عادل إمام.. ورحلة تبدأ من الجزائر
ـ "حاولت التطوع لتحرير الجزائر .. واتساءل الآن ماذا يحدث ؟!"
ـ "عرفات دعاني إلى وجبة أسماك في بيروت.. ولا أستطيع زيارته في غزة !"
منذ أعلن الفنان عادل إمام اعتزامه التوجه بمسرحيته "الزعيم" إلى الجزائر، تناقلت عنه وسائل الإعلام الكثير من التصريحات. ومع ذلك يمكننا أن نزعم أن هذا الحوار من نوع خاص. فقد كانت الجزائر مجرد محطة البداية في رحلة ممتدة ومليئة بالمحطات مع واحد من فنانينا الذين يتسع "سلطان" فنهم ليشمل جميع الدول العربية من المحيط إلى الخليج. وهكذا قام عادل إمام فوق هذه الصفحة بجولة في المكان العربي، وأخرى في الزمان العربي.
ورغم أن زيارة الجزائر لا يمكن لها أن تكون إلا خبرا فنيا وحدثا سياسيا معا، فإن عادل إمام حرص على التنبيه إلى أنه فنان بالدرجة الأولى، وأنه ليس خبيرا في الشئون العربية. وقال جملته التي باتت شهيرة : " أنا لست محمد حسنين هيكل أو د. أسامة الباز" . وأضاف هذه المرة أو عصمت عبد المجيد أو الأخضر الإبراهيمي.
وقلنا له أن فنانا تخترق فكاهته الحدود وتتجاوز الخلافات السياسية ـ وبدا يجوب بمسرحه وأفلامه أنحاء العالم العربي منذ أكثر من ثلاثين عاما فضلا عن الرسائل التي لاتزال تصله حاملة طوابع بريد كل الدول العربية ـ بالطبع لديه مايقوله، وعلى هذه الصفحة تحديدا . وجاء هذا الحوار في المكان والزمان بين السياسة والفكاهة والثقافة والفن .
رحلة في المكان
في البداية أبلغنا أن آخر ترتيبات زيارته للجزائر انتهت إلى عرض مسرحية "الزعيم" في العاصمة وفوق أكبر مسارحها، وهو أقرب إلى " الأوبرا" ويسع حوالي 1500 متفرج، وأن المسئولين الجزائريين عرضوا في البداية تجهيز مسرح مفتوح مثل "الاستاد"، لكنه اختار مسرحا مغلقا يوفر التجهيزات الفنية لإنجاح عرض درامي، ولأن المسرح المفتوح يلائم الغناء أكثر من الدراما. كما اكد أنه تبرع بكامل أجره للجزائر.
وسألنا عن الفارق بين حلم عادل إمام الخمسينيات "جيل حرب السويس" بالاستشهاد من أجل ثورة الجزائر ضد الاستعمار وذهابه الآن إلى هناك في ظروف مختلفة .. فمن يحارب؟ وهل هو العدو بالوضوح ذاته؟، فأجاب:
ـ العدو واضح هو الجهل والإرهاب .. وأثناء حرب التحرير ذهبت إلى مركز تطوع هنا، وعندي رغبة في الذهاب إلى هناك للاستشهاد من أجل الثورة الجزائرية. ولكن لم يقبلوني لصغر سني .. كان شعب الجزائر يحارب محتلا غاصبا ومستعمرا، وأنا كنت معجبا جدا بهذا الشعب . والآن اسأل ماذا حدث له ؟ .. ولماذا يقتل نفسه وأطفاله ومفكريه وعقله ؟. وعلى أي حال، أنا ذاهب إلى جمهوري الذي أعرفه واحدا واحدا .. فالتلفزيون هناك يعرض أفلامي .. وأعرف أسماء جميع ولايات الجزائر من الرسائل التي تصلني منها، ولا أحتاج إلى خريطة.
*في المغرب غالبت دموعك عندما دخلت إلى مسرح محمد الخامس في الرباط .. لماذا ؟
ـ حوالي 7 آلاف متفرج يهتفون باسمك وبحب في وقت واحد .. طبعا لحظة مؤثرة.. وفي قصر الصخيرات أتذكر أن الملك الحسن الثاني تكرم باصطحابي إلى أقرب باب في القصر عندما ودعني وبعد أن قلدني " الوسام". وفجأة التف حولي موظفو القصر لالتقاط الصورة ، وأبلغني مرافقي أنها سابقة لم تحدث من قبل.
