19 - 03 - 2024

الفن بنكهة فرعونية .. الفراعنة الجدد يغازلون أجدادهم في معرض يرعاه مثقف سعودي

الفن بنكهة فرعونية .. الفراعنة الجدد يغازلون أجدادهم في معرض يرعاه مثقف سعودي

   تمتد العلاقة بين الأجداد الفراعنة عبر العصور.. حضارة ملهمة ومحفزة للبشرية كلها.. تلجأ أعداد كبيرة من المبدعين للاستلهام من الحضارة الفرعونية ، ويشهد الجميع بأن مصر القديمة كانت قبلة للعالم فى الفلك والهندسة والرياضيات والطب والفن، وكانت معلمة للعلاقات الإنسانية .. فيها بزغ "فجر الضمير" كما أكد الكاتب الإنجليزى "برستيد" ، بما تمتلكه من معارف مازالت معيارا معتمدا حتى الآن. الأمر الذى دفع المستعمرين لاغتصاب بعض من تلك الحضارة وعرضها فى متاحفهم وميادينهم.

   انشغل رجل الأعمال المثقف السعودى المعروف الشيخ طلال زاهد بتلك الحضارة، وجذبه الموعد القريب لإفتتاح متحف الفن المصرى الكبير، وتمنى لو يستطيع تقديم قربان لملوك تلك الحضارة العملاقة، وإهتدى الى فكرة إقامة معرض كبير يشارك فيه جموع الفنانين المصريين ليقدم من خلالهم أهم الأعمال الفنية كهدية بمناسبة إفتتاح المتحف المجاور للأهرامات وأبو الهول. وتبنت مؤسسة أتيليه العرب للثقافة والفنون الفكرة ، وحددت القواعد والشروط التى تليق بالحدث، وأعلنت الزاهدية للثقافة والابداع رصد ثلاثة جوائز لمنحها للفائزين. الجائزة الأولى 70 ألف جنيه، والجائزة الثانية 40 ألف جنيه، والجائزة الثالثة 30 ألف جنيه فى مجالات التصوير والرسم والنحت والخزف.

  وكان المفاجأة فى إفتتاح المعرض الذى شارك فيه أكثر من 150 فنانا بعد الفرز والتجنيب من أكثر من 700 فنان متقدم. شارك كبار الفنانين المصريين بأعمال حديثة مدهشة مرتبطة بهذا الحدث الكبير. منهم من دخل للتنافس على الجائزة ومنهم من إختار أن يكون ضيفا شرفيا حاضرا بأعماله فى هذا العرس الذى تم إفتتاحه يوم السبت الماضى الموافق 21مايو2022.

  فى الإفتتاح أعلن هشام قنديل رئيس المؤسسة الوقوف دقيقة حداد على روح الفنان الكبير أحمد نبيل سليمان أحد المحكمين لهذه المعرض والذى وافته المنية منذ أيام قليلة. وتصدرت أعماله المدخل الرئيسى لقاعات العرض والتى تناول فيها ملامح للحياة المصرية المعاصرة والتى ترتبط بتلك الحياة التى عاشها المصرين القدماء، وإستخدم ألوان الإيكريلك الذاهية التى توحى بالتفاؤل والحب. يتوسط الأعمال صورته الشخصية تقديرا وعرفانا بدوره المهم فى تاريخ الحركة الفنية.

الفنان الراحل أحمد نبيل سليمان

   جاء عنوان المعرض بهذا العدد الضخم من الفنانين الكبار والشباب كل فى مجاله يتحاورون مع الحضارة المصرية برؤى مختلفة ولكنها متشابكة وتتمحور حول البحث عن تلك العلاقة الأبدية بيننا وبين جدودنا.. البحث هنا عن لغة جمالية تنطلق من العلاقة ورؤيتها من وجهة نظر كل فنان على حدة. هناك من بحث فى الرمز والإسقاط، وهناك من إستلهم من البناءات العملاقة وقوانين الرؤية، والبعض القليل تناول الموضوع بشكل مباشر أرى أن الإنبهار بعودة الرؤية والبحث هى التى دفعته للمباشرة العاطفية، وأنه عندما يستريح ويتناول حضارة أجداده من جديد سيقدم رؤية بمفهوم آخر. 

لقد غير هذا المعرض مفهوم البعض لروية الإستلهام والعودة الى ربط الماضى بالمستقبل بلغة الفن المعاصرة. الجميع توحدوا فى نشيد جماعى له صوت مميز . فقدم الفنان الكبير مصطفى الفقى لوحتين بأسلوبه الخاص فى البحث عن أسرار الضوء والحركة فى الكتل والمساحات. وقدم الفنان طاهر عبدالعظيم لوحته المستلهمة من الصلاة عند الفراعنة وعلاقتها بالصلوات والعبادة بجميع الأديان.

طارق الكومى

  وكان للنحت حضور كبير وملفت لما حمله من معان وعلاقات مستلهمة من عبقرية النحت المصرى القديم. فقد الفنان طارق الكومى عملا عبقريا فى البناء المحكم وإستخدم الرمزية فى بناء الكتل، وإستلهم فكرة الضوء الذى يتعامد على وجه رمسيس الثانى مرتين كل عام. فقام الفنان بإبتكار فتحة أعلى تمثاله يتسرب منها الضوء حين تتعامد الشمس على التمثال وقام بنحت ممر للضوء ليتمكن من تغيير الشكل كل ظهيرة. وحافظ الفنان على قوانين البناء الفرعونية فإحترم الكتلة وترابطها وتأكيد القيمة الجمالية فى علاقتها بالفراغ. 

ومن عشاق الحضارة والتراث أيضا يتألق النحات السيد عبده سليم فى إبداع تمثال الأمومة وإحتضان الأم لوليدها ويستلهم من الملامح المصرية القديمة صرامة البناء وثبات الكتلة مع التأكيد على الطاقة الداخلية للعمل من خلال الموضوع. ننتقل الى الشموخ والقوة فى تمثال النحات شمس القرنفلى بأسلوبه المتميز فى البناء والكشف عن المعنى والجوهر فى أعماله بشكل عام وفى هذا العمل الذى أكد فيه على قوة البناء وتجسيد فكرته الفلسفية بوجهة نظر تحتاج الى التأمل للبحث عن الحقيقة الكامنة المرتبطة بسحر التشكيل فى تلك الخطوط الرأسية التى تصعد بنا من أسفل العمل الى قمته لنشار العمل فى حالة الشموخ التى صدرها الفنان. 

السيد عبده سليم

ويبدع النحات عماد اغا قطه البرنزى  المجرد بأسلوبه الخاص مستلهما الفكرة من تقديس المصريين القدماء للقطط والتى أطلقوا عليها "باستيت" وهى إلهة الحنان والوداعة عندهم، وكانت أيضا رمزا للخصوبة والحب. وهذا تمثال "حارس النيل" للنحات محمد ثابت والذى أكد فيه على القيم الفلسفية والجمالية فى أعمال الفن المصرى القديم لجذبك الى الرشاقة والقوة والمرونة والحركة، والإستمتاع بجمالياتها.

   كان حضور الخزف محدودا الأمر الذى دفع المشاهدين للاحتفاء بعمل الفنانة الشابة عبير محمد أحمد، والفنان حسن شبط.
-------------------------
بقلم: د. سامى البلشى

شروق طارق

شمس القرنفلى

طاهر عبدالعظيم

أحمد رأفت






اعلان