19 - 03 - 2024

تفسير لما جرى في انتخابات جامعة بيرزيت

تفسير لما جرى في انتخابات جامعة بيرزيت

آثار فوز حركة حماس ب 28 مقعدا من أصل 51 مقعدا في انتخابات جامعة بيرزيت الطلابية لهذا العام 2022 حنق أبناء فتح، الذبن حمَّلوا قيادة الحركة، ولجنتها المركزية وقيادة الشبيبة والمسؤولين عن الشبيبة والمناظر عن الشبيبة ومن اختاره، وغير ذلك من قضايا داخلية، مسؤولية هذه الهزيمة في الانتخابات، لقد كانت هزيمة صعبة ومرة، كما شعرت من تعليقات كثير من الفتحاويين والوطنيين؟! 

فهل كانت تلك هي الأسباب الحقيقية لهزيمة فتح في هذه الانتخابات أم أن هناك أسباب حقيقية أخرى؟! 

السبب في هزيمة فتح في هذه الانتخابات هو قيادتها للمشروع الوطني، مشروع السلطة الفلسطينية، مشروع الدولة، وهو بالمناسبة المشروع الوحيد العملي الموجود في الساحة وغير ذلك تنظير كلام ومناكفة لا ترتقي الى مستوى الفعل. 

مشروع السلطة والدولة يعاني من ثلاث تعقيدات/ تحديات رئيسية، لن أبدأ بموقف وتأثير الاحتلال على هذا المشروع رغم اهميته واولويته. ولكني سأبدأ بضعف الوعي الوطني الفلسطيني تاريخيا، بين الجماهير والمثقفين، بوعي أهمية وجود سلطة للشعب الفلسطيني. 

لقد كان السبب الرئيسي لنكبة 1948 في احد اسبابها الذاتية ، فقدان سلطة وطنية/ كيان وطني ومؤسسات تقود وتوجه وتحمي هذا الشعب من المخططات الصهيونية أثناء حرب 48 أو تحميه وتقلل من اثار النكبة بعد حرب 48. 

حتى من يؤيد من المثقفين وجود مثل هذه السلطة يشترط فيها الكمال والخلو من المثالب، متناسيا أن هذه سلطة تحت الاحتلال، لم تأت نتيجة للتحرير أو نتيجة للتطور الطبيعي لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، هذه سلطة تحت الاحتلال وتتاثر بكل أفعال وإجراءات الاحتلال، مثلما الشعب الفلسطيني يعيش ويتأثر بهذا الاحتلال. 

هذا ناهيك عن موقف الفصائل الرئيسية وكثير من المثقفين من هذه السلطة، حيث يعادي هؤلاء هذه السلطة منذ قيامها ويشنون ضدها حملات اعلامية متواصلة لتشويهها تحت عناوين مثل التنسيق الأمني وإعادة إحياء منظمة التحرير. 

هذا بعيدا عن الفصائل الإسلامية التي تمتلك ماكينة إعلامية جبارة، مدعومة من دول الإقليم وتعمل ليل نهار، من أجل إسقاط السلطة الفلسطينية في الضفة وتقوية سلطتها في غزة، ولا تخفي طموحها وطرح نفسها كبديل عن هذه السلطة، رغم إعلامها الذي يدعي انها مشروع للمقاومة وليس من أجل السلطة، خذوا الكراسي وخلوا الوطن؟!!! 

باختصار تتعرض ويتعرض الوعي الوطني الفلسطيني إلى التضليل اليومي الممنهج مما حرف هذا العقل عن اولوياته، ولم يعد يتبين مصالحه الحقيقة من حجم الكذب والتضليل الذي يتعرض له ليل نهار. فعندما يساوي أبناء التنظيمات اليسارية بين غسان كنفاني، المثقف الفذ وصاحب مقولة كل الحقيقة للجماهير وبين نزار بنات، واعتبار الاخير رمزا للحرية والكلمة الشريفة، عليك بهذا المثال فقط تعرف مدى الانحراف الذي اصاب العقل الفلسطيني خاصة عقل الشباب من بينهم. 

وعندما يعتقد مؤيدو التنظيمات الإسلامية أن الحروب الاربعة التي تعرضت لها غزة هي المقاومة، ويدعون أهل الضفة للركوب في سفينة غزة، لا يعرف أمثال هؤلاء كم من أبناء غزة غرق في سفن ورمال الهجرة هروبا من أوضاع القطاع. 

اما التعقيد / التحدي الرئيسي الثاني الذي تتعرض له السلطة الفلسطينية ومشروعها نحو الدولة هو التحدي الإسرائيلي. لقد أفاقت اسراىيل العميقة بعد سنوات قليلة، لتجد أن اتفاق أوسلو نتج عنه مؤسسات وأجهزة أمن فلسطينية قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني وعلى التصدي للاحتلال الاسراىيلي ومواجهته دوليا وعلى الأرض، فكان قرارها إنهاء أوسلو واغتيال قادتها رابين وعرفات، وشن عدوان على السلطة في الضفة الغربية وتدمير مؤسساتها والعمل مع دول الإقليم على فصل غزة عن الضفة الغربية. 

فصل غزة عن الضفة لم يضعف السلطة الفلسطينية بمقدار مساحة غزة أو بمقدار عدد سكانها، بل وجه ضربة قاصمة لشرعية تمثيل السلطة للشعب الفلسطيني وأفقدها قوة جماهيرية فاعلة وضاربة، كانت وما زالت خط الدفاع عن هذه السلطة وعن مشروعها الوطني. 

