19 - 04 - 2024

"أبو الهول يغمض عينية" الترند الأشهر ماذا وراءه؟ وكيف تنتشر شائعة سخيفة بهذا الشكل؟

شائعة شغلت الرأي العام ورد عليها أثاريون وأساتذة اجتماع وإعلام
- مجدي شاكر: التعليم فشل فى توصيل حضارتنا للشعب و"الترند" تحول من أضحوكة إلى أمر خطير
- أحمد عامر: شائعات تستهدف إلهاء الرأي العام لكنها رفعت زيارات المنطقة الأثرية
- رحاب العوضي: من أهداف الشائعات إيقاع الخوف في قلوب الشعوب وزرع اليأس في النفوس
- محمد عبدالله: الشائعات تنمو وتزدهر في أجواء فقدان الحريات وانعدام الثقة بين المواطن والحكومة

اعتبر آثاريون وأساتذة اجتماع أن شائعة "إغماض أبوالهول لعينيه" استهدفت إلهاء الناس ونشر أكذوبة على خلاف الحقيقة، مطالبين بالتصدي لمثل هذه النوعية من الشائعات التي باتت ظاهرة في المجتمع.

على مدار أيام عدة، شغلت صورة "أبوالهول مغمض العينين" الرأي العام المحلي والعالمي، وأصبحت الصورة " ترند" واسع الإنتشار، وما بين مصدق ومكذب تحاول "المشهد" استبيان الحقيقة عند الآثريين، وخطورة الشائعات عند أساتذة الاجتماع والإعلام.

الحقيقة عند الآثاريين

 يقول د. مجدى شاكر كبير الأثاريين بوزارة السياحة، أن موضوع شائعة أبو الهول نظرت لها كشخص يعمل فى المجال منذ أعوام، فسرعة إنتشار الشائعة بسرعة البرق وتفاعل الناس معها داخل وخارج مصر، يعكس جانباً سلبياً للأشخاص الذين اعتبروها حقيقة، كما يدل على عدم وجود وعي لدى الكثيرين.

ويضيف: "برامج التعليم فشلت فى توصيل حضارتنا للشعب، وبالرغم من كثرة وسائل الإعلام الخاص والعام الا إنها فشلت في نشر الوعي بالثقافة الأثرية لدى الناس، والدليل على ذلك أن الأثار أصبحت لا يتم تدريسها الا فى الجامعات فقط، وقلة قليلة فى المدارس تدرس بعض التاريخ، لذلك يجب صياغة الوعي العام".

ويتابع أنه لا يفترض نظرية المؤامرة، لكن لا يمكن إنكارها بمعنى أنه اذا كان الموضوع من الأساس "تريند" أو تهريج فإنه انقلب إلى شيء جدي، خاصةً وأن هذه الأضحوكة من الممكن أن تتسبب فى كارثة حقيقية من خلال "تريند جديد"، لذلك لابد أن نأخذ فى الإعتبار تلك الشائعات ويجب أن يكون هناك رد عليها، لذلك أدعو علماء الاجتماع والنفس لدراسة هذه الظاهرة وإيجاد حل لها ، ويجب وضع ضوابط للسوشيال ميديا. 

ويقول الخبير الآثري والمتخصص في علم المصريات الدكتور أحمد عامر أن أبو الهول رمز للملك، وليس وجهه إلا صوره لوجه "خفرع"، ويبلغ طوله 57 متراً، وإرتفاعه يزيد قليلاً عن 20 متراً، وفي أيام الدولة الحديثة تغيرت فكرة المصريين عن "أبو الهول"، وبالرغم من أن الملوك في تلك الفترة كانوا يرمزون لأنفسهم بأسد له رأس رجل، وكان يرمزون أيضاً للمكان بأنثي الأسد ، فإن "أبو الهول" الرابض في صحراء الجيزة أصبح يمثل إله الشمس "رع"، ونجد أن تم نحت التمثال فى صخر المنطقة نفسها في عهد الأسرة الرابعة "2613-2494 ق.م.". 

ويضيف أن "لوحة الحلم" الموجودة في مقدمة التمثال لعصر الملك "تحتمس الرابع"، تحكي قصة الحلم المسجلة على هذه اللوحة منقوشة بالخط الهيروغليفي تفاصيل زيارة الأمير "تحتمس الرابع" إلى منطقة وادي الغزلان، قبل أن يتولى عرش مصر، وغلبه النعاس في ظل تمثال "أبو الهول"، الذي زاره في منامه وبشره بأنه سيصبح ملكًا لمصر.

 وفي مقابل هذه البشرى طلب "أبو الهول" من "تحتمس" أن يقوم بإزالة الرمال التي تغطي تمثاله، وهي نوع من الدعاية السياسية من أجل اعتلاء العرش بإرادة المعبود تكررت نفس الفكرة مع ملوك الأسرة الخامسة المعروفين بإسم ملوك الشمس في بردية "وستكار". 

ويتابع عامر أن هناك العديد من الحفائر أظهرت لوحات كثيرة توضح أن "أبو الهول" كان موضع تكريم وبصفة خاصة في عهد الدولة الحديثة، وأن كثيراً من الملوك والأشخاص العاديين كانوا يأتون لزيارته وإلتماس البركة والرضوان منه، كما تم العثور علي لوحات رسموا عليها أبو الهول" وعلي رأسه وجسمه التاج. 

