20 - 04 - 2024

الواقع يتحرش بالأجانب، ويتحدى وزير السياحة

الواقع يتحرش بالأجانب، ويتحدى وزير السياحة

في الوقت الذي تحاول فيه الدولة جاهدة بشتى الطرق  حل الأزمة الاقتصادية من خلال الممكن والمتاح، يقوم البعض بقصد أو بغير قصد بتدمير الممكن والمتاح؛ فمنذ سويعات قليلة تداول نشطاء الفيس بوك فيديو لمجموعة من الصبية "يضايقون" بعض الأجانب عند منطقة الأهرامات؛ لنصدّر للعالم أجمع مشهدا من مشاهد الكوميديا السوداء؛ لدولة حضارتها تجاوزت الـ 7000 الآف سنة، يقوم فيها أحفاد بناة هذه الحضارة بالتحرش بالأجانب أمام معلم من أهم العالم السياحية في العالم؛ لندمر بأيدينا قطاعا من أهم قطاعات الدولة. 

بحسب رئيس الجهاز التنفيذى للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، يساهم قطاع السياحة بنسبة 11.3% من إجمالى الدخل القومى ويوفر 19.3% من إجمالى العملة الصعبة إلى جانب توفير 12.6% من إجمالى قوة العمل بمصر، وفي تصريح في مايو 2019 لوزيرة السياحة السابقة، ووزيرة التعاون الدولي حاليا الدكتورة رانيا المشاط  أعلنت ان هذا القطاع يعد أسرع القطاعات الاقتصادية نموا، ويمثل 20% من إجمالي الناتج المحلى في مصر. 

ولأهمية هذا القطاع تقوم الدولة مشكورة من وقت لآخر بالإعلان عن تسهيلات لتنشيط السياحة، وللأسف الشديد يُهدم كل ذلك، ويذهب أدراج الريح أمام بعض الأفعال العجيبة الغريبة، والتي تحتاج إلى وقفة كوقفة المجتمع الصيني عام 2013 ، فأثناء زيارة طفل صيني في الخامسة عشر من عمره لمدينة الأقصر قام بكتابة بعض النقوش الصينية على جدار أحد المعابد الفرعونية، واحدثت الصورة جدلا واسعا على مواقع الانترنت، وكانت كل هذه الضجة من أجل جملة تتكون من أربع كلمات (دينغ شينهوا كان هنا) زي ما عندنا مثلا بيكتبوا (أنا بحبك يا فلانه) ، (معا للأبد) ، (للذكرى الخالدة) وكلها جمل بسيطة نشاهدها يوميا دون ان تهتز فينا شعرة رأس، وعلى النقيض تماما لم تمر جملة الصبي الصيني مرور الكرام مثلما يحدث عندنا؛ فقامت السلطات الصينية بنشر عنوان الطفل واسم مدرسته مما تسبب له في متاعب كثيرة؛ كما تم تعطيل الموقع الخاص بالمدرسة، وقام الإعلام الصيني بشن حملة هجوم موسعة استنكرت خلالها هذا الفعل المشين، ومن جانبها قامت عائلة الطفل بالاعتذار في وسائل الإعلام؛ بل ان الفتى نفسه اعتذر.  

