24 - 04 - 2024

هل تساهم التدفقات الخليجية لمصر في السيطرة على التضخم والأسعار؟

هل تساهم التدفقات الخليجية لمصر في السيطرة على التضخم والأسعار؟

أعلنت دول خليجية مؤخرًا عن تخصيص 22مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات وتمويلات لمصر، وذلك بعد لقاءات حكومية رفيعة المستوى خلال الفترة الماضية،وتعود هذه الأموال لصناديق سيادية سعودية وقطرية وإماراتية، مقسمة بين 5 مليارات دولار أودعتها السعودية في البنك المركزي المصري، و10 مليارات أخرى ينوي الصندوق السيادي السعودي أن يضخها في مصر، و5 مليارات دولار تعتزم قطر استثمارها في مصر، و2 مليار دولار من صندوق أبوظبي السيادي لشراء حصص في شركات مدرجة بالبورصة المصرية.

وتأتي هذه التدفقات على مصر من ودائع واستثمارات في وقت حرج يتراجع فيه نشاط السياحة ومعها الإيرادات الدولارية، وتتزايد الضغوط على العملة المحلية، وزيادة كلفة واردات الطاقة والأغذية بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، وهروب الأموال الساخنة، والفجوة التمويلية للبلاد، والتي تقدر بنحو 17.6 مليار دولار في العام المالي الحالي 2022/2021، هذه بالإضافة لإعلان البنك المركزي عن انخفاض الاحتياطي النقدي بقيمة 3.9 مليار دولا. 

يرى الخبير والمحلل الاقتصادي، دكتور عبدالنبي عبدالمطلب أنه يجب التفريق بين الودائع والاستثمارات، فيما يخص الودائع فقد قامت السعودية بالفعل بإيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي، بينما تأتي باقي المبالغ والاستثمارات على هيئة وعود وتعهدات تنوي هذه الدول ضخها في مصر، والتعهد هنا لا يقتضي بالضرورة الإلزام أو ورود هذه الأموال لمصر بالفعل، لكن ما تم بالفعل هو وديعة السعودية في المركزي المصري. 

وقال عبدالمطلب، في تصريحات خاصة لـ "المشهد" إن الأموال السعودية المتدفقة مؤخرًا إلى مصر هي عبارة عن ودائع في البنك المركزي مقابل فائدة وليست قروضا أو مساعدات، وبما أنها ودائع فتستطيع الحكومة المصرية أن تستخدمها لتوفير احتياجاتها من النقد الأجنبي، سواء لسد احتياجات السوق المحلية من النقد الأجنبي، أو لتمويل الواردات للسلع الأساسية التي تحتاج إليها الدولة، أو لسداد جزء من الالتزامات المصرية بالعملات الأجنبية مثل الفوائد وأقساط الديون. وهو ما يعني أنه لا يوجد شيء محدد توجه له هذا الأموال، فالودائع يمكن للحكومة أن تستخدمها كما تشاء. 

كما يمكن، وفقًآ لعبدالمطلب، أن يتم توجيه جزء من هذه الودائع لتدعيم الاحتياطي النقدي، مشيرًا إلى فقد الاحتياطي النقدي المصري حوالي ٤ مليار دولار خلال مارس الماضي، ومن هنا فإن جزءا من هذه الودائع قد يظل في البنك المركزي كتدعيم للاحتياطي النقدي المصري. 

أما فيما يخص تأثير هذه الودائع على خفض معدلات التضخم، أوضح عبدالمطلب، أن هذا الأمر مستبعد، لأن التضخم ناتج من ارتفاع أسعار السلع وارتفاع تكاليف الاستيراد وتكاليف الإنتاج، وهذا لا يخص السوق المصري فقط بل هو قادم من الخارج، فوجود تضخم في الخارج أدى الى ارتفاع السلع المستوردة وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، وانعكس ذلك على السوق المصري بشكل مباشر. 

وحول إمكانية أن يشعر المواطن بهذه التدفقات الخليجية، قال الخبير الاقتصادي إنه مهما كان حجم هذه التدفقات والودائع فإن أثر استخدام هذه الودائع على الاقتصاد المصري لن يظهر أو يشعر بها المواطن إلا عندما تقوم الحكومة باستثمارات حقيقية مباشرة تزيد الإنتاج سواء الإنتاج الزراعي أو الإنتاج الصناعي. 

وأكد عبدالمطلب أنه تحت كل الظروف فقيم هذه الودائع صغيره بالمقارنة بالأموال التي تحتاجها مصر لتحقيق نمو اقتصادي يتجاوز ٧٪ ويشعر به المواطن المصري. كما أنه إذا وجهت الحكومة جزءا من هذه الأموال للاستثمار المباشر في مشاريع تنموية في مصر، فإن أثر هذه المشاريع سيحتاج على الأقل إلى ٥ إلى ٦ أشهر حتى يظهر ويشعر به المواطن. 