ويستطرد الخبير الآثري أن تداول رواد السوسيشال ميديا صورة تمثال "أبو الهول" وهو غامض العينين مجرد تخاريف وخزعبلات، وهي مجرد شائعة لتشتيت وإلهاء الرأي العام، فتمثال "أبو الهول" لم تتغير ملامحه منذ آلاف السنين لم يتأثر بأي شئ، كما نجد أن "أبو الهول" لا يغمض ولا يفتّح عينيه ولا يتكلم" سواء الآن أو فيما بعد.

 ولكن استخدام زوايا معينة لإلتقاط صور لتمثال أبو الهول وأيضاً إلتقاط الصور في ضوء الشمس المباشر أو في الغروب يُظهر التمثال بملامح مختلفة، كما أن إستخدام تقنيات التصوير الرقمي وبرامج الفوتوشوب والتطبيقات الحديثة الموجودة على الهواتف الذكية، يجعل من السهل إظهار مثل هذه الصور. 

وبحسب عامر، فإن من بين الشائعات المرتبطة بـ "أبو الهول" أنه يوجد أسفله قارة اطلانطا المفقودة، بالإضافة إلى المقولة الشهيرة عن "أبو الهول" والتي آثارت جدلاً كبيراً بين رواد السوسيشال ميديا "حين يغمض عينيه يهلك العالم" وهذه المقولة تحديداً للترهيب منه فقط مثل المقولة الشهيرة على باب مقبرة "توت عنخ آمون" والتي تقول "سيضرب بجناحيه السامين كل من يعكر صفو الملك"، وكل هذه المقولات كانت لحماية الملك من أي خطر يهدده من أي بشر يحاول دخول مقبرته. 

المؤكد أن هذه الشائعات دليل على سعي التريند لكسب الشهرة، لكن قانوناً من الممكن أن يواجه صاحبها عقوبة السجن والغرامة بتهمة إثارة الرأي العام بمعلومات غير صحيحة وكاذبة، ومن حسن حظ الذي قام بالنشر أن نتائجه جات إيجابية، وكان لها صدى واسع وكبير في تنشيط السياحة الداخلية، فقد كان الإقبال كبيراً علي المنطقة الآثرية، بالإضافة إلي إنتشار هذا الموضوع علي مستوي العالم، وكان الجميع مهتما بمعرفة ماذا حدث والوصول إلي الحقيقة. 

خطورة الشائعات

ترى الدكتورة رحاب العوضي أستاذ علم النفس والإجتماع، أن الشائعات أحد أسلحة الأعداء فى الحروب، وفى بعض الأحيان تكون ممنهجة لإيقاع الخوف فى قلوب الشعوب ، كما أن للشائعة هدفا، فشائعات الإختطاف هدفها إما إصابة الناس بالرعب، أو بالترقب والتخوف والشعور بعدم الأمان فى وطنهم. 

وتضيف أن شائعات الإنهيار الإقتصادى ونقص السلع، هدفها زعزعة الثقة فى القيادة السياسية، أو أن يتم سحب السلع من السوق فيكسب من ذلك عديمو الضمير، ومن ضمن الشائعات أيضاً، زواج وطلاق الفنانين والسياسيين، وقد تكون مدفوعة الأجر لتسابق الصحفيين عليها وكسب نسب مشاهدة.

 لذلك من المفترض ألا نغفل عن تأثير الشائعة بدعوى أنها مجرد لعب ومزاح، ذلك أن إنتشار الأحاديث السلبية فى أكثر من موقع بنفس الوقت يهدف الى زرع اليأس، والخوف ونشر "الفوبيا"، والفزع بين الناس لذلك لابد من وقف تلك الشائعات. 

ويرى الصحفى والمحاضر بالجامعات محمد عبدالله ، أن الشائعات تنمو في الأجواء التي تنعدم فيها حرية تبادل المعلومات، وتراجع الحريات السياسية، كما أن الشائعات تتراجع في الأوقات التي تهتم فيها الدولة بالرد على استفسارات المواطنين، كما تنعدم في حال وجود ثقة بين المواطن والحكومة .

ويضيف: "هناك حالة من الشك بين المواطن والحكومة، مما يدفع أى شائعة للإنطلاق، وبالتالى يتم تصديقها من قبل المواطنين، والجزء الأخر من السؤال هل تنتشر الشائعة وحدها أم أن هناك من يطلقها لخلق بلبلة.. على سبيل المثال إذا تم خروج شائعة تخص الاقتصاد يكون المردود قويا جداً خاصة اذا كانت تخص المواطنين، وبالتحديد ارتفاع الأسعار".

ويتابع ان الحكومة تقوم بما يسمى بـ" بالونة اختبار" للمواطنين، فإذا أرادت رفع أسعار سلعة تعمل على نشر ذلك فيتم تداولها من قبل المواطنين لتصبح واقعا، وهنا الحكومة تقول أن الشعب تقبلها ، فتقوم برفع سعر تلك السلعة.

ويحمل عبدالله الإعلام مسؤولية القيام بدوره عن طريق إظهار الحقيقة للمواطنين، لتعود الثقة بين الاعلام والشعب مرة أخرى، ويجب أن تكون هناك توعية للشعب لتجنب تلك الشائعات، كما يجب على الحكومة أن تقوم بالرد عليها بسرعة شديدة حتي لا تتحول الى كارثة حقيقية.
--------------------------
تحقيق: بسمة رمضان 
من المشهد الأسبوعي

 






اعلان