موت طالبة جامعة المنصورة بهذا الشكل القبيح الخسيس البشع كشف المسكوت عنه بين الفريقين المعتادين فريق التنويرين، وفريق تيار الإسلام السياسي. فالفريق الأول يحمل الفريق الثاني نتيجة ما حدث وما يحدث عموما في المجتمع، والفريق الثاني يحمل الفريق الأول نتيجة ما حدث وما يحدث في المجتمع عموما.
الفريق الأول يتهم الفريق الثاني بالتشدد والمغالاة وببث أفكار دخيلة على المجتمع المصري أدت هذه الأفكار إلى تحقير وتقزيم المرأة وتجريم الحب وتحريم الفنون وخلق مساحات من العداوة والبغض بين أفراد المجتمع، وما يحدث الآن ما هو إلا نتيجة مباشرة لما زرعه هذا الفريق.
أما الفريق الثاني يرى ان أفكار الفريق الأول الداعية للعلمانية خطر داهم على المجتمع الذي أصبح متبرجا ومنفتحا على أفكار غريبة لابد من اجتثاث أصولها من مجتمعنا، وضربوا أمثلة بالأغاني الهابطة وأفلام العنف والبلطجة.
ولأن كل فريق لدية أنصار وأدلة؛ فأصبح كل فريق يمتلك الحقيقة المطلقة؛ بل ووصي على الآخر، وبالمناسبة هذه هي طبائع الأمور، ولكن من طبائع الأمور أيضا قبول النقاش، وهو ما لا يحدث ، فأنصار كلا الفريقين لديهم أزمة حقيقية في خلق مساحات حرة وآمنة للنقاش. بل إن كلا الفريقين ليس لديه أي استعداد لسماع الآخر، وبالتالي لا يوجد أي أمل في قيام كل فريق بمراجعة نفسه.
وأصبح لسان حال كل فريق (أنا صح)، وخاصة أنصار الفريق الثاني لانه الفريق المتدين، ونحن شعوب عاطفية؛ نحترم ونجل رجال الدين، وبالتالي أصبح لهذا الفريق وضع خاص.
جعلهم أعلى من النقد، ولو قام نفر من العامة أو الخاصة بانتقاد أفكار أي رجل دين (مسلم أو مسيحي) تحول الأمر لعداء مباشر مع الدين نفسه، وطبعا هذا كذب وافتراء ومغالاة ، لأننا لا ننتقد الأديان نحن ننتقد فكر رجال الدين، وأبسط دليل على كلامي واقعة قتل نيرة، والتي كشفت عورة المجتمع، ووضعت يدها على الجرح؛ فصرخ المجروح. فلن تجد صفحة من صفحات السوشيال ميديا إلا وتئن ألما على رحيل هذه الفتاة البريئة؛ فالجميع تحدث عن هذه الجريمة البشعة، ولكن الحديث كشف المسكوت عنه؛ فكان في مواضع كثيرة لا يناسب بشاعة الموقف ولا يمت للحقيقة بصلة. وبدلا من مراجعة النفس دون مواربة وخجل وخوف، غسلنا أيدينا بمنتهى الهدوء والبرود والتعالي.
فلا يخفى على أحد التقدم المذهل الذي حققه الغرب في الفنون والعلوم والتكنولوجيا فسبقونا في أمور عديدة، ولكن حقيقة الأمر أن الغرب سبقنا فيما هو أهم ، الصدق؛ فبعد عصور طويلة من الظلام والفساد الكهنوتي اعتذروا وصارحوا أنفسهم بالخطأ والخطيئة التي وقعوا فيها، ومن هنا كانت البداية الحقيقة للخروج إلى النور بفتح آفاق للحرية في كل شيء. وهذا ما نحتاجه الآن، وقفة حقيقية مع النفس، لحظات من الصراحة، بداية لفهم الآخر ولسماعه، خلق مساحات للحوار؛ بدلا من تمسك كل فريق برأيه دون البحث عن نقط تلاقي. لأننا في نهاية الأمر سنجد أنفسنا نسينا الفريق الثالث الذي دهش وأرهق مما يحدث، ودهس بين أفكار الفريقين الفريق الأول والفريق الثاني، فانصار الفريق الثالث هما الهدف الحقيقي لكل فريق؛ لأنهم ببساطة صمام أمان هذا المجتمع. يقولون من المقدمات تأتي النتائج، والمقدمات عنيفة وصعبة ومؤلمة تدعو إلى عدم جواز تهنئة غير المسلم وتكفيره - ولكن العيش معه جائز مع العلم ان داخل هذا الفريق من يبيح تكفير الآخر والعيش معه كمواطن درجة ثانية - كما تدعو لتحريم الفنون والآثار - توجد أصوات داخل هذا الفرق تؤيد هدم الآثار من الأساس- فهذه المنطقة شائكة جدا، وبداخلها مساحات متفاوتة ومع تفاوتها تتحدد درجة خطورتها، وبالتالي جاءت النتائج أخطر بكثير مما نظن، ولا أدل على ذلك ما حدث في واقعة د. موافي وفي قتل نيرة؛ فبدلا من البحث عن العلم والدفاع عنه في الواقعة الأولى بحثنا عن الدروشة ودافعنا عنها ورغم قيام سلة من المتخصصين في علم النفس بتفنيد كلام د. موافي، للأسف صدق البسطاء كلام د. موافي لا لشيء إلا لأنه ذكر كلمة دين وإيمان وهي كما نعلم كلمات سحرية.
