18 - 04 - 2024

عيدية "الأضحى" للبيوت

عيدية

يأتي عيد الأضحى المبارك ( أعاده الله عليكم بالفرج والإسعاد) ليمنح البيوت العربية والمصرية كل عام "عيدية" سامية منبعها بئر قصصه التاريخية النبيلة، عبر الطواف حول معانيه الملهمة النبيلة، لشحن طاقات السعي في تجويد العلاقات الإنسانية والأسرية ، في عالم متوحش يريد هدم كل "كعبة"، وردم كل "بئر" من أجل مخططه الأثيم المناهض لمنظومة الأسرة والساعي لخلق أجيال عربية بلا تاريخ ولا هوية ولا مرتكزات سامية.

التضحية من أهم معاني عيدية "الأضحى"، وهو معنى صنعته بإيمان راسخ السيدة (هاجر) رضي الله عنها، بسعي مليء باليقين في الله عزوجل ، والوعي الكامل بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقها ، فكرمها الله تكريما عظيما وخلدها تخليدا كبيرا، وكتب لطوافها رواء ولسعيها نجاحا مميزا كأم وزوجة في معترك حياة قاحلة صعبة، وما أحوجنا إلى أمثالها الآن.

كما يضرب المثل في التضحية بسيدنا اسماعيل عليه السلام ووالده أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، والذي كتب الله لهما الجزاء الأبقى بفداء عظيم ، ليظلا نبراسا في الوعي الإنساني والإسلامي والعربي لكل الأسر، تأسيسا على عطاء انساني ملهم من آل بيت أبي الأنبياء جميعا. 

إن التضحية قيمة إنسانية ملهمة ومؤثرة، إذا حضرت باعتدال وتوازن في البيوت وبين العائلات والبشر، ولذلك ينبغى أن تكون التضحية متبادلة لا من طرف واحد حتى لا تصب في مستنقع الاستباحة والاستغلال، وكل حسب سعته وطاقته ونبله وعظمته الإنسانية، فالعلاقات الإنسانية والأسرية الصحية قائمة على التضحيات الراشدة التي تنظر للسماء ولا تنتظر المقابل الكامل، ولا تلدغ من جحر مرتين.

الركيزة الثانية المنشودة في هذه المعاني هي ركيزة الحوار البناء، والذي أداره سيدنا ابراهيم بحكمة ورحمة مع ابنه "إسماعيل" ، خلال عرض قصة الفداء ، وهي ركيزة مهمة للبيوت ، نحتاجها بعيدا عن اتخاذ بر الوالدين مدخلا لالغاء شخصية الأبناء وحريتهم الراشدة الواعية ، حتى لا نساهم في خلق مسوخ بشرية في عالم لا يقبل إلا الأقوياء علما وسعيا.

وإن هذه المعاني الملهمة تحتاج إلى سعي متجدد نبيل، وصبر حكيم جميل، ولذلك قال سيدنا اسماعيل لأبيه :"  يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين"، ولذلك،أيضاً، سعت أمنا "هاجر"، أشواطا سبعا بين جبلي الصفا والمروة شعارها "لن يضيعنا الله أبدا" لتنقذ مهد الأمة العربية والمسلمة ، حتى وجدت طوق النجاة متمثلا في "بئر زمزم" ، ليكون الرواء لها وللعالم من بعدها، ولتكون مكة من بعدها على خارطة الحياة بعدما كانت بلا حياة ، ليتأكد للجميع أن دوام السعي سبيل المنح رغم قسوة الابتلاء، وأن دوام الثقة بالسماء لن يضيع من تمسك بالنبل والعطاء.

إننا أمام أسرة قدوة ، تجسد معاني مهمة في تجديد وعي الأسرة لمن أقبل على الرواء من بئرها العظيم، ووقف على جبل معانيها العالية الغالية، حتى تصبح الأسر مواطن التقوى والثقة والحب والعطاء والرعاية والصبر الجميل والتضحية الراشدة، وهذا هو عيدنا الحقيقي وهذه المعاني هي "عيديتنا" الباقية.
----------------------------
بقلم : حسن القباني

مقالات اخرى للكاتب

لن نعيش في جلباب الماضي





اعلان