27 - 04 - 2024

على هامش رسالة الفنانة نجلاء فتحي للزعيم عادل إمام: حينما يصبح صمت الفنان ... سترة!

على هامش رسالة الفنانة نجلاء فتحي للزعيم عادل إمام: حينما يصبح صمت الفنان ... سترة!

منذ أيام، ظهر تسجيل صوتي لا تتجاوز مدته 5 دقائق للفنانة نجلاء فتحي، تعبر فيه عن رأيها في الفنان عادل إمام، وتتهمه بمسح الجوح للرئيس مبارك وجمال ابنه، ما جعل موقفه من ثورة يناير تعيسا كما قالت، و إن مسألة محاربته للفساد بأعماله "شغل أونطة" ولف ودوران، مؤكدة أن أدواره الفنية كلها تعبر عن الفساد حبا في الفساد، وأنه شجع التطبيع مع اسرائيل، وطوال 40 سنة يُشَرِب الشعب ما يريد على هوى الدولة ويذيقهم المر في العسل! 

تداولت وسائل الإعلام والسوشيال ميديا التسجيل، بما يفوق توقع خالد فرج الصحفي الذي ذكر أنه ليس مسربا بل هو الذي نشره على صفحته بالفيسبوك، كجزء من حوار طويل مع الفنانة نجلاء فتحي.. نشره مكتوبا بمجلة الكواكب عام 2011. وأنه تم بناء على علم ورغبة الفنانة وقت إجراء الحوار، وقد أثار حالة من الجدل وقتها بسبب تصريحاتها عن عادل إمام، موضحا أنه تواصل مع نجلاء فتحي بعدها، فمازحته قائلا: "عملتلي دوشة بس ولا يهمك أنا مسؤولة عن كلامي". 

سر نشر الحوار 

إلا أننا لم نعرف سر نشر هذ الجزء بالتحديد من الحوار.. الآن! بينما زعمت إحدى القنوات اتصالها مع مصدر مقرب من نجلاء فتحي، لسؤالها عن رد فعلها، فقالت أنها لم تندهش من سماع التسجيل، ومعترفة بما قالته منذ إحدى عشر عاما. وكان سبب هجومها على عادل إمام وقتها بسبب موقفه المؤيد لمبارك في بداية ثورة 25 يناير .. وبدافع حبها وخوفها على مصر

لم تصدر أيه تعليقات من الفنان عادل إمام بعد نشر الحوار، ليومنا هذا، رغم حقه في مقاضاة الصحفي والفنانة بتهمة الإساءة لسمعته! بينما يتردد أن عصام إمام شقيق الفنان عادل إمام، أخبر إحدى القنوات بأنه يشك في حقيقة هذه التصريحات المنسوبة لها. بأن علاقة نجلاء فتحي بالزعيم علاقة وطيدة ويحترمان بعضهما البعض.  

والطريف، هو قيام أحد المحامين بإرسال تحذير رسمي للدكتور أشرف زكي -نقيب المهن التمثيلية- يطالبه بفتح تحقيق عاجل لقيام نجلاء فتحي بتشبيه عادل إمام بأوصاف ترتقي إلى الإهانات والافتراء، بينما علق دكتور أشرف بأنه لا يعرف شيئا عن هذا التسجيل، وسيتم فحصه، مع اتخاذ كافة الإجراءات القانونية إذا تبين أنه كان مفبركا أو تم بثه بدون إذن نجلاء فتحي!

علاقة الفنانين بالصحفيين

فالقصة إذن، هي لصحفي يلفت الأنظار إليه بنشر تسجيل صوتي يُذَكِر الناس بحوار ناجح أجراه عام 2011، مع فنانة كبيرة وثقت به، فحاول استثمار هذه الثقة وهذا النجاح ليومنا هذا.. بإعادة إحياء حوار كان يصلح نشره في وقته فقط، ولا لزوم له الآن! فالمعروف أن دور الصحفي كالطبيب الذي يحافظ على أسرار مرضاه ويساعدهم على الشفاء.. كذلك الصحفي الأمين ينتقي ما يكتب عن لسان الفنان أو الضيف الذي وثق به.. فيحافظ على صورته وتاريخه، ولا يورطه أو يوقعه في مشاكل.. حتى لو لم يطلب الضيف ذلك! 

ما يدعونا للتساؤل حول مدى تقديرنا كصحفيين وجمهور للفن والفنانين! وهل نتعامل معهم كأفراد يقومون بدورهم في الحياة كأي شخص؟ (وهل يتعامل الفنانون أيضا على هذا الأساس؟) أم تغلغت أفكار التخلف والرجعية في رؤيتنا للفن وللفنانين؟ فيستبيح البعض السخرية منهم وتكفيرهم، وتأليف الشائعات عنهم أو التلاعب بتسجيلاتهم! أو يتقرب إليهم البعض كوسيلة لتحقيق الشهرة والنجومية؟ مما تسبب في تعالي وغرور بعض الفنانين، واستغنائهم عن دور الصحفيين، أو فقد الثقة بهم، أو اقتصار تعاملاتهم مع بعض الكبار منهم، أو معارفهم دون غيرهم!

ليتها لم تتكلم!

بينما يسيء إعادة بث هذا التسجيل للفنانة نجلاء فتحي نفسها، ونتمنى لو لم تتكلم أبدا! فمن ينصت إلى مضمون حديثها، سيتساءل كيف لفنانة مثلها ألا تدرك طبيعة النفس البشرية؟ فالكثيرون - مثل عادل إمام- كانوا يخشون فكرة تغيير النظام، ويتوجسون من انتهازية التيار الديني، وأحداث الميدان والثورة وما بعد الثورة.. إلى أن ثبت العكس!