توقعات بزيادة الاستثمارات الخليجية في مصر

وقال وائل زيادة الرئيس التنفيذي لشركة زيلا كابيتال للاستشارات المالية، إن هناك اتجاه كبير للمؤسسات والصناديق الاستثمارية الكبرى السعودية والإماراتية لضخ استثمارات بالاقتصاد المصري، في ظل ما يتميز به من العديد من المقومات التنافسية على رأسها أكبر سوق استهلاكي في المنطقة العربية، إضافة إلى ذلك تنفيذ الدولة برنامجا للإصلاح الاقتصادي منذ عام 2016، وضخ استثمارات ضخمة في البنية التحتية ساهمت في حل العديد من المشاكل التي تواجه المستثمرين، ونجحت في توفير فائض من الكهرباء، في الوقت الذي تعاني فيه دول أوروبية من نقص في الطاقة والسلع الأساسية.

وأنفقت مصر 335 مليار جنيه (19.5 مليار دولار) استثمارات في مجال إنتاج الكهرباء خلال آخر 7 سنوات، لبناء 31 محطة إنتاج طاقة كهربائية ومجمع بنبان للطاقة الشمسية ساهمت في تحقيق فائض في الكهرباء 13 ألف ميغا وات في يونيو 2020، بحسب بيانات لمجلس الوزراء.

وأضاف زيادة، أن غياب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر منذ فترة طويلة أدى إلى أن الاستثمارات الموجودة بالسوق المحلية أصبحت مغرية، مشيرا إلى أبرز القطاعات التي تحظى بإقبال من الاستثمارات العربية وهي القطاعات الاستهلاكية بوجه عام، وقطاعي الرعاية الصحية والتعليم وتمثل نسبة 70-80% من الاهتمام استنادا على أن مصر سوق استهلاكي ضخم يتجاوز 100 مليون نسمة.

وتابع بجانب ما تم ذكره من مقومات تنافسية للاستثمار في مصر، فإن تخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار يمثل حافزا مغريا لجذب الاستثمارات الأجنبية لأن الاستمرار بسعر صرف أعلى من قيمته العادلة أثر على جاذبية الاستثمار الأجنبي، ومع التخفيض الأخير أصبحت هناك جاذبية للشركات.

وخفضت مصر سعر صرف الجنيه أمام الدولار بداية من يوم 21 مارس تزامنًا مع قرار للبنك المركزي المصري برفع سعر الفائدة بنسبة 1% في محاولة لاحتواء موجة التضخم العالمي والحرب الروسية الأوكرانية، ليصل متوسط سعر صرف الدولار 18.29 جنيه للشراء، 18.39 جنيه للبيع في البنك المركزي. 

ويرى وائل زيادة أن استمرار الاهتمام بملف سعر صرف الجنيه ومنح حوافز ضريبية وتسهيل في البنية التشريعية والإجراءات الإدارية أبرز 3 ملفات يجب أن تركز عليها الحكومة المصرية خلال الفترة الحالية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية بشكل عام.

قرض جديد من صندوق النقد

وتتفاوض الحكومة المصرية حاليا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض تتراوح قيمتها بين 8 و10 مليارات دولار، وربما يزيد المبلغ عن هذا الرقم، مقابل تطبيق برنامج اقتصادي جديد غير معروفه ملامحه حتى الآن، وإن كانت مقدماته واضحة، ومنها خفض قيمة الجنيه بنسبة 17%، وزيادة سعر غاز الطهي، وزيادات طفيفة في أسعار البنزين وارتفاع أسعار السلع الغذائية وغيرها.

وفي هذا الصدد أوضح عبدالمطلب أن قروض صندوق النقد الدولي لا تمول أو توجه للاستثمار المحلي، هذا دور البنك الدولي، بينما تكون من ضمن شروط صندوق النقد الدولي أن يوجه القرض لسد عجز الموازنة الداخلية أو موازنة ميزان المدفوعات، أي تمويل شراء سلع استراتيجية وأساسية من الخارج الدولة لا تستطيع شراءها في الوقت الحالي، أي أن هذا القرض أيضًا لن يقوم بإحداث أثر إيجابي على المواطن لأنه لا يدخل لمصر على هيئة استثمار. 

علما بأن الصندوق منح مصر قروضا تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار منذ نوفمبر 2016 وحتى منتصف العام الماضي 2021 مقابل تنفيذ برنامج من أبرز ملامحه تعويم الجنيه وفرض ضريبة القيمة المضافة وزيادة الأسعار والضرائب والرسوم وخفض دعم الوقود.
----------------
تقرير – عبدالرحمن العربي
من المشهد الأسبوعية






اعلان