*كانت هذه الرحلة لدعم صندوق القدس الذي جلبت له أول درهم .. كيف يستمر هذا الدعم ؟
ـ صحيح .. لكن لابد أن نعرف أولا ماهي الحكاية.. والوضوح مطلوب .. وهل يتحمل الفن وحده وعادل إمام وحده هذه المسئولية.
* الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تفضل بدعوتك إلى الغذاء في بيروت ..وجلست معه في تونس .. ماذا تقول له وهو في غزة؟
ـ نعم .. في بيروت اكلت مع عرفات وجبة سمك. وكان قبل أن تخرج المقاومة الفلسطينية بشهور معدودة في عام 1982.. والآن أقول له: الله معك.
*وماذا لو وجه إليك الدعوة لتزور غزة؟
ـ أين أذهب؟.. هل يجب أن أحصل على تصريح من إسرائيل ؟.. بينظير بوتو كان يجب عليها أن تحصل على إذن من إسرائيل كي تزور عرفات في غزة. والرئيس الفلسطيني نفسه يحتاج إلى تصريح في الدخول والخروج. والمسألة هي هل هذه الأرض فلسطينية وعربية مائة في المائة أم لا؟.
* بعد كامب ديفيد بشهور اخذت حكما بالحبس ثلاثة أشهر"مع إيقاف التنفيذ" لأنك قلت أثناء عرض مسريحة " شاهد ما شفش حاجة" عبارة "هو مين بيجين؟". والآن وبدون خوف من حكم آخر ماذا تقول عن نيتانياهو والذي وصفته قبل وصوله إلى الحكم بأنه ممثل جيد؟
ـ مازلت عند رأيي .. هو ممثل جيد لكن في النهاية تمثيله ممل.
* ويصلح يمثل كوميدي؟
ـ حالنا العربي هو الكوميديا، وكم فيه من المضحكات.
* في لبنان ..زرت قانا، ما الذي تبقى في ذاكرتك ووجدانك عن هذه المذبحة؟
ـ لم اكن اتصور حجم المأساة إلا عندما ذهبت، وقابلت الناس، ورأيت أطفالا عمرهم ستة شهور قتلوا بعد أن لجأت أمهاتهم إلى معسكر الأمم المتحدة .. ويظل السؤال لماذا يتحرك العالم والرئيس الأمريكي فقط عندما يحدث انفجار في إسرائيل ولا يتحرك أحد من أجل أطفال قانا ؟.. هذا شئ " يغيظ ويغل".
* حقق فيلمك "بخيت وعديلة" أعلى إيرادات في دور العرض اللبنانية في عام 1995، وقبلها ألقيت قنبلة على سينما في طرابلس أثناء عرض "الإرهابي" .. ما الذي يعنيه ذلك؟
ـ أحيانا أفلامي تصطدم بترقب وتحفز من المستوى السياسي، وليس الرقابي فقط . في بيروت الشرقية حذفوا من " الإرهابي" 20 دقيقة تقريبا.. وفي طرابلس ثلاثة أرباع ساعة كاملة بسبب ضغط " الإخوان المسلمين" هناك على المحليات.. ولكن في بيروت الغربية عرض الفيلم كاملا.
*مع سوريا وتحديدا مع الفنان دريد لحام .. من المسؤول عن أن مشروع الفيلم المشترك " وطن في السماء" لم يستقر بعد على أرض؟
ـ للأسف حدثت خلافات بين لحام " المخرج" وهو فنان ومثقف عربي كبير ومحمد الماغوط المؤلف وكاتب السيناريو ..والموضوع كان أقرب إلى النوايا، ووارد أن يتجدد مرة أخرى.
*الزعيم الليبي معمر القذافي أجرى جراحة لعلاج كسر في العظام .. ماذا تقول له؟
ـ أدعو له بالشفاء العاجل.
*وهل التقيتما من قبل ؟
ـ لا.
*صحيفة سودانية امتدحتك في صيف 1995 وفي أشد فترات أزمة العلاقات الرسمية مع مصر، وقالت انك ملك الكوميديا العربية في نهاية القرن العشرين .. كيف يتعاملون مع عادل إمام في السودان؟
ـ كان السودان من أوائل الدول العربية التي زرتها ، وعرضت مع المرحوم أمين الهنيدي " غراميات عفيفي". ثم ذهبت " بشاهد ماشفش حاجة" ثم " مدرسة المشاغبين". والحقيقي أنا نفسي أعرض " الزعيم " في السودان، ولكن هل يسمح لي نظام الجبهة بذلك؟. وبالمناسبة فإن الشعب السوداني يميل إلى الظرف والفكاهة. وأنا شخصيا لم أر في حياتي سودانيا "دمه تقيل"، وأراهن على ذلك.