 تلوم عادل إمام لمحاباة نظام مبارك وجمال! وكأنه زعيم سياسي وعد بتحقيق مطالب شعبه وليس فنانا اقتربت السلطة منه كاعتراف وتكريم بدوره! رغم أنه كان من الفنانين القلة الذين سخروا من تصرفات الزعماء وديكتاتوريتهم ضد الشعب.. كما رأينا في مسرحية الزعيم! تعترف أنه فنان كبير ومحبوب والشعب هو الذي عمله.. ولكنها تتهمه بأنه ماسح جوخ! اتهمته بالتطبيع في فيلم السفارة في العمارة، رغم أن العبارات الداعية للتطبيع لم تأتِ جميعها على لسانه! تتهمه بالتسبب في إبعادها عن التمثيل، بينما ذكرت بالحوار المنشور أنها كرهت الفن وتركته منذ عشر سنوات، وسافرت مع زوجها الإعلامي الراحل حمدي قنديل لدبي لأسباب سياسية. بل وتصف أعماله كلها "بالفساد لمحبة الفساد" .. وهو ما يعتبر سبا وقذفا يعاقب عليه القانون. والأغرب من ذلك، أنها تتهم محاربته للفساد في أدوراه بأنها أونطة ولف ودوران! وأنه طوال 40 سنة يُشَرب الشعب ما يريد.. ويذيق المصريين المر في العسل! ثم ما سر سخريتها وتهكمها هي والصحفي في التسجيل من محاربة عادل إمام للجماعات الإسلامية؟ كأنها باحثة أكاديمية تطالعنا بنتيجة أبحاثها! بما في ذلك من تحميل الأمور في غير محلها.. 

الصمت بأمر الجمهور

الفنانة المحبوبة نجلاء فتحي.. الصمت سترة، إذا لم يسهم الكلام في احتفاظ الفنان ببريقه الفني كشخصية عامة محبوبة. وكثيرة هي أمثلة الفنانين الذين أحببناهم وهم يمارسون موهبتهم الفنية، ولكننا تمنينا لو أغلقوا أفواههم عن الحديث في أية قضية أخرى! فبعضهم أساء التعبير عن نفسه باختيار الجهات أو الشخصيات أو البرامج التي يتحدثون إليها، وآخرون أساءوا اختيار الوقت للحديث عن مشاكلهم وأرائهم في أعمالهم وفي زملائهم وفي قضايا أوطانهم أيضا! فطالبهم الجمهور بالصمت!

على العكس من فناني الزمن الأصيل، الذين كثيرا ما قرأنا وسمعنا وشاهدنا كيف مارسوا حكمة الملوك التي تقول"كثيرا ما تكلمت وندمت أما عن الصمت فلم أندم أبدا"! ففي الصمت غموض جذاب ووقار! فلم يعتد الجمهور سماع أم كلثوم تتحدث في السياسة، ولكنه سمعها تغني للوطن، وكذلك فعل محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ الذي كان ينصت حينما يجلس مع الكبار، فكانت موهبته أبلغ سفير في الحديث عنه، حتى قال عنه الشاعر كامل الشناوي: "لا تصدقوا عبد الحليم إلا عندما يغني"! بل بلغ حرص عبد الحليم في الصمت لحد محاولة إخفاء انتمائه الكروي عن الجمهور لئلا يخسر مشجعي الفرق الأخرى. ومحمد فوزي وشادية، وغيرهم .. يوسف وهبى وليلى مراد وفريد شوقي والكثيرين ممن كانوا يتحدثون بفنهم عن آرائهم! فصدقهم الجمهور واحترمهم! وآخرهم الفنان سمير صبري – رحمه الله- حينما استمع لنصيحة الموسيقار عبد الوهاب، قائلا له: "أوعى تسمع حد بيجيب في سيرتك وتعلق عليه.. سيبه يهري". 

 تكريم عادل إمام

العالم يعتبر الفنانين الكبار أمثال عادل إمام ثروة قومية، فيمنحونهم أعلى الألقاب والأوسمة والنياشين والاحتفال بهم في حياتهم.. بينما تقوم فنانة زميلة بتشويهه واتهامه باطلا! ولو كان مبررها هو الخوف على مصر! فمع كامل التقدير لجميع الفنانين، إلا أن الذوق المصري والعربي أحب موهبة عادل إمام وتمسك به، مثلما قام هو بتطوير ثقافته ولغة خطابه.. فصار سفيرا للنوايا الحسنة لشؤون اللاجئين، لإدراك الأمم المتحدة بتقدير العرب له، ولأهمية دوره في صناعة البهجة، كقيمة إنسانية مقدرة! فليس عادل إمام وغيره من عمالقة الفن سوى داعمين لقيم الجمال والتفكير والكوميديا الإنسانية التي تهذب النفس البشرية! فلماذا اختار الزميل خالد فرج نشر هذا الحوار الآن؟ 

الزميل الصحفي، قيامك بنشر هذا التسجيل الذي يحيي مواقف وأحداث وإساءات لا حاجة لها..الآن، لمجرد الشهرة والمجد الذاتي، سلوك يدعونا لتذكيرك بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية لمهنة الصحافة! وللفنانة الجميلة نجلاء فتحي، سؤال: هل موافقتك على نشرهذا الحديث -كما زعم البعض- هي نموذج التكريم الذي تحبين إهداءه  للفنان عادل إمام، اليوم؟ ثم إذا كنتِ تدافعين عن الفن، وتعرفين مدى تأثيره.. فسؤالنا إليكِ هو: وماذا قدمتِ أنتِ أيضا من فن للمصريين؟
-------------------------
كتبت - ابتسام كامل 









اعلان