد لله لست مدفوعة من جانب أحد، ولا محسوبة على طرف.

لكنها القيمة والمبدأ الأولى بإجلاء التباس، وتحديد الإطار الذي غاب وسط سيولة ومصالح وحسابات وضغوط وأدوار تُلعب وسياسة تمارس، فأنت طرحت في رسالتك تعريفا وتوصيفا لليبرالية وسلوك الليبرالي، كتعريف جامع مانع، يضم من يقبع داخله ويستبعد من عداه، وفي ذلك ضلال لو تعلم عظيم ، ولا يمكن أن يمر دون تمحيص وكشف زيف، أو على الأقل إعادة البوصلة لمكانها، إن أردنا في ذلك إصلاحا وتجلية حقائق، خاصة وأنك ضيقت الدائرة، وخلفك أشخاص وقيادات أحزاب تردد صدى ما تقوله؛ وتسير في ركبه عن جهل أو مصالح قاصرة.

عزيزي دكتور أيمن.. دعنا أولا نعترف أنه لم تتح لكثيرين فرصة أن يولدوا مثلك في بيئة تنتمي لحزب ليبرالي، فيرث الرؤية بلا فضل إلا إكمال المسيرة، في مقابل مَّن نزل الساحة ساعيا باحثا عن ضالته، يتنقل بين مدرسة وأخرى؛ حتى يهتدي لأقربها تعبيرا عن قيمه ومبادئه، وتحقيقا لأهدافه، وهو في ذلك له أجران، أجر الاجتهاد والسعي ثم الهدى، فلا يمكن نعته بـ"عابر سبيل أو ترانزيت"، لأن قناعته وانتمائه "حقيقي" نتاج زمن وتجربة.

وسؤالي كيف كليبرالي "حقيقي" تقبل أن تكون في جبهة تيار يسعى لفرض وصايته على الدولة والدستور والمجتمع والدين جميعا، بل وترفض من يقف من ذلك موقف النقيض، وتتهمه بعدو الليبرالية والإنسانية وعدو كل ما هو حر.

نعم يتفق ما ورد في رسالتك والمساحة التي تقف فيها، لكنه أبعد ما يكون عن الليبرالية، إن لم يكن نقيضها، وبيننا المصطلح ومضامينه الفكرية والقيمية، لا الوقوف عند مقولاته المرسلة ولا جمله الشكلية.

هناك ثوابت وأسس لليبرالية؛ من غير المقبول تجاهلها ونسفها بجرة قلم أو بدافع انفعال، أولها رفض الوصاية أو التحدث باسم الله والادعاء بأن أحدا يمثله ويحكم باسمه، أو يجسد الطهر والنقاء الديني، كمرسل العناية الإلهية لتطبيق شرع وعقيدة كما يفهمها هو.

لقد خاضت البشرية ممثلة في الغرب حروبا راح ضحيتها نصف سكان ألمانيا وربع سكان أوروبا حتى وضعت قواعد بناء الدولة الحديثة ونزعت الوصاية، منتصف القرن الـ17.

ثم جاءت الثورات؛ تتقدمها الفرنسية لتضع قواعد وتكرس المساواة وتؤكد الحقوق والحريات للجميع، واجتهد الفلاسفة والمفكرون ليصيغوا العقد الاجتماعي الذي يضمن هذه القيم ويصونها، قيم إنسانية جامعة لا تتعارض مع رسائل السماء، ولا تتقاطع مع أتباعها.

ولم تكن حروب أوروبا المسماة عالمية إلا لمواجهة الفاشية والنازية التي تضع من نفسها مكانا عليا، وتمنح نفسها أفضلية عن باقي البشر، فالليبرالية هي التي جيشت الجيوش لمحاربتها، وجرمت أي إشارة إليها.

فهل تنتظر أن يذهب نصف سكان مصر، وربع العالم العربي؛ في تلك المعركة العبثية التي حسمها الإسلام قبل أن يحسمها التاريخ والتطور الإنساني، فالإسلام الذي يتدثر به هؤلاء يرفض الوصاية، ويسلب الحق في التحدث باسمه، فلا رجال دين ولا مؤسسات لها قدسية فيه.

نعم لا يمكن بناء بديل ديمقراطي حال استبعاد أحد من المشهد السياسي، شرط أن يكون ندا ؛ لا وصيا ولا ظل الإله على الأرض، أن يحتكم للقيم الديمقراطية، لا إجراءاتها كوسيلة لتطبيق رؤيته العقدية، ولك في "غزوة الصناديق التي قالت للدين والإسلام نعم" نموذجا، فما علاقة ذلك بالمواطنة وحقوق الإنسان.

مَّن هو دينه وديدنه "عدم قبول الأخر وتكريس نفيه وتجاهل حقه في المواطنة وحقوق الإنسان"، الليبراليون أم الإخوان الذين لا حق لديهم إلا للأهل والعشيرة، ولأتباع الله من تنظيمهم وجماعتهم لا أكثر!

