22 - 05 - 2025

الهروب الكبير للأموال الساخنة

الهروب الكبير للأموال الساخنة

بعد رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة لـ 1%
- اضطراب الأسواق.. وأشباح السوق السوداء يعاودون الظهور
- المركزي يتخذ إجراءات للتحوط .. وإقبال الأفراد على شراء الذهب

رغم إعلان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عزمه رفع أسعار الفائدة خلال عام 2022 بشكل مسبق لمجابهة ارتفاع معدلات التضخم المرتفعة لأعلى مستوياتها في 40 عاما بالولايات المتحدة وترقب الأسواق لهذا القرار.. إلا أن قرار الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة ألقى بظلاله على اقتصادات الأسواق الناشئة حيث يدفع القرار الاستثمارات الأجنبية (من الأموال الساخنة) الممثلة في أسواق المال وسندات الخزانة إلى الهروب والتخارج سعيا نحو عائد استثمار أعلى.

د. عبد المنعم السيد رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية يكشف عن خروج مليارات الدولارات من السوق المصرية بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. لافتا إلى أن المستثمرين الأجانب كانوا يحصلون على قروض من البنوك في بلادهم بمعدل فائدة 0.25% لاستثمارها بعائد مرتفع في الأسواق الناشئة مثل السوق المصرية بمعدل عائد مرتفع على الدولار يصل إلى 2% إلا أن قرار الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة إلى 1% وسط ترقب المستثمرين استمرار الاحتياطي الفيدرالي في سياسة الانكماش يدفع المستثمرين الأجانب إلى التخارج من الأسواق الناشئة بسبب ارتفاع التكلفة الاستثمارية وتراجع قيمة العائد فيها.

وأضاف السيد، أن البنوك المركزية في أوروبا والدول الخليجية تحذو حذو الفيدرالي الأمريكي في السياسة النقدية حيث تقوم برفع أسعار الفائدة بشكل مباشر وسريع عقب القرار حفاظا على حجم الودائع والسيولة من العملة الصعبة داخل قطاعها المصرفي وهو ما قامت به لجنة السياسات النقدية في البنك المركزي المصري في وقت سابق والمتوقع أن تكرره خلال اجتماعها المقبل أيضا.

وكانت بيانات البنك المركزي المصري قد أظهرت مؤخراً أن صافي الأصول الأجنبية انخفض 169.7 مليار جنيه مصري (9.17 مليار دولار) في مارس الماضي. وبحسب البيانات فإن هذا التراجع هو أكبر تراجع للأصول الأجنبية منذ اندلاع أزمة كوفيد-19 في فبراير 2020 حيث سجلت صافي الأصول الأجنبية سالب 221.3 مليار جنيه (أي سالب 12 مليار دولار) بسبب تخارج العديد من المستثمرين الأجانب من أدوات الدين الحكومي المصري وهو ما يعرف بالأموال الساخنة. 

وصافي الأصول الأجنبية هو مؤشر يصدر بشكل دوري من البنك المركزي وهو يعني صافي حجم ما تملكه البنوك المصرية بما فيها البنك المركزي من أصول بالعملة الأجنبية بين ودائع، وأوراق مالية وخلافه، مخصوما منه التزاماتها كأقساط وفوائد الديون الخارجية بالنقد الأجنبي. ويعني تسجيل صافي الأصول الأجنبية بالسالب أن التزامات القطاع المصرفي المصري بالنقد الأجنبي أكبر مما لديه من أصول به. 

وكان تدفق العملات الأجنبية خارج البلاد، الذي أثاره جزئيا قلق المستثمرين في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا، من بين العوامل التي دفعت البنك المركزي إلى خفض قيمة الجنيه بنسبة 14% يوم 21 مارس.

