29 - 03 - 2024

رؤية الصين الواقعية لنتائج ومخرجات قمة جدة والدور الأمريكى فيها

رؤية الصين الواقعية لنتائج ومخرجات قمة جدة والدور الأمريكى فيها

 تنظر الصين لقمة جدة مع جو بايدن من وجهة نظر منافسة، بالنظر للتنافس الإستراتيجى والسياسى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى الخليج والشرق الأوسط. كما أن الصين ترغب بالأساس فى منافسة الدور الأمريكى فى إتفاقيات السلام الفلسطينية الإسرائيلية فى الشرق الأوسط، بعيداً عن مسمى السلام أو الإتفاق الإبراهيمى الجديد، الذى ترفضه الصين جملةً وتفصيلاً. ومن هنا، فإن متابعة الصين لقمة جدة، يأتى فى إطار متابعتها للموقف العام وللدور الأمريكى فى المنطقة. كما تأتى تلك المتابعة الصينية لقمة جدة، للدفع لعقد مؤتمر سلام دولى تتبناه الصين، وذلك على نطاق واسع من أجل إيجاد حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية فى أقرب وقت.

إن متابعة الصين لقمة جدة، يتماشى كذلك مع الرؤية الصينية الحالية، لبناء حالة من الأمن الجماعى، فوفقاً لوجهة النظر الصينية، فإن السعى نحو الأمن المطلق، أو الإنفراد بالأمن لصالح أمريكا فقط، سيؤدى حتماً إلى طريق مسدود. وهنا، فإن أكثر ما يهم الصين فى الوقت الحالى، هو دعوتها إلى بناء (منصة متعددة الأطراف للحوار فى المنطقة)، والتى ترسخ لتعاون صينى - عربى خليجى، مع الرغبة الصينية الحقيقية فى تبنى "منصة حوار متعددة الأطراف لدفع الحوار وإرساء أسس المصالحة بين إيران ودول الخليج"، وعلى رأسها السعودية برعاية صينية. لذا، فإن قمة جدة مهم متابعتها صينيا، وبناءً عليه ستحدد خريطة وشكل ونمط تحركاتها المقبلة، سواء بشأن إعلان رغبتها فى تبنى مصالحة شاملة بين إيران والخليج والمملكة العربية السعودية برعاية صينية، أو عبر إقرار الصين لمفهوم السلام الشامل بالنسبة لتطورات ملف القضية الفلسطينية، ودخول الصين كشريك لرعاية محادثات السلام فى المنطقة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى.                        

  ومن جهة أخرى، جاءت تصريحات السيد/ وانغ دى- مدير عام إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا بالخارجية الصينية، حول رؤية الصين للتدخلات الأمريكية فى الخليج العربى والمنطقة من أجل إقرار نمط الديمقراطية الأمريكية وحرياتها وحقوق الإنسان. فلقد جاءت تصريحات "وانغ دى"، بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان تعتبران بالأساس من القيم المشتركة للبشرية جمعاء، وليستا من براءات الإختراع الخاصة الأمريكية الخاصة بفرادى الدول كأمريكا، كما أكدت الصين رسمياً بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان ليستا حقاً حصرياً للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، لأن نظام الشورى فى العالم الإسلامى والديمقراطية الشعبية بكامل عملياتها فى الصين، تعد كليهما - من وجهة النظر الصينية - من الثروات المهمة للحضارة الإنسانية العالمية.                                      

 حيث ترفض الصين وتراقب كافة التحركات الأمريكية الخاصة بإقرار الديمقراطية وحقوق الإنسان فى الخليج العربى والشرق الأوسط عموماً، لأن الرؤية الصينية تكمن فى إتفاق الجميع على أن حق البقاء وحق التنمية هما فى مقدمة حقوق الإنسان بالنسبة إلى الدول النامية.                                  

كما ترى الصين، بأنه فى حالة غياب التنمية، فلا مجال للحديث أمريكياً أو غربياً عن أى حق من حقوق الإنسان، وستكون تلك الديمقراطية الأمريكية، بغض النظر عن نموذجها، لا معنى لها، كما ترى الصين، بضرورة الاتفاق مع شعوب دول الشرق الأوسط، فى السعى نحو نموذج تنمية مختلف عن تلك الديمقراطية الأمريكية المفروضة على أبناء المنطقة رغم عدم تهيئتهم لها.                                                        

 لذا، فستراقب الصين لكل ما يبدر أو يصدر من الرئيس الأمريكى "جو بايدن" خلال قمة جدة، بخصوص أى حديث عن إيران، أو حقوق الإنسان أو أى تسوية لمخرجات القضية الفلسطينية للرد عليه بحسم.                                        

 كما تنتقد الرؤية الصينية، إختراق وإنتهاك الولايات المتحدة الأمريكية لقواعد النظام الدولى، القائم على القواعد العادلة، وإتهام الصين لواشنطن بإستبدال المنظومة الدولية التى تعد الأمم المتحدة مركزاً لها، وتبديل قواعد النظام الدولى القائم على أساس القانون الدولى والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية، القائمة على أساس مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، بقوانين وقواعد "العصابات الصغيرة أمريكياً"، ومحاولة إحتكار واشنطن لحق الحوكمة العالمية، مع الإصرار الأمريكى من وجهة نظر الصينيين، بحرمان واشنطن لكافة الدول والبلدان النامية والفقيرة من حق المشاركة المتكافئة عالمياً.             

كما أن الرؤية الصينية بالأساس تقوم على أن هناك ١٤٠ دولة حول العالم، من بينها الصين، من أصل ١٩٠ دولة أخرى فى العالم، لم تشارك بالأساس فى تلك العقوبات المفروضة على روسيا، وهى خطوة تعبر من وجهة نظر الصين عن موقف هذه الدول الرافض لسياسة الهيمنة الأمريكية التى تمارسها على العالم كله.                             

 وهنا، تنظر الصين لقمة جدة، من باب الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة، وكون أن العقوبات الأمريكية على روسيا هى عقوبات أحادية الجانب، توصف بالتعسفية، وأدت إلى إختلال التوازن بين العرض والطلب فى السوق العالمى، مع إرتفاع أسعار النفط والحبوب وإضطراب فى الأسواق المالية العالمية، وأدت لزيادة الضغط على التنمية ومعيشة الشعوب فى كل دول العالم بشكل حاد. لذا، ستراقب الصين مخرجات قمة جدة من باب الإحتياط والحذر الشديد لمراقبة الإتفاق على تغيير أسعار النفط عالمياً وتأثير ذلك على العالم بالأساس.            

 ونقيضاً للرؤية الأمريكية نحو السلام وتسوية القضايا فى الشرق الأوسط، فإن الصين على الجانب الآخر، تبذل جهوداً  مشتركة مع دول الشرق الأوسط، من أجل الدفع بتسوية الخلافات عبر الحوار وتخفيف حدة الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتهدئته، وإعطاء الأولوية لمواجهة التحديات الملحة فى مجالات الطاقة والغذاء والمالية، من أجل إستيعاب الآثار السلبية الناجمة عن العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب على روسيا، وتأثر الشرق الأوسط والخليج العربى بها سلباً، ومحاولة تجنبها بقدر الإمكان.
---------------------------
بقلم: د. نادية حلمى *

* الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

                                  



مقالات اخرى للكاتب

رؤية الصين الواقعية لنتائج ومخرجات قمة جدة والدور الأمريكى فيها





اعلان