نعم دكتور أيمن، إن نور الليبرالية يترك المجال حرا أمام الجميع، إلا من حاول إطفاءه، وأقترف عنفا أو انقلب على قيمها، فأنها تقصيه وتبعده، ولنا عبرة في ليبرالية اسقطت "يورغ هايدر" عن رئاسة وزراء النمسا عام 2000 لاستخدامه عبارات نازية!

لم يحمه الصندوق، ولا التصويت النزيه والأغلبية، لأن القيم قبل الأصوات، والمبادئ فوق الصندوق، والغرب الليبرالي الذي لم تمنعه حقوق الأخر من غزو واحتلال العالم والسطو على مقدراته، هو نفسه الغرب الذي يتمسك بوجود الإخوان، على عكس قناعاته وقيمه لمواطنيه ودوله، لكن ذلك لا يحجب عنا نور الليبرالية ولا يجعلنا نردد ادعاءات ومقولات جوفاء "لليبرالية فشنك".

فالليبرالية ليس مجرد ترديد لمقولات حقوق الأقليات، والآخر والحريات وعدم عسكرة الدولة، بل تتقدمها مضامين وتمثلها قيم من أجلها نسعى، ولإدراكنا لها نقاوم فكر جماعة إقصائية استعلائية تظن في نفسها الخير كله، وتحمله للبشر لكنها تضن به عليهم وعلينا!

دكتور أيمن.. لا شك أنك رقم صعب في الساحة السياسية، قادر على خلق الجدل وإثارة وافتعال المعارك، وأسرع الموجودين وأكثرهم استجابة للأحداث وتفاعلا معها، ويزيدك توهجا وحضورا ضعف إمكانيات أصاب من يتصدر المشهد موالاة ومعارضة على السواء، وغياب مناخ قادر على خلق وفرز سياسيين بارزين.

لكنك هنا تتخلى عن دور السياسي وتنتقل لمقعد الأكاديمي الذي عبت عليه إمساكه بالأقلام الحمراء، يمارس بها وضع الدرجات، على كراسات الأخرين، فأخذت تحدد ما هي الليبرالية ومن هو ليبرالي "حقيقي" ومن "مغشوش".

من هنا عليك أن تجيب أيهما كانت ليبراليته مغشوشة كالأسلحة الفاسدة، تصيب أصحابها قبل خصومها.. "فؤاد باشا سراج الدين" بتحالفه مع الإخوان في انتخابات 1984، أم دكتور "لويس عوض"، و"فرج فودة" عندما تركوا الحزب لأنه ضل طريقه ولم يعد يمثل قيم الليبرالية، وأتركك مع شاهد من أهلها: https://www.almasryalyoum.com/news/details/1807775 

من حقك أن تقف حيث تشاء لكن من حق الناس عليك أن تصدقهم ولا تغرر بهم ولا تلبس الحق بالباطل وأنت تعلم، وليتك وأنت تدرس بحب شخصية "ملاك الوطنية المصرية" الأقرب لقلبك "مصطفي النحاس"، كنت تدبرت موقفه من ترشح "حسن البنا" في الانتخابات وممارسة السياسة، بأننا لسنا دولة كهنوت وهو ليس "الشاطر حسن"!.

دكتور أيمن.. أنظر حولك لترى أن بطل الباطل بينكم ومنكم، وبطل الحق صريع الحقيقة، مناديا بالحق حقاً، والباطل باطلاً في ساحة تتحكم فيها الأهواء.

كسياسي لك الحق أن تتحالف مع من شئت، ومن باب الخداع والحسابات والمصلحة لك الحرية في أن تصول وتجول وتسجل نقاطا وتكرس وجودا على حساب قيم ورؤى، لكن لا تجعل ما تفعله قاعدة تلبسها ثوبا ليبراليا أخلاقيا.

وكمحامي لك أن تدافع عن قاتل مجرم مريض بداء العظمة، وتستخدم كل أدواتك وثغرات القانون لتبرئته أو تخفيف العقوبة، لكنه يظل مجرما، وجريمة أن تقنع العامة أنك وهو على صواب، مدافعا عن حقه في القتل. 

عزيزي دكتور أيمن.. لك لغة شاعر وأسلوب جميل ورشيق في التعبير والبناء اللغوي، ما يجعلك أديبا كبيرا، ولك منطق في قلب الحقائق والدفاع عن الجاني كأستاذ متمرس في المحاماة، ولك في السياسة وألاعيبها باع طويل، ولو أخلصت لأي من هذه الثلاثة وتفرغت له، لكان لك فيه شأن أخر..

لكن خسرك الأدب كما خسرك القانون وللأسف لم نكسبك في السياسة بما يتناسب وإمكانياتك تلك.

وأخيرا من مصر السلام 
----------------------------
بقلم: سوزان حرفي 

مقالات اخرى للكاتب

حلمي الجزار وهيئة منير وصراع الإخوان.. الشرعية لمن!





اعلان