19 - 04 - 2024

أجندة الحوار الوطني المعلقة

أجندة الحوار الوطني المعلقة

"الحوار هو الوسيلة الوحيدة للوصول لاتفاق، ولا أحد يرفض الجلوس لطاولته إذا ما دعي إليها" مقدمة يبدأ بها الجميع قابلا أو رافضا للدعوة التي وجهها الرئيس للحوار في إبريل الماضي، لكن تبدو المساحة شاسعة بين من يراه لقطة يفرضها الظرف الآني، ومن يعتبره فرصة لفتح مساحة بالمجال العام، من يسعى له بحكم الضرورة، ومن يذهب له انطلاقا من المسؤولية الوطنية، من يحاول استعادة دور وعودة للظهور، ومن يراه فصلا من استغلال السلطة للمعارضة لإعادة تسويق ذاتها وسياستها وقراراتها الاقتصادية القاسية، ومن ينتظر أن يكون بداية مراجعة لنهج وسياسة انفردت طبقها بالقرار والفعل طوال ثمان سنوات انقضت.

بين هذا وذاك وأولئك قضايا ملحة؛ وشعب لم يخبره أحد بعد الهدف من الحوار ولا أجندته والقضايا المطروحة وعلاقتها بقوت يومه وفرص عمله ودخله ، وأسعار تتضاعف بوتيرة متسارعة، ولا موقع ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي الذي دفع فاتورته ولم يجن ثماره، ولا موقعه هو بعد سيادة منطق من يدفع يحصل، وفرص حصوله على صحة وتعليم كفء، وقبله حقه في دولة المواطنة وتطبيق القانون، وحدود مراكز القوى وأصحاب النفوذ الجدد، ينتظر ليطمئن على حقوقه الأساسية وحرياته ومستقبل أبنائه بدولة صار فيها كالمستأجر لا المالك الأصيل.

الجميع في أزمة.. 

السلطة بما تتعرض له من ضغط خارجي، وازدياد حالة عدم الرضا الداخلي، وغضب يتصاعد مع أزمة اقتصادية تشتد، ومجتمع بعيد عن الفعل وعن التعبير عن نفسه، ونخبة يغلب عليها الشخصنة والبحث عن حضور، ومعارضة سياسية تفتقد الظهير الشعبي والقدرة على التحريك والتأثير، وواقع سياسي سيطر عليه الركود والانسحاب، وشارع تراجع عن الاهتمام بالسياسة، وأحزاب ضمت نفسها لحزب السلطة مقابل الحصول على حصة من المقاعد، وبرلمان بغرفتيه يمثل الأجهزة التي شكلته أكثر ما يعبر حقيقة عن إرادة شعبية، ما يجعل الحوار ضرورة ملحة.

على أي شيء نتحاور.. 

الهدف من الحوار غير متفق عليه بين الأطراف، فمن يقول إنه حوار من أجل الحوار، لقطة للتسويق داخليا وخارجيا، واستحضار لجبهة أصابها الانشقاق وباعدت بين أطرافها الخصومة السياسية والاستبعاد، ووجوه كانت بالأمس شريكة مشهد ومنصة قبل أن يتم اقصاؤها، ومن يراه خطوة لتحسين نسبي للعمل السياسي والحزبي،ومن يؤكد أنه مرهون بظرف ضاغط يمتد في أحسن أحواله حتى للاستحقاق الانتخابي 2024، ومن يأخذه الأمل لتغيير في معادلة الحكم، وإعادة النظر في نهج الدولة على صعيد السياسة والاقتصاد.

الهدف يحدد الأجندة..

أغلب المعارضة التي أكدت قبولها للمشاركة تتعامل من منطق سياسي، تستغل فرصة لتفاوض السلطة على فتح المجال العام، وبحث عن شراكة بعد الافراج عن المحبوسين السياسيين، ومراجعة بعض القوانين والقرارات، وصولا لإعادة النظر في التعديلات التي طالت دستور 2014.

لكن إذا توقف الأمر عند هذا فلا معنى للحوار، فهذه رؤية واقعية تعترف بحدود القوى المتاحة، لكنها آنية وقاصرة، لا تتخطى المطالبة بحقوق أساسية، وما هو معلوم من العدالة بالضرورة، كما أنها تبقي الدولة أسيرة الحال الواقع مع تحسينات مظهرية.

وهنا يظهر شعار "الجمهورية الجديدة" الذي أطلقه الرئيس العام الماضي، ولم يزد عليه شرحا أو تفصيلا، لا إعلام ولا مؤسسات فكرية ولا حزبية ولا غيره، وعاد ليقترن بالدعوة للحوار، وهو ما قد يرفع السقف، وينقلنا لإعادة تأسيس لا مجرد محسنات، يأخذنا لنقاش القواعد المؤسسة لهذه الجمهورية، شكلها والقيم الحاكمة، العقد الاجتماعي الذي يحكمها، طبيعة العلاقة بين المواطن والسلطة والمؤسسات، من فيهم يخدم من، ومن له الكلمة الفصل.

يدفع لتقديم تصورات لإعادة بناء منظومة الحكم على أسس مغايرة، والدستور والقوانين المؤسسة، للحوار حول دور وحدود الأجهزة الأمنية والعسكرية، وإطلاق وضمانات حرية التعبير وحقوق الإنسان، وحماية الاختلاف، وموقف الدولة من التيار الإسلامي تنظيمات ورؤى.

عقد اجتماعي جديد..

نعم مصر بحاجة لعقد اجتماعي تاقت الأنظار إليه مع ثورة 25 يناير؛ ولم يحققه أو يقترب منه دستور الإخوان، وتأكدت الحاجة إليه مع ثورة 30 يونيه ولم ينجزه دستور 2014، تحتاج لإرساء قواعد دولة ديمقراطية تحترم القانون وتصون الحريات، أن تكون مؤسساتها تعبيرا حقيقيا عن إرادة شعبية، وتوازن وفصل فعلي بين السلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية.

تحتاج لأن تنفض غبار عقود من التراجع؛ وتنفك من قيد سلطوية تتلبس كل من يصل إليه الأمر فيها، تحتاج لاستثمار في الإنسان وصقل لمهاراته، للاستفادة القصوى من ثروتها البشرية، لا التذرع بها لتبرير فشل السياسات والخطط الاقتصادية واحدة تلو الأخرى، لأن تتسع للجميع وتحتكم لقواعد ثابتة، فلا يتم أقصاء أحد بناء على رأي أو موقف.

مصر تحتاج لعلاج جذري قبل أن تدمر جهازها المناعي المسكنات، تحتاج لتجنب تكرار أخطاء الماضي وإهدار الفرص تترى، والوقوع بين الهروب للأمام أو السكون في المكان، هذا لتعود منارة فكر وثقافة، تتصدر موقعها الطبيعي كقيادة إقليمية، فإن لم يكن ذلك استكمالا لمطالب ثورتين، ثورة حقوق وثورة وطن وهوية، فهو فرض الضرورة للحفاظ على الدولة وحمايتها، وإن لم تضمن أجندة الحوار المعلقة حتى اللحظة تحقيق ذلك، فستكون فرصة أخرى وربما أخيرة يتم اهدارها.
-----------------------------
بقلم : سوزان حرفي
من المشهد الأسبوعي
غدا مع الباعة

مقالات اخرى للكاتب

حلمي الجزار وهيئة منير وصراع الإخوان.. الشرعية لمن!





اعلان