20 - 04 - 2024

لا تُباع ولا تُشترى!

لا تُباع ولا تُشترى!

بين المتعة والسعادة فرق تجده عند اقتناء الباقي والإنتقاء من الفاني، وهناك إشكاليات عديدة في العلاقات الأسرية من عدم التمييز بين المتعة والسعادة، قد تؤدي إلى توتر لا يحمد عقباه، وشقاق لا ينذر بخير في كثير من الحالات، ومن هنا وجب تذكير البيوت العربية والمصرية بما يصلح كل ذات بين متضررة.

إن السعادة لا تُباع ولا تُشترى، وكثير ممن يتنعم بمتع عدة لا يستطيع أن يمتلك السعادة، فهي نفسية روحية ، دائمة وباقية، وتولد من الرضا وصفاء الروح، وسكينة الروحانيات، وتقوم على العطاء والإحسان والروح الجماعية، وتزيد في حضرة التقاء القلوب البيضاء والايدي العليا، وزيادة الرزق بها دواء ونماء.

أما المتعة وفق، أهل العلم، فهي وقتية ولحظية، أو عضوية غريزية ، وتبنى على الأخذ والفردية، والإفراط فيها إدمان، والبعض في الأسر تحت مؤثرات سلبية عديدة يبحث عن متعته ولذته ويحسبها سعادته، ويختصر الإسعاد في الإمتاع، سواء في علاقة جنسية أو أكلة أو رحلة أو شراء سيارة فارهة أو فيلا ، الخ ، ولكنه بذلك يتخطى باب السعادة من حيث لا يدري، إلى حيث زنازين التعاسة حتى يفيق ويدري.

إن الرفاهية حقا وليست عيبا ، إن الاستعاذة من الفقر واجب ديني ، ولكن التدليس في المفاهيم صعد من التواترت الأسرية في ظل المقارنات وضيق ذات اليد والضغوط الاقتصادية المتوالية، خاصة في ظل نشر محتوى مخادع يزعم للأزواج والأبناء أن السعادة يمكن شراؤها، ما أدى إلى ضغوط نفسية متزايدة ، يستطيع المرء رصدها في محيطه بكل وضوح.

ولخص الله عزوجل الأمر برمته قائلا في محكم التنزيل :" قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخرةُ خيْرٌ لِمنِ اتَّقى وَلا تُظْلمُونَ فَتيلاً"، ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم حسن الخلق، ومن شقوته سوء الخلق".

ولم يبعد الفلاسفة والمفكرون عن التركيز على السمو الروحي والنفسي كمفتاح للسعادة ، حيث يقول الفليسوف "أرسطو" :" السعادة هي معنى وهدف وغاية الحياة، ويشاركه المعنى "دل كارنيجي" قائلا :"ليست المسألة ما تملك أو ما أنت عليه أو ماذا تفعل كي تكون سعيداً، إنما بماذا تفكر"، ويرى الأديب العالمي باولو كويلو أن " قمة السعادة أن تجد شخصًا يشبه روحك كثيرًا"، ويؤكد صاحب القلم الرحيم الراحل عبد الوهاب مطاوع ارتباط السعادة بالحب، قائلا :"كل شىء جميل فى صحبة من تحب".

إن للأسر فرص كثيرة للسعادة إذا أحسنت فهمها على النحو الذي يعززها في الروح والنفس ، ووعيت أن المتع زائلة مهما كان ابهارها ، وعلى ذلك قد تهدأ النفوس وتقل المناكفات والمقارنات وبواعث الافتراق المرتكزة على ذلك الصراع غير الإيجابي بين المتع والسعادة، وإني أردد مع مفكرنا الراحل عباس محمود العقاد مقولته العظيمة التي تحتاج إلى تدبر عميق :" أعطني بيتًا سعيدًا، وخذ وطنًا سعيدًا".
------------------------------
بقلم: حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي





اعلان