20 - 04 - 2024

..ومَنْ دخلها كان آمنًا

..ومَنْ دخلها كان آمنًا

لا أحد يغفلُ ما يتمتع به المصريون من خصال، زائرًا كان أو مقيمًا، أجنبيًا أو ينتمي لتراب هذا الوطن، ولعلّ شهادات الخارج قبل الداخل تؤكد أن ما في مصر صعبٌ إيجاده في أي بلد آخر، سواء على المستوى البشري وما تظهره تصرفاتهم تجاه الآخرين، أو على مستوى تاريخ أرض الكِنانة وما تحويه من نِعَمٍ حباها بها الخالقُ..

ففي مصرَ لن تجد لاجئًا.. يُعامل فيها الجميعُ كمواطنين، لهم الحقوقُ نفسُها، ربما يزيد، كون أبناء المحروسة معروفين بشهامة ومروءة وأُلفة لا يتحلى بها كثيرون..

وبعيدًا عما يعرفه السوادُ الأعظمُ عن مصر، من أنها أطعمت العالم عندما عاش سنواتٍ عجافا ولِمَ لا؟ وهي التي وصفها نبي الله "يوسف" بأنها تحوي خزائن (الأرض)، لم يقل خزائن أرض مصر، أو خزائن البلد، كما أنها صدّرت العلم للدنيا كلها، وأول من قسّم قدماؤها الزمن إلى سنة "365" ذاك التقويم الشمسي الذي يستخدمه العالم في الوقت الراهن، وبنى أبناؤها الأهرامات في تأكيد صريح على إصرار وإرادة يغيبان عن مجتمعات تتوافر فيها إمكانيات أكبر بمراحل.. وغيرها (...) مما يمكن أن يفرد له المختصون كتبًا لا صفحات أو مقالات..

أن تسير في الشارع وقت الإفطار في شهر رمضان فتجد كل "كم متر" أحدًا ينتظرك بما يُفطرك فأنت في مصر، أن تجد مواطنًا مسيحيًّا يًقيم موائد رحمن في رمضان فأنت في مصر، أنت تجد مسيحيةً وابنها يسيران في مغرب أحد أيام شهر الصيام فتحاول أن تعطيها تمرة من ثلاث أتت لك أثناء سيرك، فترفض وتقول لك مبتسمةً بكل ود: أنت أوْلى بها لأنك صائم وجسمك يحتاج إليها فأنت في مصر، أن تجد مسيحيًا يطرق بابك يوقظك قبل الفجر لتنال سحورك فأنت في

مصر، أن تجد مسلميها ومسيحييها يتشاركون في تعليق زينة رمضان والعيد، ويتقاسمون احتفالات رأس السنة وعيد الميلاد وشم النسيم والجمعة العظيمة، وغيرها من المناسبات فأنت في مصر..

أن تستقلَ سيدةٌ عجوزٌ أو رجلٌ شيخٌ مترو الأنفاق فتجد الجلوس يتسابقون وقوفًا للإفساح لهما فأنت في مصر، أن تجد متطوعًا لجمع الأجرة من باقي الركاب وإعطائها للسائق فأنت في مصر، أنت تجد فقيرها قبل غنيها يبادر بمساعدة من يقصده فأنت في مصر..

أن تجد سيداتها يذهبن للعمل ويشغلن جميع الوظائف ويتقلدن أرفع المناصب ويربين أبناءهن ويعولن أسرهن ويقضين حاجات بيوتهن فأنت في مصر. 

أن تجد سيداتها يقاومن ظروف الحياة وصعوباتها ويقفن كتفا بكتف مع أزواجهن أو من دونهم ويمتهن مِهنًا لا يستطيعها رجال فأنت في مصر.. أن تجد مجتمعًا يقف في وجه كل التحديات التي تقابله ويتعايش معها ويطلق النكات في أحلك الصعوبات، لرسم بسمةٍ أو رؤية ضحكةٍ أو تخفيف ألمٍ (...)، فثق أنك في مصر.

مصر ليست مجموعة حوادث فردية- وإن كانت مأساوية- تتناقلها صفحات التواصل الافتراضي، أو مواقع صحفية محلية أكانت أم عربية، باحثةً عن "التريند" والترُبّح من وراء زيادة عدد المشاهدات، أو لتصوِّر مثل هذه الجرائم على أنها مرآة عاكسة لمجتمع يقف مُتفرجًا على مشهدٍ بعيدٍ كل البُعد عما يتخلّق به المصريون، كُرهًا لعظمتها وتسيّدها وجسارتها، وعدم انكسار إرداتها أو إضعاف قوتها، وطيبة وصبر وحلم أهليها..

 تصديرُ تيارٌ بعينه بعيدًا عن المنساقين خلفه، فكرة غياب الأمن وانتشار الجريمة وتفشي اليأس، لمجرد أنه لم يستطع قيادة دفة البلاد، أو لخدمة أجندات حاولت طمس هُوية المصريين بشتى الطرق، يعني أن هؤلاء المتربصين لا يدركون أن رفع علم مصر فقط وسط أي ردود فعل مثيرة، ولو عبر ممارسات سياسية، أو «بروزة جرائم غريبة» فردية، كافٍ لاستحضار الوحدة الوطنية ونبذ العنف والرجوع للأصل..

في الأخير لا يغيب على أحد أن مصر ذكرها الله في أكثرَ من موضعٍ بكتابه الذي تعهّد بحفظه من فوق سبع سموات، فهي بربّها آمنة، بنسائها ورجالها آمنة، بمُعلميّها وطلابها آمنة، بجميع مَن فيها آمنة، ومَن دخلها كان آمنًا..
---------------------------
بقلم: عزت سلامة العاصي

 


مقالات اخرى للكاتب

«العصفور المفترس».. هل أدرك المحتل حجمه؟





اعلان