16 - 04 - 2024

قلتُ للقاضى

قلتُ للقاضى

فى أولى جلسات قضيتى الرابعة يوم ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، استأذن أ.خالد على من القاضى أن يسمح لى بالتحدث من خارج القفص، فوافق .. فوقفتُ أمامه وكان مما قُلتُه:

(السيد القاضى الجليل .. أقترب الآن من الثامنة والستين .. وهى سنٌ لا تُجيز لى أن أُسَوِّفَ أو أهادنَ أو أُسمِىَ الأشياء بغير مسمياتها الحقيقية .. أنظر فى هذه السن خلفى فأجد عمراً بأكمله أنفقتُه من أجل بلدى .. لا أقول ذلك مَنَّاً، فحاشا للهِ أن أَمُنَّ على بلدى .. هو امتنانٌ وليس مَنَّاً .. امتنانٌ للهِ تعالى الذى اختط لى طريقاً من المواقف والمعارك فى كل المناصب التى تشرفتُ بها عسكرياً أو مدنياً .. مع وطنٍ ضد محتل، أو نزاهةٍ ضد فساد، أو حريةٍ ضد استبداد، أو عدلٍ ضد ظلم .. وبالإجمال مع حقٍ ضد باطل .. مواقف ومعارك أكرمنى الله بها وبأن أدفع ثمنها .. بما فيها معركتى الحالية .. فلا قيمة لموقفٍ لا تدفع ثمنه .. والحمد لله الذى جعلنا ممن يدفعون ثمن مواقفهم، لا ممن يقبضونها.

القضية رقم ٥٥٨ التى أقف أمامكم متهماً بها .. مَقالٌ  .. كلمة .. جسم الجريمة كلمة .. حِرز القضية كلمة .. ولأن الكلمة نور كما يقول الشاعر، فلا يختصمها إلا الظلام .. ولأن الكلمة نور ، فلا يُجَرِّمُها ولا يطاردها إلا النُظُم الظلامية والظالمة .. المقال الجريمة يتوالد وينتشر كلما زاد الغُبنُ علىَّ وأنا فى محبسى حتى صار الآن بين أيدى الملايين .. لكن الأهم أنه الآن بين يديك وهو ما يطمئننى .. فأى قارئٍ منصفٍ له سيكتشف أنه مقالٌ صادقٌ ليس به كذبةٌ واحدة كما اتهمتني النيابة .. الكلمة الصادقة نور .. لذلك تبقى بعد قائلها وبعد سجانه وسجانها .. منذ حوالى مائة عامٍ حَبَس الملكُ فؤاد الكاتبَ عباس محمود العقاد بسبب كلمة .. مات فؤاد .. ومات العقاد .. ومات كل معاصريهما .. وبقيت كلمة العقاد مجلجلةً مُدَّوِيةً إلى يومنا هذا "سُحقاً لأكبر رأسٍ فى البلاد إذا لم تنحنِ للدستور والقانون" .. ومع الفارق، سأموت وسيموت مَن حبسنى وسيموت كل من فى هذه القاعة بعد عمرٍ مديدٍ بإذن الله، وسيبقى المقال شاهداً لى وشاهداً على من ظلمنى.

سيادة القاضى الجليل .. يعلم القاصى والدانى أن قضيتى ليست القضية رقم ٥٥٨ ولا رقم ٢٧٧ ولا ١٣٥٦ ولا ٢١٠ إلى آخر هذه القضايا التى تُلقى على كتفى وأنا فى محبسى كلما رفضتُ التوقيع على التماسٍ بالعفو .. حتى صار هذا الكتف يحمل من القضايا أكثر مما حمل من الرُتب .. قضيتى الحقيقية هى إحدى القضايا التى تستنزف جهد الحركة الوطنية منذ حوالى قرنٍ ونصف قرنٍ من الزمان .. معركة تدور رحاها بين فريقين: فريق يؤمن بأن الحاكمَ الحالى .. أىَّ حاكمٍ حالى .. ليس إلا بشرا .. إنسانا عاديا .. يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق .. يخطئ ويصيب .. ومن حق أى مواطنٍ .. بل من واجبه .. أن ينتقده دون أن يُعتقل أو تُلَفقَ له قضية أو يُعَذًّب أو يُهان .. وفريق يرى أن الحاكم الحالى .. أى حاكمٍ حالى .. إلهٌ يمشى على الأرض موصولاً بالسماء .. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلْفِه .. وأن مصر .. هذا البلد القديم جداً قِدَمَ التاريخ .. العجوز جداً بمعنى الحكمةِ لا الخَرَف .. وُلِدَتْ يومَ وُلِدَ فخامته.

سيادة القاضى الجليل .. ستنتهى هذه الفترة وستمر كما انتهى ومَرَّ غيرُها وستعود إلى مصر ابتسامتها الخالدة .. هذا على المستوى العام .. أما على المستوى الشخصى، فستنتهي هذه اللحظة وتَمُرُ أيضاً كما مر غيرها .. وسأخرج من هذا المعتقل حتماً بإذن الله .. إما إلى رحاب مصر الغالية التى لم تغادرنى ولَم أغادرها منذ أن اختُطِفتُ من بين أسرتى وأُخرِجتُ من دارى قبل حوالى ثلاث سنوات .. أو إلى رحاب الله تعالى الذى شرَّفَنى بهذه الحبسة الوسام فى هذه السن وكلل بها عمرى .. وحينها أُوصِى بأن أُكَفَّن بملابس السجن حتى أُحاجج بها من حبسنى وحبس الآلاف غيرى.

اللهم إنى أستودعك أسرتى ووطنى .. فالطُف بهما .. وبِى).

وبعد ذلك ترافع بالترتيب الأساتذة محمد فتحى ثم خالد على ثم نجاد البرعى فأبدعوا وصالوا وجالوا دون أى مقاطعةٍ من القاضى .. وفى ٢٣ مايو ٢٠٢٢ أصدر حُكمَه علىَّ بالحبس ٤ سنوات !!!.
--------------------------
بقلم: مهندس/ يحيى حسين عبد الهادى


مقالات اخرى للكاتب

بل يجب الإفراج عن الجميع بمن فيهم الإخوان





اعلان