*وعن دول الخليج العربي .. يقال أن غالبية جمهور مسرحك من خارج مصر ياتي من هناك .. ماذا تقول ؟
ـ هذا يسعدني وأنا فخور .. وفي آخر زيارة ذهبت إلى البحرين كان لون المسرح بأكلمه " أبيضا".. يعني الجميع من أهل الخليج أنفسهم.. وهذا جديد.
*واليمن والاردن .. أين مسرحك منهما؟
ـ منذ فترة طويلة عرضت "شاهد ما شفش حاجة" في جرش بالأردن.. وللأسف حدثت حالات وفاة بسبب الزحام الشديد.. وأرغب في زيارة اليمن، ومستعد لتبية أي دعوة يمنية.
*قلت فور غزو الكويت أن صدام وجع في قلب العرب.. ألم تفكر في عروض من أجل أطفال الحصار في العراق؟
ـ نعم .. وأنا مستعد للذهاب من أجلهم لو سمحت الظروف. والحقيقة أتمنى التجول بمسرحي في كل الدول العربية، بما في ذلك السعودية بدون أي حسابات سياسية، وبدون أن يتهمني أحد بالكفر.
رحلة في الزمان
*من يصلح لحمل رسالة التحذير من المخاطر والتحديات إلى " الوالي" في عالمنا العربي الآن؟
ـ لا أرى .. ولكن اعتقد أن وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون يمكنها أن تتحلى بالجرأة وتحمل الرسالة.. والأمر في النهاية يتوقف على المثقفين.. وهل هناك مثقف حقيقي أم لا ؟.
*العلاقة بين الإرهاب والكباب وطيور الظلام بعد ربع قرن .. كيف تراها؟
ـ ربع قرن "مشفي" ( يضحك)..أنا أراهن على التاريخ . ورغم خطورة "الحشاشين" في عهد صلاح الدين الأيوبي ذهبوا ولم يتركوا خلفهم شيئا يستمر. وكذا " القرامطة" والمذاهب المتطرفة.. أراهن على طبيعة الشعب المصري والعربي ورفضه للإرهاب. وأعتقد أن الإرهاب سوف ينتهى ..أما الفساد فهو موجود مادام هناك " فلوس"، والأمر متروك للشعوب.
*آخر جملة في مسرحيتك " الزعيم" هي أن " الأحلام بالناس تتحقق"، ما الذي يبقى من الأحلام العربية ؟ ، وما الذي يمكن تحقيقه؟
ـ أنا شخصيا أحلم بالوحدة العربية .. حكومة ولايات متحدة.. من غير الضروري لكن لماذا لانجد صيغة مثل الاتحاد الأوروبي؟. وفي كل الأحوال ليس أمامنا إلا حلم القومية أرجو ألا نفقده.
*في ظل علاقات عربية ـ عربية وصفتها أنت من قبل بأنها مدعاة للسخرية، ما الذي تقصده بحكومة الفن العربية؟
ـ لما كان عبد الحليم حافظ يقدم أغنية جديدة نسمعها في اليوم التالي مباشرة في المغرب والشام .. هذه مسألة مهمة ولا علاقة لها بالسياسة.. وانظر كيف استقبل الشعب المصري الواعي الذواق دريد لحام في الثمانينيات وكاظم الساهر في التسعينيات ؟.. واعتقد أن كل ذلك نوع من الديمقراطية التي تجمع العالم العربي كله في ظل حكومة الفن.
*وما الذي تستطيع اتحادات الفنانين القيام به ؟
ـ يكفي وجود وديع الصافي ودريد لحام ولطفي بوشناق وطلال مداح والمحافظة على وجود هؤلاء وأمثالهم ومن يأتي بعدهم .. وهذا اهم عندي من الاتحادات واللجان المنبثقة عنها.
------------------------------
أجرى الحوار: كارم يحيى
(صفحة "بانوراما عربية"، الأهرام ، عدد الجمعة 17 يوليو1998)
حكاية حوار مع عادل إمام عمره 24 سنة