السلطة الفلسطينية هي العدو الأول والرىيسي لإسرائيل، لذلك تعمل الأخيرة ليل نهار على إضعافها وصولا إلى تدميرها. طبعا هناك من يدعي ويروج خاصة من الأحزاب المذكورة ومثقفيها وبعض الليبراليين الذين يتمتعون بالهوية الزرقاء والنمرة الصفراء أعداء مشروع السلطة، بأن هذه السلطة لن تستمر يوما واحدا لو رفعت إسرائيل غطاءها عنها. إنه الوهم وعدم وعي قانون الصراع الجاري على الأرض بين الشعب الفلسطيني وسلطته وبين هذا الاحتلال. 

هذه السلطة التي استطاعت أن تحول جنازة الشهيدة شيرين ابو عاقلة إلى عرس وطني والى أطول جنازة من جنين إلى نابلس إلى رام الله إلى القدس، دون أن تجرؤ اسراىيل على خطف جثمان الفقيدة، من كان سيحمي هذا الجثمان طوال هذه الرحلة على حواجز الاحتلال لولا السلطة الفلسطينية وعلاقتها الدولية. 

تجفيف موارد السلطة الفلسطينية، هذا هو التحدي الثالث الذي تواجهه السلطة الفلسطينية. فقدت هذه السلطة اولا موارد غزة الرئيسية بعد الانفصال واستمرت تدفع لغزة وأهلها مستحقاتهم في ميزانية السلطة من مرتبات ومصاريف على الصحة والتعليم وغير ذلك. 

ثم بدأت اسراىيل بسرقة جزء هام من أموال المقاصة تحت مسمى دعم السلطة ورعايتها للإرهاب، لم ترضخ السلطة وأعلن الرئيس ابو مازن أكثر من مرة متحديا الاحتلال وضاربا مثلا في الوطنية اننا لن نتخلى عن أهالي الشهداء ولا عن الجرحى ولا الأسرى وسنواصل دفع مستحقاتهم حتى آخر قرش تملكه السلطة، وأجادت السلطة في إيجاد البدائل للبنوك التي رفضت استقبال هذه الأموال ولم ترضخ السلطة ولن ترضخ للابتزاز الاسراىيلي 

كما لن ترضخ السلطة لابتزاز الدول الأوربية التي تطالبها بتغيير المناهج وحذف كل المفاهيم والقيم الوطنية الفلسطينية من المنهاج الفلسطيني، رفضت السلطة هذا الابتزاز وستواصل رفضه. 

لم تتلق السلطة في السنة الماضية وهذا العام اي أموال دعم عربية أو أوروبية، كما صرح رئيس الوزراء أكثر من مرة، بل إن الدول الأوروبية توقفت عن تمويل مشروع الشؤون الاجتماعية للأسر الفقيرة مما حرم هذه الأسر التي تعد بعشرات الآلاف، أكثر من 180 الف اسرة، من مستحقاتها كل 3 شهور مما آثار حنق هذه العائلات المستورة على السلطة الفلسطينية التي لا تملك الأموال لمواصلة هذا المشروع. 

أن تجفيف موارد السلطة الفلسطينية هي خطة قديمة تم استخدامها ضد حكومة عموم فلسطين وادت آلى إسقاطها. 

أن السلطة مضطرة من أجل مواجهة هذا الابتزاز وهذه المؤامرة الى خفض مرتبات الموظفين والمتقاعدين وباقي الفئات الأخرى، حيث وصل حجم ديون السلطة من البنوك من أجل تامين المرتبات الشهرية إلى 16% من دخلها القومي، كما يقول أحد المتخصصين، وهذا يتطلب تخفيض ميزانية المرتبات إلى النصف. بالتأكيد هذا الاجراء أن حدث سيؤلب المجتمع الفلسطيتي، خاصة الموظفين وأسرهم ضد السلطة، في وقت يطالب الكثير من فئات الموظفين ويخوضون الإضراب من أجل زيادة مرتباتهم. 

هذه بعض التعقيدات / التحديات التي تواجه السلطة ومشروعها الوطني والتي ستنعكس شئنا ام أبينا على صاحبة وقائدة هذا المشروع، حركة فتح، أم الشعب والمؤتمنه على حاضره ومستقبله. 

هذا لا يعني للحظة واحدة أن فتح خالية من النواقص وانها تنظيم كيوت، لا يوجد فيه منتفعون ومتسلقون، وان جميع عناصرها منحازين للبعد الوطني بعيدا عن مصالحهم الذاتية والنتش والهبش. 

فتح صورة حقيقية للشعب الفلسطيني تعاني مما بعانيه هذا الشعب، وتفتخر أنها الوجه الصادق والحقيقي لهذا الشعب، تحافظ على مصالحه ولا تضلله ولا تبيعه الوهم ولا تجيد الخطابة والرطانة التي يسوقها الآخرون على هذا الشعب، دون وازع. 

فتح هي قدر الشعب الفلسطيني، ومشروع السلطة والدولة يستحق التضحية ويستحق أن تخسر فتح هنا أو هناك، لا خوف على ام الجماهير.
-----------------------------
بقلم: د. رياض عبدالكريم عواد

مقالات اخرى للكاتب

الحرب على غزة، التضليل المتواصل





اعلان