وألقى قرار الفيدرالي الأمريكي بظلاله على الاقتصاد المصري خلال الأسبوع الماضي حيث سيطرت حالة من الفزع والمخاوف على الأسواق بعد هروب الأموال الساخنة خارج البلاد والتي كانت تلعب دورا كبيرا في توفير السيولة من العملة الصعبة داخل السوق.. حيث اضطربت الأسواق وارتفعت الأسعار وتفاقم التضخم عالميا مما أثر بشكل كبير على سلاسل الإمداد والتوريد وأيضا زيادة أسعار الشحن ومدخلات الإنتاج.

ووسط مخاوف نقص الدولار في البنوك، عاود تجار العملة في السوق السوداء الظهور من جديد لجمع الدولار بأسعار أعلى من البنوك وصلت إلى 20 جنيها للشراء و21 جنيها للبيع وهو ما دفع البنك المركزي المصري للتحوط ضد مثل هذه الممارسات من خلال توجيهات للبنوك برفض استلام الدولار الأمريكي مجهول المصدر من المستوردين أو لعمليات الاستيراد لتقتصر عملية تدبير الدولار للاستيراد على القطاع المصرفي الرسمي فقط.

أما الأفراد فاتجهوا بشكل ملحوظ نحو شراء السبائك الذهبية للحفاظ على قيمة مدخراتهم وسط مخاوف ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه.. وقال إيهاب واصف رئيس شعبة المعادن الثمينة بغرفة الصناعات المعدنية لدى اتحاد الصناعات المصريةإن الزيادة السريعة في أسعار الذهب سببها زيادة الطلب على المعدن الثمين في إطار وعي المواطن بأهمية الاستثمار في الذهب كمخزن للقيمة مشيرا إلى أن المخاوف بشأن زيادة الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة دفع الأفراد والمستثمرين إلى التحوط من مخاطر التضخم عبر شراء السبائك الذهبية.

ووصف واصف اتجاه الأفراد والمستثمرين للتحوط ضد مخاطر التضخم عبر شراء الذهب بأنه صحي ومفيد للاقتصاد المصري بدلا من الاتجاه نحو الدولرة كما كان يحدث في السابق مما دفع السوق الموازية للدولار للتضخم آنذاك، مضيفا أن الأفراد أدركوا أهمية اقتناء الذهب كزينة ومخزن للقيمة في نفس الوقت وهو ما يؤكد زيادة الوعي لدى الأفراد والمستثمرين.

وأعلن البنك المركزي الأمريكي يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، عن أكبر زيادة في أسعار الفائدة منذ 22 عاما، وذلك في إطار معركته الحالية لكبح جماح ارتفاع الأسعار السريع.

ومن خلال رفع أسعار الفائدة، ستجعل البنوك عملية الاقتراض أكثر تكلفة على الأفراد والشركات والحكومات، بينما تشجعهم على إيداع الأموال للاستفادة من الفائدة المرتفعة.. وسيؤدي هذا بحسب التوقعات إلى تهدئة الطلب على السلع والخدمات والتأثير على القوة الشرائية، مما يساعد على تخفيف تضخم الأسعار.

وبلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة 8.5 بالمئة في مارس الماضي، وهو أعلى معدل سنوي منذ عام 1981، وتفاقم الوضع بسبب التسارع في ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة حيث يفوق هذا بكثير هدف البنك المركزي الأمريكي الذي كان عند حدود 2 بالمئة، وأصبح هذا الارتفاع يمثل قضية سياسية متفاقمة لرئيس الولايات المتحدة جو بايدن.

ويرى العديد من الاقتصاديين أن الاحتياطي الفيدرالي كان بطيئا في الاستجابة لهذه المشكلة، والتي تتأثر بعدة عوامل منها نقص الإمدادات المرتبط بتفشي فيروس كوفيد19، وصدمة أسواق الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى الإنفاق الحكومي الهائل في الولايات المتحدة لدعم الاقتصاد بعد انتشار الوباء، وإجراء فحوصات طبية مباشرة للأسر.
--------------------------
محمد صبيح