ما حدث من جانب المجتمع الصيني يكشف لنا البون الكبير بين تعاملنا وتعاملهم؛ فالعقل الجمعي الخاص بالمجتمع الصيني يدرك خطورة ما قام به هذا الصبي، وخطورة تحوله من سلوك فردي لسلوك عام، ولذلك كانت المدرسة أولى المدانين؛ لانها المحارب الأهم على خط النار؛ فهي النواة الرئيسية إلى جانب الأسرة المنوطة بتشكيل وعي الطفل؛ ومن هذا المنطلق لا بد من قيام وزارة التربية والتعليم بتدريس مادة لتشكل وعي الطلاب وتعرفهم بهويتهم وثقافتهم لان هذه النقطة تحديدا عليها التباس شديد، ويستغلها الجهلاء في طمس الهوية المصرية القديمة أمام أفكار مغلوطة؛ فندخل في صراع وهمي بين الحضارة المصرية والثقافة العربية؛ مما يؤدي إلى اهمال وتهميش لحضارتنا؛ بل وللتعامل معها باستخفاف كما شاهدنا المنظر المهين التي تعرضت له السائحة على يد مجموعة من الصبية المظلومين في رأيي؛ فهم ضحايا فترة من أسوأ الفترات التي يمر بها المجتمع المصري؛ فكل شيء حولهم شكلي؛ حتى هويتهم مطموسة وتمر بصراع وهمي حسمه أديب نوبل الكاتب العالمي نجيب محفوظ، والذي قال بعد حصوله على جائزة نوبل (أنا ابن حضارتين تزوجتا فى عصر من عصور التاريخ زواجًا موفقًا، أولهما عمرها سبعة آلاف سنة وهى الحضارة الفرعونية، وثانيتهما عمرها ألف وأربعمائة سنة وهى الحضارة الإسلامية). 

وضوح هذه الكلمات يزيل اللبس عن أي إشكالية وهمية تجرنا لصراع وهمي، للأسف موجود ويحتاج لحل جذري؛ فإلى جانب تدريس مواد تثقيفية تعريفية بالحضارة المصرية وبالسياحة وبكيفية التعامل مع السياح لابد من "فرض" رحلات مدرسية لمختلف الأماكن السياحية، شرط ان يتم ذلك بالتنسيق بين وزارة التربية والتعليم وزارة السياحة ووزارة الثقافة من خلال خطط عمل ممنهجة لتشكيل وعي الطلاب على أسس فكرية صحيحة. 

لابد أيضا من قيام المؤسسات الدينية بعمل ندوات تثقيفية داخل المدارس!. قد يقول البعض ان هذا خلط للأوراق؛ حقيقة الأمر هذا الخلط موجود، ولابد من التعامل معه لا تجاهله؛ فأولا وجود المؤسسات الدينية داخل المدرسة يمنع الغمز واللمز بوجود تعارض بين الأديان والآثار وبين الأديان والحضارات الإنسانية عموما، وثانيا لان المجتمع حاليا ارتضى بوجود دور لهذه المؤسسات في كل كبيرة وصغير، وثالثا لمحاربة الأفكار المتشددة. 

طبعا وجود رجال الدين يكون قاصرا على هذا الأمر، ولا يكون وجودا شكليا من خلال بعض التصريحات التي تخرج علينا ما بين الحين والآخر. لابد أيضا من تضافر الجهود المدرسية؛ بان يقوم مثلا فريق المسرح المدرسي بتقديم عروض مسرحية تعريفية بحضارتنا المصرية؛ بل وتدخل هذه العروض في منافسة فنية مع باقي العروض المسرحية لمختلف المدارس، والفائز يقدم عرضا مسرحيا أمام الأجانب بالمناطق السياحية كنوع من تنشيط السياحة؛ فللفنون عظيم الأثر في الإرتقاء بثقافة الأمم؛ خاصة الأمم التي تعاني من إشكاليات مجتمعية، وتحديدا المشكلات الأخلاقية؛ فأي باحث أو دارس لعلم الاجتماع يعرف ان الأخلاق لها تاثير كبير في قيام الحضارة أو انحدارها، ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا) .. ونحن نحتاج إلى إعادة النظر في العملية التعليمية برمتها من خلال تضافر كل الجهود المجتمعية لتصحيح الكثير من الأمور، والتي تحتاج لأفكار خارج الصندوق من خلال رؤية شمولية تطبق بمنتهى الدقة والحزم.  
---------------------------
بقلم: مينا ناصف

الفيديو الكارثي

 

مقالات اخرى للكاتب

إحنا مش ضد اليهود!





اعلان