وفي الواقعة الثانية بدلا من تفسير وتحليل الوضع بشكل عقلاني للوقوف على المتغيرات المجتمعية التى طرأت علينا ، تطوع وتبرع من دافع عن القاتل دون سند أو دليل. وأخذ الكثير من الناس يتحدثون عن لبس الفتاة وشكلها وقام البعض بتغيير لبسها في صورها التي انتشرت على الفيس بوك، ونسوا جميعا أنها حرة في لبسها وفكرها، نسوا أنها نزلت من بيتها وهي مقتنعة بشكلها وبهيئتها، ونسوا أن الله وحده من يملك الحساب؛ نسوا ما هو أهم أنها قد تكون على صواب، هم تناسوا كل ذلك لأنهم يتعاملون معنا بمنطق (نحن ملاك الحقيقة المطلقة).
ولان التريند واجب خرج علينا الشيخ مبروك عطية بتصريحات كانت كزيت صب على النار؛ فاشتغلت مواقع الفيس بوك ، وظهر في الصورة الدكتور فتح الله محمد زيتون والذي قال ما يدعو للتفكير الجاد في مصير الطلاب الذين يدرسون على يديه وفي مصير المجتمع ككل، هذا المجتمع الذي أصبح لزاما عليه التحرك على مستويات عدة لمواجهة هذا الأفكار الغريبة. والغريبة غضب ودهشة الكثيرين لو قام نفر من الكتاب أو المفكرين أو حتى مواطن بسيط بالهجوم أو حتى برفض أفكار أنصار الفريق الثاني ومن هنا دعنى أسألك عزيزي الغاضب من فينا الأولى بالغضب نحن أم أنت؟!
من الذي حرم الفنون؟ من الذي دعى للتعامل مع المواطنين دون مساواة؟، من الذي كفر الناس على الملأ؟ من الذي يقف حاليا حجر عثرة أمام أي تغيير حقيقي؟ من الذي يخرج علينا كل يوم ليكفر الفنانين؟ من الذي حرم الأعياد؟
من الذي قتل فرج فودة وحاول قتل أديب نوبل؟ من الذي كفر د. نصر حامد أبو زيد؟ من الذي اقتحم مديرية أمن أسيوط! من الذي قتل السياح؟
خلاصة القول حتى وان كان البعض يؤيد أفكار الفريق الثاني ويرى الجيد في هذه الأفكار، ويستخلص منها ما يفيد المجتمع ويرى ان التعميم مخل ومعيب؛ ولسان حاله أن كان هناك المتشدد داخل هذا الفريق فهناك غير المتشدد المتسامح المرحب بالنقاش؛ فأيضا علينا أن نقر أن هناك قطاع كبير في المجتمع يرفض أفكار الفريق الثاني جملة وتفصيلا.
إذن أين المشكلة؟ المشكلة في عدم قدرتنا على تقبل النقد ، لأن لدينا حساسية دينية مفرطة رأيتها عندما كتبت مقالا عن الطلاق في المسيحية، وما أكد لى هذا الكلام صديق على الفيس بوك، والذي رأى أن انتقادي للقس زكريا بطرس سيفهم بشكل مختلف لو قام هو بانتقاده، بمنطق أنا مسيحي وبالتالي لن يأخذ الأمر شكل طائفي. في حين أن أفكار "بطرس" لا تحتاج لمثل هذا المنطق في التفكير لأن أي شخص عاقل سيرفضه وسيرفض أفكاره جملة وتفصيلا.
والآن هل لاحظتم المصيبة الكبرى التى وصلنا لها أن المفكر أو الكاتب المسلم لا يستطيع انتقاد الكنيسة لانه مسلم والعكس بالعكس ، وبدلا من النظر لما يقدمه الكاتب من آراء وما يطرحه من أفكار، ننظر إلى ديانته فهي جواز سفره للإصلاح والذي من الواضح أنه سيتأخر كثيرا ومع تأخره ستمر واقعة قتل نيرة وسيسأل كل فريق الفريق الآخر من الذي قتل نيره؟ وسيرد كل فريق : أكيد هم!.
----------------------
بقلم : مينا ناصف